عاجل
الجمعة 31 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
طلعت حرب ينقذ أم كلثوم!

طلعت حرب ينقذ أم كلثوم!

بقلم : رشاد كامل

الكتابة عن «طلعت باشا حرب».. متعة لا حدود لها، والكتابة عنه بمثابة درس مهم فى فن النجاح رغم كل الصعوبات والمعوقات التى صادفته وعبرها بنجاح وامتياز!!



وما أكثر الدروس التى علمها «طلعت حرب» لكل من اقترب منه، وعرفه عن قرب سواء كان من أهل الاقتصاد أو السياسة والصحافة بل أيضا من أهل الفن!

وليس سرا أن «طلعت حرب» كان عاشقا ومهتما بالفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص، وكذلك أهل الغناء والموسيقى!

وفى سطور بالغة الدلالة كتبها الأستاذ «محمد رشدى»- «زوج ابنة طلعت حرب» فى مقال مهم قوله:

كان من يرى «طلعت حرب» وهو رجل العمل والكفاح والجد، يظنه رجلا عبوسا لا يستهويه الفن والموسيقى ولايطربه الغناء والصوت الجميل، لكن تاريخ هذا الرجل على النقيض من النظرة العابرة، فإنه وهو القائم على هذه الأعمال الجبارة والمنشئ لهذه المشروعات الضخمة، لم تفته ناحية الفنون وما لها من أثر فى حياة الشعوب ورقيها، فقد اعتز بالفنانين وحباهم بعطفه وأمدهم بماله،

وحين رأى انهيار المسرح المصرى أقام شركة مصر لترقية التمثيل العربى، ولما طغت السينما بلغاتها الأجنبية على التمثيل أنشأ فى سنة 1925 شركة مصر للتمثيل والسينما، وجهزها بأحدث الآلات حتى ضارعت أمهات الشركات فى أوروبا وأمريكا.

لقد توقفت طويلا أمام ما كتبه الناقد الفنى الكبير الأستاذ «عبدالنور خليل» فى كتابه البديع والرائع وهو «رجال فى حياة أم كلثوم» وبطبيعة الحال فقد كان «طلعت حرب» واحدا من هؤلاء الرجال المهمين!

كتب الأستاذ «عبدالنور خليل» يروى بقلمه الرشيق هذه الحكاية المدهشة عن «طلعت حرب وأم كلثوم» قائلا:

«لم يكن» طلعت حرب صاحب النهضة الاقتصادية التى تجلت فى إنشاء بنك مصر وشركاته فقط بل كانت له اهتماماته الفنية الخاصة شأنه فى ذلك شأن الكثيرين من باشوات مصر وكبار الشخصيات وعيون المجتمع المصرى الراقي!

وبصفة خاصة كان «طلعت حرب» يحلم بنهضة فنية تقوم على تخطيط اقتصادى سليم يتيح لها الوجود الأمثل فى الحياة المصرية وكان يأخذ بالفعل خطوات جدية لوضع أسس هذه النهضة التى تمثلت فيما بعد فى تكوين شركة مصر للتمثيل والسينما التى أنشأت بدورها ستديو مصر ودار ستديو مصر للعرض السينمائى!

وكان «طلعت حرب» صديقا شخصيا لأكثر فنانى مصر وأربائها ومثقفيها فى تلك الفترة من العشرينيات ورغم مشاغله وانغماسه فى تأكيد نجاح بنك مصر ومجموعة شركاته، كان يسعده أن تجمعه جلسات خاصة وتنشأ بينه وبين الأدباء والفنانين صداقات وروابط عديدة لا تنقطع!

كان من بين من يهتم بهم «طلعت حرب» المطرب «محمد عبدالوهاب» والمطربة «أم كلثوم» والفنان «يوسف وهبى» و«نجيب الريحانى» و«جورج أبيض» وكان صديقا شخصيا لكل هؤلاء ومن يدورون فى محيطهم.

••

وكان أول احتكاك عملى بينه وبين «أم كلثوم» التى كان يحتفظ لها فى نفسه بمكانة خاصة ويوليها اهتماما أكبر مما يليه لأصدقائه الفنانين إنه فوجئ ذات يوم بطلب من «أم كلثوم» بأن تراه لأمر مهم يقلقها وتريد أن تسمع فيه مشورته!

ورحب طلعت حرب بمقابلتها ومضى ينصت لها وهى تحدثه عن المشكلة التى تقلقها غاية القلق!

قالت أم كلثوم بعد أن فرغ «طلعت حرب» من الترحيب بها:

- لقد تعاقدت مع شركة اسطوانات كبيرة على تسجيل وطبع وتوزيع الأغانى فى الأسواق، ولا غبار على الشركة التى تعرفها سيادتك فهى أكبر وأخطر شركة تعمل فى هذا المجال.. وهى تسجل وتطبع وتوزع أغانى عدد كبير من المطربين والمطربات ولكن المشكلة أننى أحسست بأن الشركة تعاملنى كمطربة من الدرجة الثانية، وتعامل أغانىَّ على أنها أغانى مطربة من الدرجة الثانية وليست مطربة تقف على القمة، ولا أدرى كيف أحل هذه المشكلة؟!

وقال لها طلعت حرب بضحكة خفيفة:

المسألة فى غاية البساطة يا آنسة «أم كلثوم» ماتدهمش أغانى من أغانيك، وتفسخى تعاقدك معهم!! ودى يعملها لك تلميذ فى سنة أولى حقوق أو صبى محامى!

وشردت أم كلثوم قليلا قبل أن تقول:

- أعرف هذا ولكن العقد يفرض شرطا جزائيا بدفع مبلغ كبير من الطرف الذى يفسخه كتعويض!!

- وبلا تردد أجابها «طلعت حرب»:

- ادفعى التعويض مهما كان المبلغ وافسخى العقد!

كان - طلعت حرب - يلقى عبارته بلهجة الأمر إلى حد أنها صمتت حائرة وبدا كأنها أسقط فى يدها أو أنه يطلب منها شيئا مستحيلا، وفطن «طلعت حرب» إلى أنه قد أربكها فخفف من لهجته الآمرة وقال:

- كم مبلغ التعويض؟! كم يفرض عليك الشرط الجزائى أن تدفعي؟!

وأجابت أم كلثوم: ألفا جنيه.. وليس معى منها ألف نكلة!!

جذب «طلعت حرب» حبل الجرس المعلق خلف مكتبه وطرق الباب ليأذن لمدير مكتبه بالدخول فقال له «طلعت حرب»:

- نفذ إجراءات سلفة من البنك للآنسة «أم كلثوم إبراهيم» بمبلغ «ألفى جنيه» وهات الأوراق!

ونظرت «أم كلثوم» فى وجه «طلعت حرب» بدهشة لقد ذهبت تزوره فى طلب المشورة والنصيحة فإذا به يحل لها المشكلة بكلمة، ولم تستغرق إجراءات السلفة التى أعطاها «طلعت حرب» من بنك مصر «لأم كلثوم» زمنا أكثر من الذى استغرقه شرب القهوة التى جاء بها ساعى مكتبه، رغم أن مبلغ الألفى جنيه فى ذلك الوقت كان يمثل ثروة طائلة إلى الحد الذى خافت معه «أم كلثوم» أن تحمل كل هذه الثروة فى حقيبة يدها وهى تغادر البنك!!

فأمر «طلعت حرب» مدير مكتبه أن يصاحبها فى رحلتها وهى عائدة إلى بيتها فى عمارة بهلر بحى الزمالك!

••

ويعلق أستاذنا الكبير «عبدالنور خليل» على القصة بقوله:

عندما قرر «طلعت حرب» أن يعطى «أم كلثوم» قرض بنك مصر هذا، لم يطلب ضمانا، ولا سألها كيف ستعيد هذا القرض إلى البنك؟! بل كان يزرع فى داخلها شجرة وارفة من الثقة فى النفس وفى تقدير الذات لها كفنانة وكانت كلماته تدخل الطمأنينة والسكينة على نفسها المضطربة وهو يقول لها:

- لاتجزعى ولايداخلك القلق لأنك أصبحت مديونة لبنك مصر، فأنا أعرف أن نجاح أغنية واحدة من أغانيك عندما تطرح للناس بأسلوب ناجح سوف تدر أضعاف هذا المبلغ!! المهم ألا تسمحى لأحد أن يعاملك على أنك مطربة من الصف الثانى، فليست هناك مطربة مهما كانت لها من شهرة أو حظوة تستطيع أن تتقدمك أو تسبقك فى طابور الشهرة والقبول والحب فى قلوب الناس!

وقد وعت أم كلثوم نصيحة طلعت حرب وجعلتها قانونا يحكم حياتها.

وللحكاية بقية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز