محمد يوسف العزيزى
الإرهاب والإدانات الدولية.. والمواجهة!
بقلم : محمد يوسف العزيزى
حادث مسجد الروضة الذي سقط فيه عدد كبير وغير مسبوق من الضحايا الشهداء هو حادث كاشف.. أبرز بوضوح مدى الفُجر (بضم الفاء) الذي وصل إليه الإرهاب ومدى الدموية والتوحش في الانتقام من شعب أراد فقط أن يواجه ثقافة الموت بثقافة الحياة، وأن يقابل التطرف والغلو بالوسطية والاعتدال، وأن ينشر التسامح بدلا من التعصب، وأن يقيم البناء بدلا من التخريب والهدم.
لا أظن بعد هذا الحادث الخسيس أن ترديد مقولة (الإرهاب لا دين له ولا وطن) لها معنى أو ظل على الأرض.. بعد هذا الحادث الإجرامي الكاشف.. الإرهاب له هدف يريد تحقيقه ومنهج هو دينه يريد فرضه على الواقع، وله أرض يريد أن يمتلكها ويسيطر عليها بالتطهير والقتل على الهوية أحيانا، والقتل للترويع أحيانا أخرى!
لذلك فإن الركون إلى أن الإرهاب لا دين له ولا وطن يبعدنا كثيرا عن التفكير في استراتيجية مواجهته والقضاء عليه، وتظل محاولاتنا بين النجاح والفشل في عمليات كر وفر أملا في القضاء عليه بالنقاط مثل مباريات الملاكمة!
حادث الروضة يعتبر نقلة نوعية في نهج الإرهاب، الذي يبدو أنه لجأ إليها مضطرا بعد فشله في مواجهات الجيش والشرطة، وبعد أن قلمنا أظافره في أماكن عديدة، وبعد أن تم قطع معظم طرق الإمداد من العتاد والمال، وبعد أن نجحت مصر في كشف وفضح دول عربية وإقليمية تدعمه، وجعلت العالم كله يرصدها ويراقبها، وبعد أن استطاعت مصر أن تسيطر على حدودها الشرقية باتفاق المصالحة الفلسطينية وتضييق الخناق على كل أو معظم ما كان يدخل عبر الحدود والأنفاق، وتسيطر كذلك على حدودها الغربية فتدمر مئات من سيارات الإمداد المحملة بالإرهابيين والسلاح!
لم يعد أمام الإرهاب غير اللعب بورقته الأخيرة.. مواجهة الشعب - وهي مواجهة لم ينتصر فيها الإرهاب في أي مكان في العالم – ظنا منه أن أعماله الخسيسة سوف تنال من إرادة الشعب وتصيبه باليأس والإحباط.. لكنه في كل مرة يدرك أن حساباته خاطئة، لأن الشعب المصري يدرك جيدا معنى الوطن والمواطنة.
حربنا مع الإرهاب طويلة وممتدة، وبقدر تماسكنا والتفافنا حول مفهوم الدولة ومؤسساتها الوطنية بقدر ما كانت هزيمة الإرهاب قريبة.
مع الحادث الجبان جاءت إدانات من كل دول العالم، عدا تلك الدول التي على رؤوسها بطحات.. والإدانات رغم أنها ترفع معنويات الشعوب وتؤازر الدولة إلا أنها تبقى مجرد مشاعر طيبة وكلمات عاطفية من عينة ندين، نساند، نأسف، نستنكر، نقف معكم، نتضامن، تتضافر جهودنا معكم، نقف معكم في خندق واحد، وغير ذلك من الكلمات النمطية!
مثل هذا الكلام البروتوكولي – في تقديري – يبقى كلام بلا فاعلية حقيقية، ولا يؤثر في مواجهة الإرهاب من قريب أو بعيد، رغم ما نراه من فروق في الدعم والمساندة عندما تتعرض دولة أوروبية لحادث إرهابي بسيط يخلف وراءه قتلى لا يتجاوزن أصابع اليدين، ومع ذلك فالكثير من الدول التي أدانت الحادث تعرف جيدا من أين يحصل الإرهاب على السلاح الذي يقتل به (أسلحة جيوش)، وعلى المال والدعم اللوجيستي، وعلى الغطاء السياسي، وعلى أماكن التدريب والإعاشة، وعلى المساندة الإعلامية، وتعرف هذه الدول الكبيرة كيف تواجه الإرهاب وتحاصره وتجفف منابعه، وتعرف كذلك كيف تعاقب الدول التي تدعمه وتنفق عليه وترعاه وتتبنى مواقفه، ومع ذلك لا تفعل هذه الدول شيئا، والسبب ببساطة أن من بين هذه الدول التي أدانت الحادث دول صنعت هذا الإرهاب أو شاركت في صناعته، ودول تمده بالسلاح بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق الخطأ، ودول توفر له ممرات آمنة للانتقال إلى أماكن جديدة يمارس منها لعبته وخطته.. ولو أن هذه الدول جادة في مواجهة الإرهاب كما تواجهه مصر لفعلت.
حادث الروضة البشع والجبان يجب تسويقه جيدا لكل العالم، ويجب توثيقه وعرضه بلغة يفهمها العالم، ويجب توجيه إدانة واضحة لزعماء دول العالم بأن صمتهم على هذا الإرهاب هو خيانة لشعوبهم وللضمير الإنساني، وعليهم إما المواجهة الحقيقية للإرهاب وإما الاعتراف بأنهم شركاء في صناعة الموت وتدمير الحضارة الإنسانية!
















