

محمد هيبة
أردوغان.. على خطي الإخوان
بقلم : محمد هيبة
حقيقة ليس هناك شعب عبقرى مثل الشعب المصرى.. بفصائله وطوائفه وتياراته المختلفة.. فهذا الشعب لايذوب أبدا فى أى كيان.. ولكن الكيانات كلها تذوب فيه.. وكل الذين توالوا على الشعب المصرى ذابوا فيه وامتصتهم روح وتقاليد وعقيدة هذا الشعب دون أن يذوب فيهم.. واسألوا العثمانيين والفرنسيين والإنجليز والمماليك وغيرهم.. ودائما ما كنا نطالب أنفسنا بالتعلم من الغير لكن لدينا قدرة غريبة على أن يتعلم منا الغير وأن ينقل عنا أكثر مما ننقل عنه.
هذه المقدمة كان لابد منها وأنا أحاول أن أربط الأحداث ببعضها فيما يحدث فى تركيا من مظاهرات واحتجاجات ضد رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم.. وبين ما يحدث فى مصر من محاولات التصعيد من المعارضة لإسقاط النظام الحاكم فى 30 /6 المقبل.. وهو ما يوافق مرور عام على تولى الرئيس مرسى السلطة فى مصر.
التظاهراتوالاحتجاجات العاتية التى تجتاح تركيا ضد أردوغان وحزبه الحاكم حزب العدالة والتنمية هى تظاهرات تحدث لأول مرة منذ تولى أردوغان السلطة والذى قدم من خلالها الكثير والكثير للشعب التركى وأصبحت التجربة التركية فى الديمقراطية والتنمية مثلا يحتذى به فى أوروبا، حيث حقق زيادة فى معدلات الدخل القومى ودخل الفرد إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه.. وكل هذا لم يغفر لأردوغان أن تقوم المظاهرات والاحتجاجات ضده.
وفى المقابل لم ينجح النظام الحاكم فى تقديم أى شىء بعد عام واحد فقط من تولى السلطة والرئاسة فى مصر وتفاقمت المشاكل بعد أن عجز النظام عن إيجاد الحلول الجذرية لها.. صحيح أننا لا يمكن أن نطالب السلطة الحاكمة بمعالجة مشاكل مصر المزمنة فى عام واحد، لكن على الأقل كان يجب أن توجد وتوضع خطط وحلول استراتيجية واضحة.. ولعل ذلك هو السبب الرئيسى وراء مطالبات المعارضة بعدم الحوار مع النظاملأنه لم ينفذ أى وعود وعد بها سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى فى مصر.
الغريب والأغرب أن أردوغان رئيس الوزراء التركى فى محاولة مواجهة هذه الاحتجاجات والمظاهرات لجأ إلى أسلوب الإخوان وسلوكهم فى مواجهة هذه الاحتجاجات والتظاهرات فقرر أن يحشد أنصاره وأهله وعشيرته مثلما يفعل الإخوان بالفعل ويواجه بهم مظاهرات تركيا.. وكأن عدوى الإخوان انتقلت إليه.. بل إنه طالب بالحشد والمليونيات المؤيدة له لتقف معه خلال الفترة المقبلة.. لكنه أيضا دعا إلى الأسلوب الديمقراطى.. وطالب حزبه وأنصاره بأن يلقنوا المعارضة درسا قاسيا فى الانتخابات فى مارس المقبل!
لقد كنا نندهش من سلوك الإخوان فى مصر فى مواجهة هذه التظاهرات والمليونيات التى كانت تخرج ضدهم ويردون عليها بمليونيات وحشود وحصارات ومواجهات تقوم بها الجماعة بحشد من ينتمون إليها ضد كل من يطالب بإسقاطهم وإسقاط النظام.. وقد كنا نندهش بشدة لماذا يلجأ الرئيس والحزب الحاكم والجماعة إلى الحشد والمليونيات فى مواجهة المعارضة مع أنهم فى السلطة.. وإذا كانت المعارضة لا تملك إلا هذه الوسيلة للاحتجاجات فما حاجة الجماعة إليها.. وهى تملك كل السلطات وكل مؤسسات الدولة، وقد كنا نرى ذلك سلوكا استثنائيا من الجماعة فى مصر.. فإذا به يتحول إلى سلوك دولى وعدوى انتقلت بسرعة إلى تركيا.. وربما تنتقل إلى ديمقراطيات أخرى.. فالعدوى انتقلت من «الحرية والعدالة» فى مصر إلى «العدالة والتنمية» فى تركيا.. وربما البقية تأتى.
ولعل من أوجه التشابه أيضا والمشكلة المؤكدة أن النظام التركى الآن فى أزمة، وكذلك النظام الحاكم فى مصر، صحيح أن هناك فروقا فى القضايا الخلافية ما بين الاحتجاجات فى تركيا والاحتجاجات فى مصر، لكن المشكلة فى مصر أكبر لأن السلطة والمعارضة ليس لديهما النضج السياسى لتخطى الموقف المتأزم والذىيحاول البعض أن يصل بذروته إلى 30 /6 القادم.
والسؤال الذى يطرح نفسه بشدة: هل ستنجح تمرد والإنقاذ والمعارضة فى أن تسقط النظام والرئيس فى 03/6 أم سينجح الإخوان والنظام فى تخطى الأزمة المتصاعدة بين المعارضة وبينهم وينتهى الموقف كما ينتهى كل مرة بمناوشات وتراشقات وخلاص؟!
والحقيقة أننى أميل للرأى الذى يؤكد أن 30 /6 لن يكون أكثر من يوم يعج بالاحتجاجات والتظاهرات، لكنها لن تصل إلى حد المليونيات، صحيح أنه تم جمع 31 مليون توقيع لحملة «تمرد»، لكن الشارع نفسه لن يفرز 13 مليون مواطن ينزلون يوم 30 /6. أى أنه لن يكون «25 يناير» آخر كما يتوقع البعض، والغريب أن الإخوان والرئاسة واثقون تمام الثقة من أن 30 /6 لن يحدث فيه شىء يزلزل ويقوض حكمهم، وفى المقابل هم استعدوا أيضا لأى تجاوزات أو تصاعدات تخرج عن المسار الذى رسموه لهذا اليوم وحتى لا تخرج الأمور عن السيطرة، والمشكلة أنه لو خرجتالأمور عن السيطرة فستكون نارا تحرق البلد بأكمله وسيكون نزول الجيش حتميا.. وربنا يستر.
مازلنا نعيش كوميديا الحوار الوطنى - الكاميرا الخفية سابقا - والذى دعت إليه الرئاسة الأسبوع الماضى والذى أذيع على الهواء دون علم أحد من الحاضرين سوى د.باكينام والرئيس.. ويبدو أن باكينام نسيت أو تناست أن تفاجئ الحاضرين بعد انتهاء الحوار.. نذيع ولا ما نذيعش لأن المفاجأة اتحرقت والحلقة باظت.
والحقيقة أننى أميل بشدة إلى أن ما حدث كان مقصودا ومتعمدا من قبل الرئاسة، والذى كشف بشدة عن ضحالة الوعى والفكر السياسى للأحزاب السياسية الموجودة فى مصر سواء كانت أحزابا دينية أو أحزابا ليبرالية.. ويؤكد أنه لا مستقبل للديمقراطية فى مصر إذا كانت الأحزاب السياسية التى فى السلطة أو المعارضة بهذا المستوى الفقير سياسيا والذى يؤكد أيضا أن الديمقراطية فى مصر يرحمها الله وأننا مازال أمامنا الكثيرلنتعلم ألف باء الديمقراطية على أصولها الحقيقية.
ولك الله يا مصر.