عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الدبلوماسية بين القيادة الرشيقة والإدارة الكلاسيكية «2»

الدبلوماسية بين القيادة الرشيقة والإدارة الكلاسيكية «2»

تطرَّقنا الأسبوع الماضي حَوْلَ نظريَّات ومفاهيم وسِمات الإدارة الكلاسيكيَّة التي كانت تغطِّي على عالَم إدارة الأعمال بستينيَّات وسبعينيَّات القرن الماضي باختلاف المدارس وآراء علماء الإدارة ـ آنذاك.



الطَّفرة التكنولوجيَّة التي حصلت بالعالَم نهاية القرن الماضي قَدْ قلبَتِ الموازين 360 درجةً وتحوَّلت مصانع كبيرة مِثل مصانع السيَّارات إلى الإنسان الآليِّ (الروبوت(، حيث كانت تعجُّ بعددٍ كبير من العمَّال والموظفين على مختلف مستوياتهم، وأصبحت هذه الطَّفرة ضِمْن أهمِّ أعمدة القيادة الرَّشيقة التي اعتمدَتْها مباشرة المدارسُ الدبلوماسيَّة لتقليل الكادر الدبلوماسي بالسَّفارات؛ لأنَّها تُقلِّل من نسبة الأخطاء البَشريَّة، وتنجز الأعمال بشكلٍ منظَّم ومُحدَّد وبأقلِّ الخسائر، ولو أنَّ علماء الإدارة وعِلْم الاجتماع يعتقدون أنَّ الإنسان الآليَّ يُعدُّ تهديدًا مباشرًا للجِنْس البَشَري.

نُعرِّج اليوم ـ وباختصار ـ على مفاهيم القيادة الرَّشيقة والتي تُعدُّ من مظاهر الدبلوماسيَّة الحديثة، حيث اعتمَدت السِّياسة الخارجيَّة البريطانيَّة، وكذلك الداخليَّة، على مبدأ وأُسُس القيادة الرَّشيقة؛ كونها تنجز الأعمال بأقلِّ الموارد البَشريَّة والتكاليف المادِّيَّة وبأقلِّ وقتٍ مُمْكن. تُعدُّ القيادة الرَّشيقة من المفاهيم القياديَّة والإداريَّة التي ظهرت حديثًا في ثمانينيَّات القرن الماضي، حيث بدأ علماء وخبراء الإدارة بوضع اللمسات الأخيرة على نظريَّاتهم والتي أثبتَ التفوُّق على مفاهيم الإدارة الكلاسيكيَّة والتقليديَّة، واعتمدت القيادة الرَّشيقة على مبدأ القائد الرَّشيق وهو الذي يمتلك خبرات مهنيَّة وأكاديميَّة ورؤية مستقبليَّة للأهداف التي يسعى لتحقيقها بأقلِّ عددٍ من الموظفين وبموارد ماليَّة أقلَّ، وبعيدًا عن أنانيَّة المنصِب والمصالح الشخصيَّة المقيتة، بالإضافة إلى عدم تكديس موظفين في دائرة ليس لدَيْهِم أيُّ مقترحات لتطوير العمل، وبالتَّالي يتحوَّل العمل من إنتاجيَّة كبيرة إلى عبء على الدائرة أو الجهة المسؤولة وماليَّة الدولة، بالإضافة إلى صفات القائد أو المدير، وأن يمتلكَ مهارات عالية بفنِّ الإتيكيت الحكومي والاجتماعي؛ لأنَّه يُعدُّ من العيب جدًّا على القائد والإنسان المسؤول الذي يعمل ضِمْن عجلة وبوتقة القيادة الرَّشيقة ليس لدَيْهِ عِلْم بنظام الأسبقيَّة أو حضور المؤتمرات الخارجيَّة أو الداخليَّة أو مهارات الاتِّصال والتواصل الاجتماعي أو العلاقات العامَّة أو توقيع الاتفاقيَّات الدوليَّة.. وغيرها من البروتوكولات الواجب التعرُّف عليها من خلال اندماجه ومشاركته بحلقات العمل وحضور البرامج التطويريَّة. الـقيادة الرَّشيقة هي الـقـدرة عـلى إقناع قاعدة الموظفين لإنجاز أهداف مخطَّط لها للوصول إلى أفضل النتائج الإيجابيَّة وبأقلِّ الخسائر، وبأقلِّ الموارد البَشريَّة والمادِّيَّة معتمِدة على أدواتها وهي: التواضع، الهدوء، الحكمة، الصبر، الموضوعيَّة، الثقة، الاعتماديَّة، الاستجابة والخطط البديلة، الخبرة والمهنيَّة، الأمان (الضمان)، الكفاءة الأكاديميَّة، الشورى بالأمْرِ، مشاركة المعلومات، الابتعاد على الأنا، نظام المكافآت الأسبوعي والشهري.. وغيرها من الأدوات التي تميَّزت بها القيادة الرَّشيقة.

تتفاخر المدارس الدبلوماسيَّة وتتبارى على مختلف مُسمَّياتها وجنسيَّاتها وأماكنها لِتوثِّقَ وتدمج هذه العناصر مع بعضها (القيادة الرَّشيقة، الإدارة، الكفاءة والإنتاجيَّة) كأنَّها تاجُ وروحُ الحياة اليوميَّة، سواء عن طريق نظريَّة الاكتساب أو عن طريق نظريَّة التعلُّم. ويخضع الكادر الدبلوماسي في بعض الدوَل على وجْهِ الخصوص لدَوْرات وحلقات مكثَّفة في هذا الموضوع؛ لكَيْ يعكسَ السُّمعة والصورة الجميلة والعصريَّة لبلده، وهي الآن أحد أقسام الدبلوماسيَّة الحديثة؛ لأنَّ تكديس موظفين في مقرِّ سفارة أو ملحقيَّة أو قنصليَّة قد يكُونُ له مساوئ وسلبيَّات أكثر من الإيجابيَّات المرجوَّة من هرم الدائرة، حيث هناك النظريَّة التفاعليَّة والنظريَّة المعرفيَّة المعتمِدة على العناصر الثلاثة (القيادة الرَّشيقة، الإدارة، الكفاءة والإنتاجيَّة). إنَّ أهمَّ ما يُميِّز القيادة الرَّشيقة هو التواصل الدؤوب واحتضان ومواكبة كُلِّ النظريَّات والمفاهيم الحديثة التكنولوجيَّة التي تخدم وتُحقِّق الهدف المنشود، ومِثال على ذلك: من فوائد جائحة كورونا انعقاد لقاءات ومؤتمرات كثيرة وعلى مستوى الرؤساء والملوك بنظام (الزووم) الذي حقَّق ما كان يصبون إليه بأقلِّ التكاليف والموارد البَشريَّة وأكثر من ذلك الهاجس الأمني الذي أصبح صفرًا لدى الدوَل الراعية؛ لأنَّ كُلَّ رئيس دولة في بلده، وليس هناك مَواكِب وسيَّارات وقاعات وحمايات ومرافقون.. وغيرها من البروتوكولات المعمول بها في لقاءات كبار الشخصيَّات، كما زاد الطلب على حضور المؤتمرات المرئيَّة عن بُعْد والخدمات السحابيَّة. وفي الختام، علينا جميعًا ابتداءً من (ربِّ الأُسْرة إلى أعلى درجة وظيفيَّة) اتِّباع وتطبيق نظام ومفاهيم القيادة الرَّشيقة في حياتنا اليوميَّة، فقد تحوَّلت منازلنا إلى مواقف للسيَّارات. فبدلًا من الاكتفاء بسيارتَيْنِ على الأقلِّ في كُلِّ عائلة لإنجاز أعمالهم نجد العكس، وهذا شرخ كبير لاقتصاد ربِّ الأُسْرة والعائلة، بالإضافة إلى تأثُّر ميزانيَّة الدولة أيضًا من حيث توفير البترول والأدوات الاحتياطيَّة بالعملة الصَّعبة والشوارع العريضة والكادر الوظيفي، بالإضافة إلى مضْيَعة الوقت في الصِّيانة.. وغيرها من الأمور الفنيَّة.

 

الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز