عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
هل يقبل الغرب بانتقال الثقل إلى الشرق؟ (1)

النظام العالمى الجديد وتجنب الحرب الكبرى

هل يقبل الغرب بانتقال الثقل إلى الشرق؟ (1)

بعد  أكثر من قرن من الزمان وبينما يشهد النظام العالمى الراهن حركة انتقال.. عاد الفكر الاستراتيجى الدولى لقواعده الأولى التي سيطرت على التخطيط الأممى إبان الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) وملخصها «الغلبة لمن يملك البحار».



 

صحيح أن التنافس الدولى الراهن يتعاطى مع الأهمية الجيواستراتيجية لإحكام التواجد فى البحار والمحيطات قد اختلف منظوره مع اختلاف ما تعنيه أهمية هذه البحار، فلم تعد المسألة مرتبطة بالتهديد العسكرى المباشر بقدر السيطرة على الطاقة والتجارة الدولية.

قبل أيام مر على متابعى الأخبار الدولية تباين الرواية الأمريكية والروسية حول ما جرى فوق البحر الأسود.. قالت أمريكا إن روسيا أسقطت مسيرة لها، وقالت روسيا إنها اعترضتها ولم تسقطها.. وبخلاف مصداقية كل رواية عن الأخرى فإن المحصلة أن البحر الأسود نقطة تهافت استراتيجى بين أمريكا وروسيا أو بمعنى أدق بين الغرب والشرق.

وواقع الأمر أن المتأمل لحركة النظام العالمى الآن يدرك أن الحرب الروسية الأوكرانية ليست سوى عنوان بسيط فى سلسلة أحداث كبرى قادمة نهايتها محتومة، إما انتزاع الشرق ممثلًا فى (الصين وروسيا)، بإلإضافة إلى القوى الصاعدة فى النظام العالمى لمركز الثقل فى القرار الدولى، أو قتال الغرب ممثلًا فى أمريكا وبريطانيا وأوروبا واليابان وأستراليا من أجل بقاء هيمنة الغرب على النظام العالمى.

ومن ثم فإن حركة التاريخ الآن تقف فى موضع الحيرة بين أمرين، هل سيشهد النظام العالمى انتقالًا يتسم بالرضا الإجبارى كهذا الذي جرى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية بانتقال القيادة الدولية من بريطانيا وفرنسا إلى أمريكا والاتحاد السوفيتى القديم وبين صراع شرس يعلن فيه المنتصر هيمنته!.

المؤكد أنه من خلال متابعة مجريات الحرب الروسية الأوكرانية أن قرار الصدام الأكبر مؤجل لأسباب تتعلق بقدرات المعسكرات الراهنة، فضلًا عن تباين الهدف الاستراتيجى بين أمريكا والبيت الأوروبى.

بمعنى أن الاستراتيجية الأمريكية معلنة وهى وقف تقدم الصين وحرمانها من بلوغ أهدافها مع استنزاف روسيا، فى حين أن أوروبا غير واضحة الأهداف، ويكفى متابعة ما خرج عن قمة ماكرون وسوناك.. إذ يرى الرئيس الفرنسى أن الهدف الراهن من دعم أوكرانيا هو جعلها فى موقع أفضل وموقع ندية يساعدها عندما تأتى لحظة التفاوض مع موسكو.. بينما يرى رئيس الوزراء البريطانى أن الهدف هو هزيمة بوتين.. وبين المعنيين بون شاسع فى أدبيات السياسة الدولية.

فى خضم السجال لنظام سياسى جدلى كحال النظام السياسى الأمريكى ظهرت فكرة أن الحرب يمكن أن تتوقف بضغطة زر!. 

سواء اتخذ هذا القرار بايدن أو تم تغيير الإدارة فى نوفمبر 2024.. واقعيًا هذا الأمر وارد الحدوث فى هذا التاريخ أو قبله، ولكن حركة انتقال النظام العالمى لن تتوقف بتوقف الحرب والاستراتيجية الأمريكية لن تتبدل مع تبدل الإدارة.

وأبسط دليل على ذلك عدم تبدل الاستراتيجية الأمريكية فى فترة ترامب أو فى حكم بايدن تجاه الصين، ولكن اختلفت الأساليب.

الأمر الثانى هو عدد التحالفات العسكرية التي قامت بها إدارة بايدن وتسعى لتدشينها لحرمان الصين من السيطرة على البحار والمحيطات وتوطيد ثقل حلفائها فى الهند واليابان وأستراليا، وهو منهج ثنائى بين واشنطن ولندن فيما يعرف بالدبلوماسية الأنجلوساكسونية والتي كانت أحد منتجات الحرب الروسية الأوكرانية وآخرها صفقة الغواصات النووية مع أستراليا وهى الصفقة التي جاءت على حساب مصالح فرنسية مباشرة لم تهتم بها واشنطن أو لندن.

هذا المعترك وهذا الصراع يقف الشرق الأوسط فى بؤرة تأثيره، وتقف المنطقة فى قلب حركة التاريخ ونقطة تتلاقى فيها الكثير من الخيوط المتحكمة فى الكثير من التوازنات، وهو ما يعزز فكرة التنافس الدولى على الحضور والتواجد ووضعها ضمن المسار الاستراتيجى لكل معسكر.

ولكن.. الشرق الأوسط الآن يختلف كثيرًا عن الزمن الماضى، وربما هى اللحظة التاريخية الأولى التي يمكنه فيها رسم محدداته ورسم مصيره بيده لا بفعل قوى استعمارية أو قوى مهيمنة كما كان الحال فى الحرب العالمية الأولى أو الثانية أو فترة الحرب الباردة.

اختلف الشرق الأوسط بتنامى قدرات دوله الرئيسية الكبرى، سواء داخل الإقليم العربى وأعنى هنا ثلاث دول هى فى مصاف القوى الصاعدة الآن عالميًا من خلال تفاعلها مع الأجندة الدولية وهى: (مصر – السعودية – الإمارات) ومن خارج الإقليم العربى وأعنى هنا (تركيا – إيران).

حتى البعد الخاص بـ(إسرائيل) فرضت أدبيات جديدة نفسها، إذ احتفظ العرب بثوابت القضية الفلسطينية كأساس لأى تحرك نحو السلام، فى المقابل أصبح هناك تفهم عربى أن من حق كل دولة عربية أن تفعل ما تراه مناسبًا لمصالحها دون المساس بالثوابت، وبالتالى ظهرت اتفاقات تخص الغاز والتجارة وتنسيق منضبط فى عدد من الملفات.

خلال الأشهر الماضية القليلة تغير السلوك الإقليمى لتركيا، أصبح أكثر انفتاحًا على المحيط العربى وفق المحددات العربية، وظهرت رغبة أنقرة فى تعميق الشراكة مع العالم العربى وتسوية القضايا الخلافية مع الدول العربية الكبرى وتحديدًا مصر.

فى السياق نفسه كانت جولات المشاورات تحدث بين السعودية وإيران فى العراق وسلطنة عمان إلى أن وصلنا للإعلان الثلاثى الذي جرى عن عودة العلاقات الدبلوماسية خلال شهرين بين الرياض وطهران برعاية الصين.

اللحظة الإقليمية الراهنة ربما تكون أكثر لحظات الهدوء النسبى بين القوى الكبرى فى الشرق الأوسط، ولكنه هدوء مرتبط بتفاعلات كثيرة إما أن تعززه أو تعود به إلى المربع الأول.

مما لاشك فيه أن الدول العربية نجحت فى التنسيق المشترك فيما بينها خلال الأعوام الثلاثة الماضية بشكل واضح، بدأ بالتنسيق الأمنى السياسى من خلال المنتدى الاستخبارى العربى والذي لعب دورًا كبيرًا فى مواجهة التنظيمات الإرهابية فى المنطقة، وتجلى هذا الأمر فى السياسة العربية الجماعية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية بمواقف واضحة تتسم بالوضوح وإعلاء المصالح العربية على مصالح أطراف الاشتباك.

وللحديث بقية. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز