"قراءة في ديوان الشاعرة ليلى حسين".. "ذات الجناحين"
حَلَّقت بنا الشاعرة ليلى حسين في ديوانها "ذات الجناحين" في مدائن الحب والحياة، وتميزت قصائدها بالغنائية وبالتعبير بصدق عن مشاعر مرهفة عميقة، وكان زادها الشوق والحنين لعوالم صافية يتحقق فيها الحب، والذات الإنسانية الباحثة عن الدفء والسكينة في عالم رقمي، سريع الحركة لاهث الخُطى، يشعر فيه الإنسان المعاصر بالوحدة والاغتراب.
قارب نحو السماء الحنين إلى عوالم الطفولة ببهجتها، وحبورها ملمح من ملامح تجربتها الشعرية، وقد تجسد في قصيدتها: "تأرجح" واحتشدت له الشاعرة بالقدرة على تصوير المشهد، بما يضج به من حركة وبهاء، فتستدعى هذا العالم بتقنية الفلاش باك، فها هو الشيخ الطاعن في السن يأتي إلى الحي بأرجوحته فتطيب الدنيا والحى، والذكريات "ما زال الحي طيبا جداـ
حين يجئ، الشيخ الطاعنـ بعباءته العتيقة المرقعةـ نصفق...ـ بينما يدفع أرجوحته المزركشةـ يلملم في طربوشه المكرمش ـ ما جاد الله به وقسمـ نتدافع، نمتطى بصياحنا القوارب المتذبذبة" ثم تعود الذات الشاعرة إلى نفسها موحية بالبعد الزمني والتذكير بخط العمر، وقد ذكرتها حركة الأرجوحة في الطفولة بحركتها الآن وهي تبحث عن حيويتها في لغتها، في حركة الحروف وانسيابها وتعبيرها عن الذات الشاعرة فتقول: "وأنا.ـ ما زلت في خط العمرـ
أبحث عن ذاتي الهائمةـ في انحناء الحرفـ في ليونته المتناهية" وتتعلق الشاعرة بحرف الواو فهو حرف العطف والمعية، الحرف الذي ينفي الوحدة ويعد بالمشاركة فتقول: "واو العطف، والمعيةـ والبين بين، والقَسَمـ أنا التأرجح، التقوقعـ الالتفاف حول نفسىـ من أجل أمن مفترض" ثم يعود الشيخ للظهور ثانية معبرا عن الحركة والحيوية التي اقترنت بالأرجوحة في الطفولة ليبعث في نفسها الفرح والحيوية: "الشيخ الواهنـ يدفع قاربى نحو السماء ـ
- فتغازلنى
أحجار الرصيف المتهالك في فمهـ يضحكـ وأقهقه" وتتحقق المشاركة، والتعاطف، تتحقق الواو الصارخة في نفس الذات الشاعرة فتقول "يحاكى مهجتى وأنا أرتفع، أحـﻠﱢق، أتسامى".
وكأن الحركة تنضجها، والذكرى -الأرجوحة -تدفعها لإدراك حقيقة الحياة فهي بين أحداث مُدهشة وأخرى صادمة لكنها حياة فتقول: "وأدرك أن بيني وبين الأرض الصلبة موعدا لاصطدام، أرتطمـ وأتدفق دهشة" ثم يدهشنا الموقف الشعرى الأخير في القصيدة ومشهده وهو أن هذا الوجه العجوز، الطاعن في السن قد أصبح جزءا حقيقيا من الذات الشاعرة معبرة عن تعلقها بملامح طفولتها المتمثلة في الأرجوحة وصاحبها فتقول: "الرجل مازال يدفع أرجوحته العتيقةـ يتساقط العرقـ ينهمر قناعه المبتسمـ في كوة الغسق.. وتضاريس وجههـ فيها ألف أنا".
- عطر الكون
وتأتى قصيدة "المصعد" لترتبط بعوالم الحيوية والحركة في قصائد الشاعرة، فكما بحثت عن واو المعية والمشاركة، نرى الذات الشاعرة باحثة عن الحب والارتقاء إليه، حيث يمثل المصعد رغم صليله العتيق، ولحظات توقفه المفاجئة رحلة الارتقاء إلى الحبيب، واكتمال الزينة، والوصول إلى مأمن فتقول الشاعرة في قصيدة "صعود": "شاهق هو الدرج للوصول إلى خلوتكـ حيث وجهك الرؤوم ـ
ومجرتك الآمنةـ
لكن المصعد العتيقـ كان عتيا يغتالني صليله ـ لحظة التوقف بغتة في الطوابق المعلقة".
وفى مدارج هذا الحب تصور الذات الشاعرة رحلتها فمن حيرة وقلق واضطراب إلى استعداد ملاقه الحبيب "تتزامن أنفاسي مع الصعود والهبوطـ بفارغ صبرـ أنتظرـ
كي أصلح كحل عيون ىـ وأعدل هيئتى، في مرايا المصعد المتمرد ـ لأدور حول نفسي وأتساءل: كيف الحبيب يعشق ضحكتى؟" وعند الوصول إلى هذا السؤال عن تحقق القرب والتواصل تتأجح الذات الشاعرة بحيرتها وأسئلتها، وماذا عساه يكون القرب والوصل "صيحة عالية تبوح برعشة متأججةـ أم أزم الشفتين على كرز براءة كامنةـ فتمتزج فيوض الروح ببسمتى" وتصوﱢر الذات الشاعرة رحلتها نحو الحبيب، مدارج الصعود إلى جنون عطر الكون: "عنيد هو المصعد، يعربدـ في نبض الوله المتعبد ـ
سأغلق جفوني في رحلة الصعودـ أنمق المسارات العلا بفراشات وعصافير مبهجةـ وأنا أتوجه نحةكـ أرتشف جنون عطر بالكون يمتزج" ثم تتحقق بهجة الوصل المشتهاه فتقول: "تراقصنى ـ وأرفل معك إلى فيض بهاء مبتغىـ نَصّاعد ونمتزج
ذات الجناحين وفى رحلتها الباحثة عن الدفء والتحقق والحرية تتأمل الذات الشاعرة ما يواجهها من صعاب، وقيود فتقول في قصيدتها "حرية": "في دوائر القوانين الصارمة يغتالون مهجتي ـ
أشارت أمي ألا أقد سنابل جدائلى وأن أنكمش قليلا فتزداد ثنايا ثوبي طولاـ
فتتوارى نقوش الحناء وتنضبط خطوتي ـ الأوامر تتفاقم في هندسة الكيان" ومن هذه الطفولة المُقيدة تطل أول معالم الرحلة وتتجسد في حب اللغة، والإيمان بالحرف سواء حرف العطف والمعية أو غيره حيث الحرف كحبات الألماس، ومن هنا توحدت الذات الشاعرة مع شهرزاد فتتبنى حيرتها وقضية حريتها وما ينتظرها على يد السياف الذي ستهزمه بالحرف وبالكلمة فتقول في قصيدة "ألف ليلة وليلى": "كيف أكف عن مراودة الشموسـ كيف أغادر وهج الحكايات؟ ـ هل يمكنك الفرارـ شهريار السيدـ
من عطر صوتي ـ من عرائس السحر وهيام القمر، كيف تفرمني ـ شهرزاد الدهشةـ من انكسارات الفوضى المنمقة في المرايا؟"
ثم تقول مؤمنة بسحر الكلمة التي أنقذت شهرزاد "هو الحرف بُرادة ألماس، يقهر سيفك في انبلاج آهةـ فيمتزج الصياح بالهديل ـ تحبل الديكة بالصهيل".
وتنجو شهر زاد كما تنجو ليلى بالحرف وبالسرد وبالحكي "هو السلطان النوم يا ملك ـ يضغط قباب الجفون فيتصاعد الحلم المباحـ بيدر شوق ـ
وِرْد عشقـ أحاجى وتفاعيلـ فيزداد عمرَ الحكي ليلةـ ويزداد عمر "ليلى"ـ ألف ليلة وليلى".
ثم تطل علينا ببهاء الحرف "ذات الجناحين" في قصيدتها "جنان" حالمة صانعة من ريشة عمرها جناحيها، تصدح مع القلوب، وترسم العشاق فتقول: "ذات الجناحين ترتدى ثوبا من ضياءـ تُغمض عينيها قللا فيزدهر العمر، في كفيهاـ
تمتشق ريشة عمرهاـ تجتر أحلام دجلة والفراتـ ترسم العشاقـ وأشرعة ملونةـ تصدح مع القلوب البيضـ تقفز بين الياسمين وشقائق الأحلامـ في جنان بابل المعلقةـ العصافير المدهشة والهديلـ وجدائل البراءة في حقول القمحـ تحاكى مهجتها البتولـ وتلوﱢح بها" وتبدو أحلام الشاعرة بالحرية مشرقة حين تنعم بالحنان والدفء فهي بالنسبة لأمها الطفلة المدللة "لول" ذات ضحكة الياسمين، وهي أيضا لؤلؤة قلبها، وهي عند من أحبها الرجل الذي يحفر بالمسرات أنهارا "ليلو" كما تصوﱢر ذلك في قصيدتها "منتهى" وفى هذه القصيدة التي تبدأ بهيجة تحمل دراميتها فمن هذا العالم الفرح إلى عالم رقمى محير، تكتشف فيه مخاتلة الحب، وهشاشة المشاعر وزيفها فيكون الانتقال مفاجئا يحمل موسيقاه الحزينة فتقول: "بينما تحاصرها طقوس المساءـ قبلة أمها وضحكتها، المفعمة بالياسمين، أمها تدللها "لول"، "لؤلؤة القلب"ـ
لكنها لا تملك ـ بريق اللؤلؤ الأبيضـ ولا جاذبية الأسود النادرـ عاشق النرجس" ومن هذا الاكتشاف تتدرج الشاعرة في رسم هذه الانتقالات الشعورية التي تجسدها في مشاهد موحية "يملأ دفترها الرقمى ـ بأهازيج هواجسها اللونيةـ ونسائم روحها الفياضة هوىـ بينما الرجل الحكيم الأنورـ
يفر من قبضتهاـ إلى ساحته المدججة بالنساءـ يستسلم، يقع في الشَرَك، يتلذذ بطعم الفتنةـ هي تدرك الآنـ أنه لا يعرف الحبـ لو مس العشق قلبه ـ لراقصها وامتطى صهيل الحلمـ لتصاعد في وريدها نحو السماء" ثم ترسم الذات الشاعرة بورتريهات لمن قابلها من الرجال في رحلة اكتشاف الذات والرغبة في الاكتمال لكن أعمدة البهجة لا تكتمل فالنماذج الإنسانية التي رسمتها تبدو رقمية لا حقيقية فهي تقول "في الحاسوبـ بدأ يؤثث ملف "زهرة النار" عله في أزمنة الجدبـ يشتاق صداهاـ
يربت على بتلات روحها المتوهجة بالعطر ـتارةـ وتارة بالثورة وأخرى بالجنون".
والرجل الذي يحفر بالمسرات أنهارا قد تبدى غير قادر على تحقيق أحلامها "أسماها "ليلو"ـ عساه يُسقط في كفيهاـ لآلئ الفرح ورغبة حياةـ الرجل الذي لا يجيد العشقـ يوثق بالعقل منتهاه". لتنتهي القصيدة بدراما الاكتشاف إلى نهاية حزينة "هي توقع آخر بصمةـ في سجل الحياةـ هي تنتظره بكل ما أوتيتـ من صدق ليتصدر جسدها المسجىـ ويقيم الصلاة" وكأن الذات الشاعرة تخشى أن لا تتحقق أجنحتها وتحـﻠﱢق بعد أن أودعت آمالها رجلا تنتظره بصدق إلى ما لا نهاية، وتؤكد الشاعرة أجنحتها في قصيدة "اكتمال" وارتباط هذا التحليق بالحب والحبيب، هذا الحلم الذي لا تكاد تدركه لأن الآخرين لا يدركون اختلافها ومسيرة حلمها فتقول في عذوبة: "لم تكن جدتى تدركـ أنى أختلف ـ
لا أشرب الماءـ أدمن الزهور
أصادق الفراشات ـ وأحاور الهواءـ أنام بعمقـ وتسكن روحى في انهمار المطرـ لم تدرك جدتىـ ولم تدرك أنت ـ ولم أدرك أناـ لماذا وكيف أحـﻠﱢق فيك؟ ـ حين يراودنىـ بريق عيونكـ أتابع مسيرة الحلم فيهاـ فيكتمل القمر
في عالم رقمى! الاغتراب ملمح مهم من ملامح أشعار هذا الديوان فهو يعبر عن غربة الإنسان المعاصر أمام عالمي رقمي لا يأبه بالمشاعر ويحاصر المرء مما يجعل فيض العبير كما تقول الشاعرة يوثق غيابه وفى قصيدة "صقيع" تقول: "البناية حالكة خاويةـ إلا من رائحة الفقدـ كيف أموت بهذا الصمت وحدى؟ـ لا أم تلامس أنفاسها وجهىـ لا أب يطبع على الجبين قبلةـ لا ابن في اللحد يوسدنى ـ الحبيب يقاطع بائع الوردـ لا أمل في زهرة نديةـ تبوح عطرا على شاهد حجري يحمل اسمى" ثم تكشف عن حزنها العميق وكأنها تدرك طبيعة الحياة وسُنة الغياب والفقد فتقول في القصيدة نفسها: "سن قانون الغياب سُنتهـ ببنود محكمةـ كذب هي الدُنىـ لا عشق ـ لا ودـ ولا سند".
ومن هنا تنتقل الشاعرة إلى قضايا وجودية فتناقش مصير الإنسان ومحاولته مقاومة النهايات، حيث تتجلى عظمة الإنسان في إدراكه لحتمية النهاية وعلى الرغم من ذلك يواصل الحياة ويكد في البحث عن ذاته وتحقيق أحلامه فتقول عن غياب العبير "حائل ضبابي يحول بين عيني وبين النورـ مخالب الموت تراوغني ـ تصب في مسام الروح هلعا وكآبةـ ما زال فيض العبير يوثق غيابه".
وكأن العبير يؤكد هذا الغياب في قصائدها تتبعه مشوقة إلى الفرح، وينفلت منها وكأنه يبحث عن دُنى أخرى فتقول في قصيدتها على لسان بطلتها: "الرجل الذي توجسها بعشقه ـ لم يمنحها الأمان ـ كان يبث في دمها القلقـ حين أقبل الخريف عصف برأسهاـ توجها بدوائر النور والعبق ـ غرس في كفها حرارة قبلته وقرنفلة متوهجةـ وقبل آذان الديكةـ ذاب في دعاء ومضى".
كما قالت في قصيدتها "الرجل الذي " الزائر الليلى ويمتد الشعور بالاغتراب في أعراق قصائدها فتطل أفكارها الحزينة متأملة المصائر الإنسانية وقضايا الوجود فتقول في قصيدة "الزائر الليلى": "الزائر الليلى يرقب أفكاري ـ مستندا على باب غرفتى ـ يمد ذراعيه ليحتضن الباقي من وهنـ فأصرخ صراخي مكتوم ـ يضغط أضلاعي ـ خيط النور يغادرنى ـ من حيث أتىـ كسطر هواء بارد من تحت عقب البابـ لكنه يترك أنفاسه عالقة بجسدى ـ بمسام الجدرانـ يهبط كل مساءـ ولا قيد أنملة من فرار" والزائر الليلى السيد الموت حاضران في قصائدها "أفول" و"أبى"، و"بنان" وفى كل مرة تتجسد أحزان الإنسان والشعور بالفقد، وتأمل الحياة فقتول الشاعرة في قصيدة "أفول": "من ثقب البابـ يتسلل السيد الموتـ يحاصرني ـ يرتشف أنفاسي ـ يصادر قوانين الجاذبية الأرضيةـ لا وقت لأبدل هيئتي ـ لا وقت ليرتدى الأصحاب لون الحداد ـ أيها الواقفون خلف المدىـ لوحوا لى بالدعاءـ حين يُزهر البانسيه العفيفـ وتبسم لي السماء".
وفى قصيدتها "أبى" يبدو الماء رمز الحياة هو آخر ما يجسد مظاهر الحياة فتصبح هي آخر نقطة ماء على شفتى الأب المفتقد في تصوير مُرهف حزين: "الماء آخر أمنيات البشر قبل الرحيلـ حين سقط أبى حاصرنا الهلعـ لم أتخيل أنه مهيأ للسفرـ توسد صدرى مغلق العينينـ كان آخر دفء يلامس وجهىـ وكنت أنا آخر نقطة ماء على شفتيه". وتصل الذات الشاعرة إلى ذروة أحزانها في قصيدة ترثى الطفلة "بنان" لكن هذا الحزن لا يلبث أن يتحول إلى رغبة في اللقاء، والحلم بفردوس قريب فتقول في قصيدة "بنان": "مازلت أرتشف مسك روحكـ في ثوبك الساكن في خزانتى ـ مازلت أهدهدك بأغنية الحلم كل مساءـ "بنان" فيض الألماسـ والعطر العفيفـ تمرح مع الفراشات العين ـ
لن يطول انتظارك لي لهفة الشوق عارمة، أشتاق كفك الصغير، تتعلق بي ـ تجذبين ردائى ـ ترى هل تليق بك روحي ـ هل تفترشين لي ركنا في عليين". لكن إرادة الحياة تحمل أبيات الشاعرة على أكفها لتلون أبياتها بأشواق الإنسان إلى معانقة أحلامه، وعدم الاستسلام لأحزانه فتقول في قصيدتها "أرق": "كيف لي انتظار الموتـ في تأرجح العمر والضوء المنتحر؟ ـ كيف لي إرادة تلوين التفاصيل بدقة؟ ـ لماذا أحرص على اكتحال عيني؟ ـ أن أصبغ الشفتين بلون الكرز أو لون جُورية حمقاء جامحةـ أن أرسم وجهك المتلألئ شذاـ كيف لي الاستئساد لو يأتي الموت".
تتحداه في قصائدها، تغالبه بذراعيها وقلبها ووجدانها ذلك السيد الغياب فتصبح مرة "ذات الجناحين"، ومرة "ذات الأكمام" فتقول في قصيدتها "تشبع": "أنا زمزم الحب ـ المؤتمل في زمن الجدبـ أنا فيض حرف شغوفـ أتمرد.. أعشق.. أجادل.. أرقص ـ أركض فوق الماءـ أسبح بين الأرض والسماءـ أنا تباريح كون لم يكتملـ ما زلت أبحث عن حظ جارفـ في محارة جوفاءـ في طقوس البُن الساكنـ في فنجان الصبح المراوغـ أتعلق بعرَّاف يجيد الكذب" يأتي صوت الحبيب ليهبها جناحين فتقول في القصيدة نفسها: "صوتك المارق في الكيانـ يعيد ترتيب تفاصيلي ـ يغزل لأجنحتي شرنقةـ فيها السكينة ونعيم الوطن".
أما حين يخوفها السيد الغياب فهي تصبح ذات أكمام شاهقة سامقة فتقول في قصيدتها "أرق": "الموت يلوحـ الخوف يفرض سلطانهـ وأنت في إصبعي ـ حلقة من فضة تأبى السكونـ تؤرق مضجعي ـ لا أنت تأتى ولا الموت" "لو يأتي الموتـ وأنا كذات الأكمام شاهقة سامقة راسخة".
لا تشرب الماء وتدمن الزهور، لقد غالبت أبياتها السيد الغياب كما غالبت السيد الصمت حيث تواجه الذات الشاعرة ريح العمر، لكن الشاعرة التي لا تشرب الماء وتدمن الزهور استطاعت أن تغالب أحزانها وأن تسمعنا لحنها فهي مرة ذات جناحين ومرة ذات أكمام لكنها في كل مرة تنشد أحلامها "آه لو أهبط درجات العمرـ
لأراودك بباقة وجدـ أتورد حين تطلـ آهـ لو يتراجع عمرىـ أسكن على ناصية الوجدـ أتنفسك ـ أراقصكـ وأغنيكـ أهبك ما أوتيت من صدقـ ومن دهشةـ من ولع. من عطر".



