

عيسى جاد الكريم
إنشاء بنك الذهب المصري والمصريين في الخارج
خلال الأسابيع الماضية جن جنون الذهب في مصر والعالم ليعود بقوة الذهب كملاذ آمن للمستثمرين والمواطنين، وبطبيعة الحال فإن تأثيرات سعر العملة المحلية (الجنيه المصري) وانخفاضها أمام الدولار انعكست بشدة على سعر جرام الذهب محليًا، الذي ربما سبب صدمة للناس العادية من غير المتخصصين في الاقتصاد وأسواق المال، فمقارنة بسعر جرام الذهب عيار 21 مثلًا في مايو 2022، الذي سجل وقتها 1035 جنيها للجرام وسعر الذهب عيار 21 في مايو 2023، حيث يسجل اليوم وحتى اللحظة ما يقرب من 2563 جنيهًا للجرام، نجد أن سعر الذهب ارتفع بنسبة تقترب من 150 في المئة، وهي تعتبر نسبة أرباح عالية جدًا تفوق أرباح حائزي الدولار، مقارنة حتى بقيمة الدولار مقابل الجنيه المصري، حيث سجل سعر الدولار في مايو 2022 نحو 18 جنيها و50 قرشًا في حين يسجل الدولار وحتى اللحظة في السوق الرسمية 30 جنيها و85 قرشا تقريبًا، وبعيدًا المضاربات في سوق الذهب التي يمارسها التجار الكبار، والعديد من التجار دون وجود رقابة ورادع من أي جهة بداية من جهاز حماية المستهلك وحتى الجهات المصرفية فإن ما وصلت إليه أسعار الذهب في مصر أصبح واقعا يجب التعامل به.
وخلاصة الكلام أن الذهب أصبح فعلًا ملاذًا استثماريًا آمنًا ومهمًا للناس لاقتصاديات الدول أكثر حتى من العملات الأجنبية والبترول، حيث كان برميل النفط بحوالي 110 دولارات في مايو 2022، واليوم في مايو 2023 يلامس سعر برميل النفط 86.5 دولار، ونحن في مصر نحتاج أن نفكر بما يحقق مصالحنا ويدعم اقتصادنا، طالما أن الذهب ملاذ آمن ومضمون وعائداته سريعة وكبيرة، وذلك في ظل أزمات عالمية كبيرة وحروب مستمرة بين روسيا إحدى القوى العظمى للعالم وأوكرانيا الممثلة للغرب الأوروبي وأمريكا وواحدة من الدول المؤثرة في سلة غذاء العالم.
ومن وجهة نظري أننا في مصر يجب أن نفكر من الآن في إنشاء بنك للذهب المصري، نعم بنك للذهب، فلا أحد يستطيع من الجهات المصرفية العالمية أن ينكر علينا هذه الخطوة، لأننا نملك المؤهلات لها، فنحن دولة منتجة للذهب ولدينا 270 موقعًا منجميًا لإنتاج الذهب، أكبرها منجما السكري وحمش في الصحراء الشرقية، ويكفي أن نعرف أن منجم السكري وحده أنتج ما يقرب من 150 طن ذهب منذ عام 2009 وحتى الآن، بما فيها نسبة الشريك الأجنبي (شركة سنتامين الأسترالية)، والبنك المركزي المصري يحتفظ باحتياطي ذهب يصل إلى 125 طنًا، بينما قرار إنشاء بنك الذهب المصري الذي سيكون بقرار من البنك المركزي المصري وبمساهمة منه، ويكون مملوكًا جزء منه للبنك المركزي مع البنوك الحكومية الرئيسية التي من المفترض أن تشارك في تأسيسه مثل البنك الأهلي وبنك مصر وبنك القاهرة، سيساهم بقوة في دعم قيمة الجنيه المصري.
إنشاء بنك للذهب مهم جدًا للاستفادة من ممتلكات المصريين في الخارج، الذين يملكون سيولة نقدية خارج البلاد ولا توجد قوانين في الخارج تمنعهم من امتلاك الذهب على هيئة سبائك، والعودة بها لمصر ومن دون تعقيدات وحسابات مصرفية يعرفها أهل الخبرة من المصرفيين والمتخصصين فإن إنشاء بنك الذهب بات ضرورة كبيرة في مصر من وجهة نظري لعدة أسباب.
أولًا- لدى مصر الآن سيولة نقدية في البنوك تتخطى 7 تريليونات جنيه، وفقا لآخر تحديثات البنك المركزي، وهذه الأموال تحتاج لتشغيل واستثمار، ولكن في ظل الفائدة العالية حاليًا يحجم الناس عن الاقتراض بما يجعل هذه السيولة عبئًا على البنوك لأنها مطالبة بتسديد مقابل إيداع لها في البنوك، ولكن مع إنشاء بنك الذهب يمكن إعطاء المقترضين قروضًا مقابل ما يملكونه من الذهب.
بنك الذهب الذي سيتم إنشاؤه سيسمح للمصريين في الخارج والمصريين في الداخل وربما الأجانب- وفق نظام محدد- بوضع ما يملكونه من ذهب، ومن عوائد نقدية في هيئة ذهب، بما يرفع قيمة العملة المحلية التي ستقيّم بما يملكه المودعون من ذهب، البنك سيعطي ميزات نسبية لمن يريد أن ينشئ مشروعات في مصر بإعطائه تسهيلات نقدية مقابل ما قام بإيداعه من الذهب في البنك، الإيداعات ستكون مفتوحة، خاصة للمصريين في الخارج، الذين يجب وضع تعديلات تشريعية تسمح لهم بجلب الذهب من الخارج وإثباته على جوازات السفر دون الخوف من المصادرة، وفي مقابل نسبة جمارك ستحقق دخلًا مهمًا للجمارك المصرية، مع إلزام المصريين في الخارج بوضع كمية محددة لا تقل عن 90٪ مما بحوزتهم من ذهب في بنك الذهب، وأخذ مقابلها بالجنيه المصري إذا أرادوا أو إيداعها في البنك لمدة عام على الأقل.
بنك الذهب المصري سيسمح للمصريين بإيداع ما يملكونه من ذهب مقابل عوائد يمكن وضعها حسب قيمة الذهب مقارنة بسلة العملات، مع توفير ميزات بالسماح بتوفير قروض بضمان الذهب، وذلك كما يتم حاليًا بالنسبة لإمكانية إعطاء قروض بضمان شهادات الاستثمار بما يضمن استغلال السيولة وتشغيلها مع توافر غطاء ذهب لها، وبما يقلل من مخاطر التضخم نتيجة وجود سيولة مالية في أيدي الناس مع عدم وجود غطاء ذهب لها.
بنك الذهب المصري يمكن أن يعطي قروضًا متخصصة للمشروعات الصغيرة والكبرى، خاصة في مجال التعدين، واستخراج الذهب أو يعطي قروضًا لمحال الذهب وتجار الذهب والعاملين في صناعة الذهب، بما يزيد من اكتشافات الذهب ويساهم في استغلال ثرواتنا التعدينية ويطور صناعة الذهب، ويخلق آلاف فرص العمل فيها.
بنك الذهب المصري سيكون أداة شرعية في يد الدولة لتحصيل زكاة الذهب والمعادن النفيسة بمشاركة الجهات الشرعية من الأزهر الشريف بالنسبة للمسلمين، ونسبة العشور بالنسبة للأقباط وصرفها في مصارفها، بما يعود بالنفع على المجتمع بنك الذهب يمكنه إنشاء صكوك الذهب وبيعها محليًا أو في البورصات العالمية، بما يرفع قيمة العملة المحلية.
وقبل أن أختم مقالي أتمنى أن يتم الإسراع بتطوير مصلحة الدمغة والموازين المسؤولة عن مراجعة الذهب والمعادن الثمينة القادمة من الخارج وتدريب موظفيها وتوفير الأجهزة الحديثة لها، بما يسمح بوجود فروع دائمة لها بالمطارات والمنافذ الجمركية وبما يسهل فحص ما يحوزه المصريون في الخارج من ذهب عند عودتهم وتقدير الرسوم والجمارك، وإعطاء التصريح اللازم بعد دمغ الذهب والمجوهرات وترقيمها دون تعطيل، لكي يتمكن المصري القادم من الخارج من إيداع الذهب في البنك الذي سيتم إنشاؤه إذا تم إنشاؤه.
وأخيرًا أتمنى أن تلقى فكرتي التي طرحتها آذانًا صاغية، فنحن نسارع الزمن لإيجاد حلول حقيقية لتقوية الاقتصاد المرهق نتيجة التقلبات الكبيرة التي يشهدها العالم.