

طارق رضوان
جرائــم الاخوان 2
بقلم : طارق رضوان
كانت الثمانينيات سنوات وضع الأسس الإخوانية فى المجتمع. المناخ العام الدولى والإقليمى والمحلى كان فى صالحهم. ومظلة الحماية الأمريكية بأموال سعودية مكَّنت الجماعة من التوغُّل فى المجتمع. وأصبح دورهم ظاهرًا ومؤثرًا وخطيرًا. بدأ المجتمع فى التغير الشكلى تمهيدًًا لتغير الجوهر بسحق الهوية الكوزموبولتانية. فقد بدأت مصر عهد الظلام والفساد.
لم يكتب التاريخ الصحيح بعد. ولم نعرف إلى الآن حجم الخيانات والصفقات التى تمت لإحياء الجماعة الإرهابية وإعطائها الفرصة الكاملة للانتشار داخل المجتمع. ولم نعرف بعد حجم الخسائر التى تكبلتها مصر. فقد لعب السادات دورًا نعجز عن فهمه إلى الآن ولا نعرف هل كان مجبرًا عليه أم كان طبيعته الريفية تميل إلى ذلك؟ لكن نهاية الأمر لعب السادات دورًا خطيرًا فى إحياء الإخوان من جديد حتى ظهروا بثوب جديد وبخطط جديدة وتحت مظلة حماية امتدت اثنين وأربعين عامًا كاملة. توغل الإخوان ونفذوا خططهم وسيطروا كما لم يحدث من قبل على مفاصل الدولة حتى جاءت فرصتهم الكبرى. تولى مبارك الحكم بعد مقتل السادات فى مشهد دراماتيكى يشبه تمامًا حياة السادات وقراراته. وفى السنوات المبكرة من الثمانينيات تعاون الإخوان الفاشسيت مع حكم مبارك وقاموا بدور الوسيط بين الدولة وجماعات العنف الإرهابية. كان الارتباط الوثيق بين الأزهر والنظام قد تقلص مصداقيته وشعرت الدولة أنها بحاجة إلى قوة رئيسية داخل تنظيمات الإسلام السياسى تساعدها على التواصل مع جماعات العنف التى انتشرت بشكل مخيف. وهو ما سمح للجماعة بعد أن تقبلت سلطة الدولة بالعمل داخل نطاقات محدودة. وأفادت سياسة الاستيعاب المتبادل جماعة الإخوان فى محاولاتها إعادة ترسيخ نفسها بصفتها التنظيم الإسلامى القائد بمصر، حيث إنها وبسبب عدم استطاعتها العمل بأسلوب علنى فى المجال السياسى فقد وجّهت أنشطتها إلى مؤسسات المجتمع المدنى من أجل السيطرة عليه. عمل اختراق الجماعة للنقابات المهنية وشبكة خدماتها الاجتماعية، التى توسعت بشكل هائل، على تقوية التنظيم بتوفير قاعدة دعم جديدة لهم، ومن جهة أخرى استطاعت الدولة استخدام الجماعة كقوة اعتدال فى صراعها مع جماعات العنف التى ظلت مقصورة على بعض التنظيمات فى محافظات الصعيد. فأصدرت الجماعة صحيفة الدعوة لمدة قصيرة واستمرت فى تقديم الخدمات الاجتماعية فى جميع أنحاء البلاد وسُمِح لها بترشح أعضائها فى الانتخابات البرلمانية عام 1984 ضمن قوائم حزب الوفد. ثم فى انتخابات 1987 مع حزب العمل الاشتراكى. وأحزاب ليبرالية أخرى كالحزب الوطنى لكن بعدد محدود. وعلى الرغم من تلاعب الحكومة بنتائج الانتخابات، فاز الإخوان بسبعة عشر مقعدًا عام 1984 وستة وثلاثين مقعدًا عام 1987 لكن مكاسب الإخوان الحقيقية لم تكن فى الحياة السياسية كما يظن البعض. بل الأهم حسب خططهم هو نجاحهم المفزع الذى حققوه فى انتخابات النقابات المهنية. كان الكثيرون من قيادات الإخوان الشابة مثل عبد المنعم أبو الفتوح وخيرت الشاطر وعصام العريان قد شاركوا فى الانشطة السياسية الطلابية فى السبعينيات لكنهم تمكنوا من توظيف خبرتهم السابقة فى الأنشطة الطلابية والاستفادة منها فى النقابات المهنية التى زادت فيها أعداد الأعضاء الإسلاميين. فقامت تلك القيادات الشابة بتنظيم صفوف هؤلاء وتجميعهم وترشيح أعداد منهم فى انتخابات النقابات وتمكنوا بذلك من الفوز بمقاعد عديدة فى انتخابات نقابة المهندسين ثم فازوا بغالبية مقاعد مجلس الإدارة عام 1987 حدث هذا أيضا فى نقابة الأطباء والصيادلة. وفى عام 1992 هيمنوا على مجلس نقابة المحامين التى كانت قد ظلت طوال تاريخها حصنا للسياسات الليبرالية ورمزًا للحداثة العلمانية. كانت تلك السيطرة لها أثر بالغ على المجتمع المصرى كله. وأصبحت عملية تغيير الهوية المصرية تتم بدقة متناهية وبأموال خليجية لا حدود لها. فاتجه التنظيم عن طريق شيوخ محسوبين على التيار المعتدل إلى المجتمع الفنى، وكان جل تركيزهم على الفنانات ممن يتمتعن بشعبية طاغية ويمثلن أيقونات الجمال للفتيات صغار السن. وأعلنّ كما قلن توبتهن وارتدين الحجاب على أيدى شيوخ ذوى علاقات وثيقة بالسعودية. كان الاختيار ذكيًا. وكانت الأموال مقابل إعلان التوبة لا تقاوم. تم اختيار الفنانات بعناية. فنانات ذات تاريخ يؤثرن فى نساء جيلهن وعلى وشك الاعتزال والابتعاد عن الأضواء. فكانت الصفقة جاهزة المال لتأمين المستقبل مقابل الحجاب علنًا لتقتدى بهن الفتيات. وهو ما أثر على المرأة فى المجتمع وتمت المساواة بين العناصر التى تميز ضد النساء والمستوردة من الثقافة السعودية وبين الموروث الإسلامى. فانتشر الحجاب بين النساء والفتيات الصغيرات. وأصبحت الفتاة غير المحجبة عُرضة للسخرية بل للاضطهاد فى دواوين الحكومة وفى المدارس. وظهر النقاب لأول مرة فى مصر. وانتشرت الكتب الدينية فى معارض الكتاب المختلفة وأصبحت على قائمة أعلى المبيعات. بل ونشرت إحدى الصحف القومية سلسلة أسبوعية لفتاوى بن تيمية. وانتشرت موضة اللحية والجلباب الأبيض والزى الإسلامى كما ادعوا وهو يشبه ملابس الأفغان. وكان من دواعى القلق أيضا توجه الحكومة إلى دعم الرؤية الإقصائية للمجتمع المصرى والتى تعمل على تقويض طبيعة المجتمع التى ظلت تتميز تقليديًا بالتسامح والكوزموبوليتانية. توقف دور مصر كقوة ثقافية وسياسية قائدة فى العالم العربى والتى اتسمت بها فى أوائل القرن العشرين. حيث كانت تنتج معظم أدب المنطقة وأفلامها وكذلك الأفكار الحداثية. وأصبحت السعودية هى التى تضع الأجندة الثقافية والفنية والإعلامية للمنطقة، وهو ما يمثل كارثة للفكر العربى وللثقافة العربية. وظهر الاضطهاد الفكرى والتعديات على الحرية الفنية التى اتسمت بها التسعينيات من تجليات تلك النتائج. حيث أدى دعم الدولة للفهم الضيق المتشدد للدين إلى وجود مناخ أصبح فيه ذو الأفكار المخالفة دينية كانت أم سياسية أهدافًا للهجوم. وكان من يقوم بهذا الهجوم عادة من المرتبطين بمؤسسات الدولة بشكل أو بآخر. وأخيرًا كان اضطهاد الأقباط وإضفاء الصيغة الإقصائية على السياسة المصرية من نتائج سياسات الحكومة القائمة على أسس دينية، حيث إنه وبدلًا من توفير أساس مشترك للمواطنة أدت الصفقة التى عقدها نظام مبارك مع الإسلام السلفى إلى تفريق المجتمع المصرى سياسيًا وتمزيقه. أوضح هذا قوة الجماعة. وأعدّ المسرح للمواجهة التى كان لا بد لها أن تحدث. وكان للزلزال الذى تعرضت له القاهرة عام 1992 أن يظهر كثيرًا من تلك التوترات على السطح فى أعقاب الزلزال الذى وقع بعد أن أغلقت المكاتب الحكومية أبوابها لعطلة آخر الأسبوع. فقامت نقابة الأطباء ونقابة المهندسين بحشد صفوفهما سريعًا للتعاطى مع الأزمة ووفرتا لآلاف المتضررين فى الأحياء الأكثر تأثرًا العلاجات الطبية والأطعمة والسكن المؤقت. بدأ المهندسون بفحص المنازل التى أصيبت ووضعوا تقريرًا مفصلًا للمنازل التى تصلح للعودة إليها وبنوا خيامًا جاهزة ومعدّة لأصحاب البيوت المتهدمة. كما قامت المجموعتان بتوزيع النقود على المتضررين وعلى عائلات من ماتوا فى الزلزال وتوزيع البطاطين والأطعمة. هلعت الحكومة من تحركات الجماعة السريعة وبعد أن عجزت عن مضاهاة جهود الإخوان وبعد أن أثار أداء أجهزتها البائس قلقها أمرت النقابتين بالتوقف عن أنشطتهما. ثم قامت بإرسال قوات عسكرية قامت بتفكيك خيام المأوى ومصادرة جميع التبرعات لجهود الإنقاذ. فقد سهل شيوع الفساد فى أنحاء مرافق الحكومة ووزاراتها انتشار الجماعة الإرهابية حيث حلت محل الهيئات الغائبة لتوفير الخدمات الضرورية فى الأحياء الفقيرة والعشوائية بتمويلات خليجية، وقاموا بالإنفاق على شبكة واسعة من المدارس والمستوصفات الطبية والمساجد فى أنحاء البلاد وبإدارتها وكذلك النقابات والأندية الرياضية. وتكونت شبكة هائلة من المدربين والإداريين ولاعبى الكرة موالين للجماعة؛ بل وبعضهم كان كادرًا إخوانيًا يلقى الدعم والإرشاد والتوجيه كما هو الحال فى اللاعب أبو تريكة وأطلقوا عليه لقب القديس. وأصبح المسرح معدًا لتوليهم الحكم .