

محمد هيبة
الفرصة الذهبية لإعادة ترتيب أوراق اللعبة السياسية
بقلم : محمد هيبة
الضرب فى الميت حرام.. هذا بالضبط هو حال مجلس الشعب المنعدم تماما.. وكأنه لم يكن الآن بعد أحكام القضاء المصرى الشامخ بفروعه الثلاثة.. الدستورية والنقض ومجلس الدولة.. الدستورية كتبت شهادة الوفاة لمجلس الشعب السابق واعتبرته منعدما ولم يكن.. وجاءت محكمة النقض لتغسله وتكفنه وتؤكد وفاته كليا وليس جزئيا ، وأخيرا جاءت أحكام القضاء الإدارى وقرار الإدارية العليا فى الطعون المقدمة لها من جماعة الإخوان لتدفن هذا المجلس للأبد وبغير رجعة.. لتؤكد أن الميت لا يعود للحياة إلا بأمر الله سبحانه وتعالى.
أحكام الإدارية العليا جاءت كصفعة قوية على وجه الإخوان والحرية والعدالة لتعيد الأمور إلى نصابها الطبيعى وتؤكد شموخ واستقلال القضاء المصرى وقوته وعدم تسييسه.
الغريب والمدهش أنه بعد كل هذه الأحكام القضائية المؤكدة من أجنحة القضاء الثلاثة- الدستورية والنقض والإدارية العليا- إلا أن أبواق الإخوان ودراويشهم مازالوا يملأون الدنيا صراخا وعويلا بأن أحكام انعدام مجلس الشعب هى أغرب أحكام فى تاريخ القضاء المصرى.. وأنه لا مثيل لها.. وواضح أنهم من هول الصفعة والصدمة التى تلقاها الإخوان والسلفيون كانوا غير مصدقين أنهم خسروا المعركة رغم كل الحشد والإرهاب والتهديد الذى مارسوه على القضاء على ألسنة قياداتهم والمتحدثين باسمهم والمتعاطفين معهم وليسوا منهم.. ومعظمهم مستشارون سابقون وأساتذة قانون دستورى.. كلهم حادوا عن الحقيقة لصالح الإخوان.. ونالوا مكافآتهم من الحرية والعدالة بوجودهم وزراء فى حكومة قنديل ومستشارين ومساعدين لرئيس الجمهورية.
من المؤكد أن الأحكام الصادرة فى هذا الشأن أكدت حقيقة واحدة وهى شموخ القضاء المصرى واستقلاليته تماما ووجوده كمؤسسة قوية من مؤسسات الدولة فى مواجهة فساد المؤسسات الأخرى التى تخرج عن المسار الديمقراطى والتشريعى الصحيح، وأن القضاء هو الحصن الأخير للمواطن المصرى فى أى مجال، ولذا وللتاريخ يجب أن نسجل أن قرار المشير طنطاوى بتنفيذ حكم الدستورية العليا بانعدام المجلس كان قرارا صائبا مائة بالمائة احترم فيه أحكام القضاء ليؤكد أننا فى دولة قانون.. وأخطأ الرئيس عندما قرر عودة مجلس الشعب بعد ثمانية أيام فقط من تنصيبه رئيسا للجمهورية متحديا الدستورية العليا بعد أن حاولت الجماعة استدراجه إلى معركة مع القضاء.. لكن الدستورية حسمت الأمر بإيقاف قرار الرئيس واحترام الرئيس حكم القضاء يؤكد إرساء دولة القانون.
وأقول.. فإنه بالأحكام النهائية للإدارية العليا بانعدام مجلس الشعب يكون قد أغلق الستار تماماً على هذه القضية التى أخذت منا الكثير من الوقت والجهد والجدل والمناقشات والأموال أيضا، رغم أن هذه المسائل فى دول أخرى مسائل بديهية وقضايا مسلم بها.. ولا تأخذ كل هذا الوقت فى الجدال الذى لا طائل منه ولكنها للأسف المصالح الخاصة.. ومحاولات تسييس القضاء لصالح جماعات بعينها.
إن هذه الأحكام الأخيرة هى فرصة ذهبية للجميع لإعادة ترتيب الأوراق والأوضاع وقواعد اللعبة السياسية مرة أخرى.. هى فرصة للقوى الليبرالية واليسارية التقليدية لأن تزيد من قوتها وتأثيرها والتصاقها بالشارع وألا تكون أحزاب نخبة وأحزابا ورقية فقط.. وكذلك فرصة هائلة للقوى الثورية الجديدة لتنزل إلى الشارع مرة أخرى وتوحد صفوفها وكلمتها وتجمع نفسها بعد تشرذمها وانقسامها إلى ائتلافات وشيع عديدة، وأن تدرك أن هناك فارقا شاسعا بين العمل الثورى والفعل الثورى وبين العمل السياسى وأن تتجمع هذه القوى المدنية فى إطار تحالفات وتكتلات سياسية كبرى لتحقيق طموحات الجماهير وآمالهم، وتكون لهم أرضية حقيقية ووجود فعلى يضمن لهم أصواتا فى صندوق الانتخابات إذا ما تمت بعد إقرار الدستور.
أيضا ما حدث هو فرصة ذهبية ورائعة للإخوان والسلفيين وكل الأحزاب التى تندرج تحت مسمى «الإسلام السياسى» لإعادة ترتيب أوضاعهم وأوراقهم مع الآخرين والبحث فى الأخطاء الجسيمة والبشعة التى وقعوا فيها فى الفترة السابقة وأدت إلى تشويه صورتهم أمام الناس، وأيضا تراجع شعبيتهم داخل الشارع المصرى.. وأن يعيدوا محاسبة أنفسهم بأنفسهم وأن يعيدوا التفكير فى اختياراتهم الخاطئة والتى أساءت إليهم ومنها نائب التجميل ونائب التحرش.. وأيضا الممارسات المضحكة والمسيئة داخل البرلمان والتى جعلت صورة أول برلمان مصرى بعد الثورة هى أسوأ صورة أمام العرب والعالم كله.
وأخيرا.. كان ما حدث فرصة ذهبية أيضا للناخب الذى يدلى بصوته ويحدد مصير الأمة فى صندوق الانتخابات.. فعليه أن يعى تماما أن صوته أمانة ويجب أن يذهب لمن يستحقه وأنه من الخطر كل الخطر أن يراهن على حزب واحد حتى لا تتكرر أخطاء الماضى وينفرد حزب واحد بالسلطة مثلما حدث أيام الوطنى المنحل.. وأيام برلمان الإسلام السياسى المنعدم.. نعم أمامنا فرصة عمرنا حتى لا نكرر أخطاءنا.. ونتلافى خطايانا بعد الثورة حتى نستطيع إرساء قواعد الدولة المدنية الديمقراطية الصحيحة.
فى أول ظهور عام له تقريبا بعد إحالته إلى التقاعد وتعيينه مستشارا لرئيس الجمهورية ظهر الفريق سامى عنان رئيس الأركان السابق ونائب رئيس المجلس العسكرى فى حفل استقبال السفارة السعودية بمناسبة ذكرى 82عاما على تأسيس المملكة.. وقد قوبل سامى عنان بترحاب وحرارة شديدين من كل الموجودين بشكل يؤكد أن حب الناس لكل رجال القوات المسلحة قائم لم ينقص منه شىء.. وأنهم جميعا قاموا بدورهم تجاه هذا البلد على أكمل وجه.. أقول هذا بمناسبة ما يثار دائما من بلاغات ضد طنطاوى وعنان فى قضايا قتل المتظاهرين فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء.. والحقيقة أن هذا الكلام عيب.. ليس دفاعا عن طنطاوى وعنان والمجلس العسكرى.. ولكن إحقاقا للحق.. فانظروا عن يميننا فيما يحدث فى سوريا وانظروا عن شمالنا فيما حدث فى ليبيا لنعلم ونتأكد جميعا أن قواتنا المسلحة هى التى حمت هذا البلد وحمت ثورته وحمت شعبه من بطش أى ديكتاتور.. فجيش مصر هو دائما فخر لنا وجند مصر هم خير أجناد الأرض.. ولا يمكن لخير أجناد الأرض أن يقتلوا شعبهم.. هذه شهادة حق فقط لله وللوطن وللتاريخ.