الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

لم يعد الانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي حدثًا عفويًا كما كان في بداياته. فخلف كل فيديو يتصدر "التريند" اليوم، غالبًا ما تقف منظومة كاملة تعرف جيدًا كيف تُدار اللحظة، وكيف تتحول واقعة محدودة إلى قضية رأي عام.

ومن هذا المنطلق، يفتح فيديو المسن في واقعة "فتاة المترو" بابًا واسعًا للتساؤل: هل نحن أمام موقف إنساني خالص، أم أمام نموذج جديد لصناعة التريند؟

الفيديو في بدايته بدا بسيطًا وقد نظنه عفويًا؛ واستدعى تفاعلًا واسعًا من الجمهور، لكن ما تبعه من مشاهد وظهور متكرر، وتصريحات متتالية، أعاد طرح علامات الاستفهام. فالتدرج الزمني للأحداث، وطريقة تقديم القصة، يوحيان بأن المشهد لم يعد تلقائيًا بالكامل، بل دخل في إطار إعادة الترتيب الإعلامي.

في عصر السوشيال ميديا، لا يُترك التفاعل للمصادفة. هناك من يجيد توجيه المشاعر، واختيار التوقيت، وتكثيف الانتشار عبر صفحات مؤثرة، لتحويل أي واقعة إلى مادة قابلة للتدوير، بغض النظر عن أبعادها الحقيقية.

وهنا تتحول القضايا الإنسانية من مساحات للتفكير والمعالجة، إلى أدوات للانتشار السريع وحصد التفاعل.

اللافت أن صناعة التريند لا تعتمد على بطل واحد، بل على شبكة كاملة: مصور، ناشر، صفحات داعمة، وتعليقات مُوجهة. وفي هذه الدائرة، يصبح الإنسان ذاته جزءًا من المحتوى، وتُختزل القصة في لقطة، أو دمعة، أو جملة مؤثرة، بينما يضيع الجوهر خلف الضجيج.

الأخطر في الأمر أن الجمهور، دون وعي، يشارك في هذه الصناعة.. فكل مشاركة أو تعليق غاضب أو متعاطف، يساهم في تضخيم المشهد، ويمنحه عمرًا أطول وتأثيرًا أوسع، حتى لو كانت الحقيقة أكثر تعقيدًا مما يظهر على الشاشة.

هذا التحليل لا ينفي البعد الإنساني للواقعة، ولا يهاجم أشخاصًا بأسمائهم، لكنه يضع الواقعة في سياقها الحقيقي: سياق إعلام رقمي بات قادرًا على إعادة تشكيل الواقع، وصناعة أبطال، وتوجيه الرأي العام خلال ساعات.

في النهاية، يبقى السؤال مشروعًا:

هل ما نشاهده تعبير صادق عن لحظة إنسانية؟

أم أننا أمام مشهد مُدار بعناية، صُنع ليلامس المشاعر، ويحقق أعلى قدر من التفاعل؟

الإجابة قد لا تكون واضحة، لكن المؤكد أن التريند لم يعد بريئًا… وأن ما وراء الكاميرا أصبح أحيانًا أهم مما يظهر أمامها.

تم نسخ الرابط