عاجل
الإثنين 25 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
بين الفقر والغنى!
بقلم
محمد نجم

بين الفقر والغنى!

بقلم : محمد نجم

كنت صغيرًا في السن ولكنني كنت كثير الجدل مع الكبار فيما يتعلق بآرائهم في السياسة وفي ظروف معيشتهم.



وتصادف أن كنا بدوار العائلة، وكان الراديو يذيع أغنية المرحوم محمد عبد الوهاب التي يقول فيها «محلاها عيشة الفلاح.. عايش متهني ومرتاح.. وبيتمرغ على أرض براح»، فلمحت السعادة على الوجوه.. فعبد الوهاب بيغني لهم!

وكالعادة اندفعت متسائلا: الراجل ده بيغني عليكم! هو مين اللي متهني ومرتاح؟ الفلاح بيتمرمغ على الأرض الواسعة لأن مصارينه بتقرصه من أكلة المش أبو دود! وعندما يرغب في بعض الراحة.. فحصى الأرض يوجعه فيضطر للمرمغة بجلبيته الدمور المصبوغة بالأزرق!

وبالطبع مسخ الكبار كلامي.. بحجة أننا جيل متسرع ولا يحمد ربنا على ما هو فيه، حامدين الله وشاكرين فضله على الستر والصحة والرزق الحلال.

أقول ذلك.. بعد مرور الكثير من السنوات.. حيث لم يحسم الأمر حتى الآن، بمعنى.. من هو الفقير؟ ومن هو الغنى؟ وماذا عمن يقعون في المنطقة الوسط؟

وهل المسألة شخصية.. أي حسب ما تنظر لنفسك؟ أم أن فقرك أو غناك يعتمد على بيانات وقياسات وظروف المكان والزمان الذي تعيش فيه؟

مناسبة هذا الكلام.. أنني استمعت لمحاضرة قيمة من أحد راهبى العلم وأبرز الخبراء العالميين في هذا المجال، وهو د. مارتن رافاليون الأستاذ بجامعة جورج تاون ومدير الأبحاث السابق بالبنك الدولي، ومؤلف كتاب «اقتصاديات الفقر.. التاريخ والقياس والسياسة» والصادر عن جامعة أكسفورد.

وقد ألقى الرجل محاضرته على جمع غفير في منتدى البحوث الاقتصادية وأوضح أن عدد الفقراء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انخفض من مليار و800 مليون عام 1998 إلى 800 مليون فقط عام 1212، ولكن بالنسبة لدول الربيع العربي فخط الفقر ثابت ولكن عدد الفقراء يزداد!

وقال أيضا إن برامج مكافحة الفقر لم تنجح في أغلب الدول في تحقيق أهدافها لاعتمادها على قياسات غير دقيقة لمعدلات الفقر النسبي.

خلينا نبسّط الموضوع.. ونشرحه على الطريقة المصرية.. هناك ما يسمى «خط الفقر» ومعياره 2 دولار في اليوم وكلما انخفض هذا المعيار زاد معدل الفقر واختلفت التسمية من فقر.. إلى فقر مدقع.. إلى معدوم!

وبمعنى آخر.. كل من يحصل على 1200 جنيه في الشهر.. فهو فقير.. وإن كان يحصل على أقل من ذلك.. فربنا معاه.

وفي مصر.. كشفت الدراسات التي تمت مؤخرًا مقارنة بين عامي 2010 و2016.. أن هناك مليونًا و200 ألف مصري سقطوا تحت هذا الخط، وأعتقد أن كلنا عارفين السبب وهو ثورات الربيع العربي التي أتت على الأخضر واليابس!

ولكن هناك خطا آخر.. وهو «الفقر النسبي».. وقياسه يعتمد على ما يستهلكه الآخرون.. مقارنة بما تستهلكه أنت، بمعنى أنت ساكن في شقة بالإيجار.. وراكب عربية 28، وأولادك في مدارس حكومية.. وبتتعالج طبقا لنظام التأمين الصحي.

وقد تعتقد أنك فقير.. مقارنة بشخص آخر يمتلك فيلا في كومباوند، وراكب سيارة مرسيدس، وأولاده في مدارس خاصة أو لغات.. وبيتعالج في المستشفيات الخاصة أو في الخارج.

وهنا المشكلة.. طبقا لكلام الأخ مارتن.

لأن هؤلاء من أصحاب الإحساس بالفقر النسبي يخشون مما يسمى «الإقصاء الاجتماعي».. أي لا يجالسون الأغنياء أو علية القوم.. ولا يدخل أبناؤهم كليات القمة، أو لا يحصلون على الوظائف المميزة.. كالانخراط في السلك الدبلوماسي أو النيابة العامة.. أو الإعلام إذا كان مازال يحفظ بريقه، ولذلك يلجؤون إلى ممارسة «مظاهر اجتماعية» تحملهم أعباء مالية ضخمة.. تفاديا لهذا الإقصاء!

ولتغطية تكاليف هذه «المظاهر الاجتماعية» يضطرون للاقتراض أو بيع ما يملكون من أصول موروثة.. أو تكون على حساب أشياء أخرى ضرورية.

وتكون النتيجة أن حياتهم أصبحت أصعب.. حيث يلهثون ليلا ونهارا.. في البحث عن فرص عمل إضافية.. وإن لم يستطيعوا.. فسرعان ما يسقطون تحت خط الفقر المتعارف عليه.

وهنا يؤكد د. مارتن أنه لا بد من المعلومات الدقيقة والقياسات الصحيحة.. بمعنى آخر لا بد أن تعرف عدوك.. عدده وحجمه لكي تستطيع مواجهته.

ولذلك.. فشل أغلب برامج مكافحة الفقر في أغلب الدول لأنها لم تحدد بالضبط من هو الفقير وما هو عدد الفقراء الذين يجب مساعدتهم للانتقال من تحت خط الفقر إلى أعلاه.

ومن ثم يجب بناء شبكات حماية اجتماعية فعّالة للمتضررين من برامج الإصلاح الاقتصادي التي تتم في بعض الدول.

انتهى كلام الخبر الدولي.. وأعتقد أننا لدينا مشكلة في ذلك.. وأبرزها.. أننا حتى الآن ليس لدينا قاعدة بيانات لمستحقي الدعم، واضطر الأكاديميون للقول بأن «الدعم يذهب لغير مستحقيه»!

ولست أعلم لماذا تتلكأ الحكومة حتى الآن في تفعيل «كارت البنزين» الذي يتيح لكل صاحب سيارة الحصول على احتياجاته بالأسعار المعقولة وطبقا لحجم استهلاكه، بدلا من الوضع الحالي.. حيث السعر مطبق على الجميع، على من يركب المرسيدس.. ومن يركب الميكروباص!

ولست أدرى هل هو استسهال.. أم استمرار لتحمل الفقراء ومحدودي الدخل عبء الإصلاح؟

أخيرًا.. لقد تيقنت أن الأجداد والآباء كانوا على حق.. فلا مناص من التسليم بقضاء الله وقدره.. والحمد والشكر له على الصحة والستر والرزق الحلال.

 

 
 
 
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز