عاجل
الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لماذا نُدرِّس الفكر؟

لماذا نُدرِّس الفكر؟

بقلم : د. إيريني ثابت

فى بلادنا لا يحب الناس الفلسفة.. يقولون (لا تتفلسف) إذا كنت تقول كلاما كثيرا لا يعطى معانى واضحة.. ولو أن الفلسفة فى الحقيقة هى التى تجعلك تتحدث بلباقة وتجعل كلامك مفهوما ومقنعا ومنطقيا.. لذا نسأل السؤال بطريقة مختلفة.. بدلا من أن نقول: لماذا يجب أن يتعلم أبناؤنا الفلسفة؟ سنقول: لماذا ينبغى أن يتعلم أبناؤنا الفكر؟




عندما يلتحق الطالب المتفوق بالجامعة، يصطدم بنظام جديد لم يعرفه قط فى المدرسة.. يعتمد ذلك النظام على ما نسميه (التفكير النقدى).. وهو عكس التلقين الذى اعتاده فى النظام المدرسى.. الدراسة الجامعية الصحيحة تستنطق عقل الطالب ليفكر ويبتكر وينتقد ويجدد ويغير.. وهنا قد يظهر طالب لم يحصد درجات عالية جدا فى الثانوية العامة، ولكنه يصير متفوقا فى المرحلة الجامعية.. سبب هذا الاختلاف غالبا هو عدم تربية وتعليم أبنائنا فى المدرسة كيف يفكرون بطريقة نقدية.. كيف يدرسون الأمور بطريقة المميزات والعيوب الموضوعية.. عندما يقولون: هذا لا يعجبنى أو هذا يعجبنى، لا نسألهم: لماذا يعجبك؟ اذكر أسبابا موضوعية.. اذكر بديلا لما لا يعجبك، بشرط أن يكون بديلا منطقيا قابلا للتنفيذ.. قُم بحل هذه المشكلة.. إذا كنا ندرس الفلسفة والفكر سنثمر شبابا ذوى تفكير نقدى.


عندما نقرأ خبرا عن إرهابى تخرج من إحدى الكليات التى ندعوها كليات قمة، نتعجب!! نتوقع أن العلم كفيل بتعديل الاتجاهات السلوكية للإنسان.. والحقيقة أنه ليس كذلك.. إذ إن تنمية الفكر بدراسة الفلسفة والأفكار المختلفة حول العالم وعلى مر التاريخ، هى ما يدعم العقل البشرى فى عملية (تمييز المسائل الأخلاقية) وبالتالى تطوير الاتجاهات السلوكية الشخصية.. ببساطة أنت تدرّب عقل ابنك على كيف يميز ما هو أخلاقى وما هو ليس أخلاقيا.. وهى مسألة قد ترتبط بشكلها العام بالدين، ولكن السلوك اليومى للإنسان يعتمد على تمييز كل إنسان لمعانى الخير والشر.. وعلى قرار كل واحد منا أن يصنع خيرا.. ومبرراته الشخصية لصنع الخير.. إذا كنا ندرس الفلسفة والفكر سنصنع جيلا يميز بين الخير والشر ويسلك حسب قناعاته الراسخة.


قرأت على الفيسبوك لأحد المبعوثين للدراسة بالخارج ما أبكانى بسبب انغلاق الفكر الشديد الذى نعانى منه ولا نراه إلا حين نصطدم بالعالم الخارجى.. نظن أننا أكثر الأمم ذكاءً، وأبرع البشر عملا، وأفضل الناس أخلاقا.. نسافر للخارج.. نصطدم بأننا لا نعرف العالم.. لا نعلم شيئا عن (الآخر).. أى آخر.. وكل آخر.. متقوقعون حول ذواتنا التى نظنها الأعظم.. نكتشف أن الآخر يعرفنا أكثر كثيرا مما نعرفه، بل وأكثر مما نعرف أنفسنا.. ويقدّرنا أكثر مما نقدّره.. مع أنه قد يكون أفضل كثيرًا منا.. هذا الانغلاق على منظور واحد، وعدم فهم الآخر ما هو إلا نتيجة منطقية لما نتلقنه من عظمة التراث والأجداد، وما نهمله فى الوقت ذاته من أى محاولة جادة لفهم فكر الآخر.. معرفة الآخر تجعلك أكثر فهما لنفسك وأكثر اقتناعا بمنظورك لكن دون تعالٍ، ودون مبالغة، ودون جهل بشخصية وتراث ومنزلة الآخر.


لماذا يصدق الناس فى بلدنا كل ما يقرأون على السوشيال ميديا؟ لماذا يصدقون كل ما تتناقله ألسن العامة دون أى مناقشة لتلك المعلومات؟ لماذا يزيد عدد مشاركات الأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة كل دقيقة وكل ساعة حتى يصير الخبر الكاذب وكأنه حقيقة يدافع عنها العامة ويقاتلون من أجلها وهى محض كذب؟ ببساطة لأننا لا نعلم أولادنا الفكر والفلسفة الذى يحوى فى أبجدياته (تقييم المعلومات).. الفرق بين الحقيقة والرأى.. بين الواقع والخيال.. الفكر الذى يتبنى علوم المعرفة فى تقييم المعلومة ومصادرها وتصنيف تلك المصادر إلى ما هو موثق، وما لا يعتد به.. ألا يدفعنا هذا لتدريس الفلسفة ومدارس الفكر؟!! 


ثم يسأل سائل: لماذا ترفض الشركات العالمية توظيف أبنائنا الخريجين من حملة الشهادات العليا، بينما توظف من هم أقل منهم دراسيًا؟ ذلك لأن معظم المدارس الدولية، والجامعات الخاصة صارت تعرف السر.. ابنِ فكرًا ولا تقدم معلومة جاهزة.. اطلب بحثا لا امتحانا.. اجعل الهدف تنمية مهارات الطالب ولا تقيس كم معلوماته.. المعلومات كلها نجدها الآن بضغطة زر.. لكن كيف تعرض هذه المعلومات بلباقة وفكر منظم وأسلوب جذاب ومنطق مقبول ومراعاة لكل الإيديولوجيات العالمية حولك هو ما يبحث عنه العالم الآن.. وأضف إليه كيف تعرض كل ماسبق بشكل مكتوب فى بحث منظم خاضع للقواعد العالمية التى أنتجها تراكم الفكر عبر العصور فنتج عنها لغة عالمية يتكلم بها ويكتبها العالم الآن.. 


لندرس الفكر ومدارسه حتى ما نصل بأبنائنا إلى مكونات المواطن العالمى الذى له من التفكير النقدى، وتمييز الإشكاليات الأخلاقية، والوعى بالآخر، وتقييم المعلومات، مايمكّنه من عرض فكر منظم شفاهة وكتابة يؤصل به ذاته وينفع به مجتمعه.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز