عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كليوباترا السوداء... والقانون الدولي

كليوباترا السوداء... والقانون الدولي

كما يرد في اتفاقية اليونسكو للتراث بشأن حماية التراث الثقافي اللامادي لسنة 2003 التي نصت على: 



"يقصد بالتراث الثقافي غير المادي: الممارسات، والتعبيرات، والمعرفة والمهارات، بالإضافة إلى الوثائق، والأغراض والقطع الفنية، والمواقع الثقافية المرتبطة بها، والتي تعتبرها المجتمعات والجماعات والأفراد في بعض الأحيان جزءًا من تراثهم الثقافي وقد أحيت المجتمعات والجماعات باستمرار هذا التراث الثقافي غير المادي والمنقول من جيل إلى آخر، استجابة لبيئتهم وتفاعلهم مع الطبيعة وتاريخهم، حيث إنه يمدهم بنوع من الإحساس بالهوية والتواصل، ومن ثم تعزيز دعاية التنوع الثقافي والإبداع الإنساني وتحقيقًا لأهداف الاتفاقية، سيتم النظر إلى مثل هذا التراث الثقافي غير المادي من حيث اتفاقه مع وثائق حقوق الإنسان الدولية القائمة.. ومقتضيات الاحترام المتبادل بين المجتمعات والجماعات والأفراد والتنمية المستدامة."

يأتي اهتمامي بالعودة إلى الاتفاقية السابقة، التي أطلقها اليونسكو عام 2003 في إطار اهتمامي بالخبر المتداول والذي جاء فيه:

حددت محكمة القضاء الإداري في مصر، الأحد المقبل الرابع من يونيو 2023 لنظر أولى جلسات دعوى تطالب منصة نتفليكس باثنين مليار دولار كتعويض عن بث فيلم وثائقي عن الملكة كليوباترا ووقف عرض الفيلم.

وقد أقام الدعوى المحامي عمرو عبد السلام المحامي بالنقض وعضو اتحاد المحامين في ألمانيا، تلك الدعوى لإلزام السلطات المصرية ممثلة في وزير الخارجية المصري، لاتخاذ الإجراءات الدبلوماسية والقانونية ضد منصة نتفليكس.

وقد تأسست الدعوى على أن الفيلم (كليوباترا السوداء) تضمن تزييفًا للتاريخ واعتداء على التراث الثقافي والحضاري المصري وتزوير الهوية المصرية القديمة.

وبالتالي وبالعودة لاتفاقية اليونسكو الدولية يمكن تحديد الأمين العام كمخاطب بالدعوى لاستهداف خطاب إلى لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية، أقصد السيد الأمين العام للأمم المتحدة.

وهكذا يطرح السؤال نفسه هل حقًا فيلم كليوباترا السوداء يرتكب تلك الجريمة في حق التراث اللامادي المصري؟

وهل ينطق على الفيلم ما جاء في إعلان القاهرة 2004 بشأن قيام الدول بحماية تراثها الثقافي؟

وهل يتطابق تأثير الفيلم في الاعتداء على التراث الثقافي المصري مع ما تهتم به الدولة المصرية من مقاضاة الدول والأشخاص والكيانات التي تعرض أو تمتلك التراث الأثري المادي المصري، ولها في استعادة الآثار المصرية المنهوبة في الخارج باع كبير؟ 

وهل تتفق تلك الدعوى مع جوهر الاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي بهدف حماية التنوع الثقافي ودعم السلام بين الشعوب، وإقرار حق البشرية في معرفة تاريخ الحضارات والأمم كحق مشروع لفهم التاريخ الإنساني وحضارته؟

تأتي الإجابة: 

نعم، فقد قام هذا الفيلم بالاعتداء على التراث المصري اللامادي القديم، ما شكل نوعًا من التزوير والادعاء الكاذب على الهوية المصرية بقصد إلحاقها عبر ذلك التصور إلى الحركة المركزية الإفريقية السوداء، وهو الأمر الذي تحدث فيه العديد من الكتاب والمختصين والمهتمين بالشأن العام، ولذلك تأتي تلك الدعوى القضائية كتحرك عملي تأسس على كتابات ودفاعات متعددة صارت شديدة الوضوح للدولة وللمجتمع في مصر، ومن ذلك الرأي الرسمي الصادر عن وزارة الآثار والسياحة المصرية.

أما لماذا يمكن اعتبار هذا الفيلم فيلمًا يقع تحت طائلة القانون الدولي؟

يأتي ذلك في التفريق الاختصاصي النقدي بين الخيال الإبداعي وبين الأعمال الوثائقية.

فقد طرح الفيلم نفسه في إعلانه الترويجي الأول كفيلم وثائقي، وحتى لو كان الأمر خيالًا إبداعيًا يعتمد على الفانتازي، أو إعادة إنتاج التاريخ بشكل إبداعي، فهناك قواعد عامة مهنية متفق عليها لدى صناع الفنون في كل أنحاء العالم.

وهي قواعد منظمة، إذ إن الخيال الإبداعي لا يجب أن يفارق الواقع المبدئي الذي ينطلق منه، وذلك لأن الخيال الإبداعي الذي يتناول التاريخ، من حقه ولصالح الخيال ولصنع حبكة درامية جيدة مشوقة، إجراء تعديلات أو إضافات في عدد من التفاصيل التاريخية دون الاعتداء على جوهر وأصل المادة التاريخية التي يبدأ منها العمل الإبداعي، فحتى الخيال الإبداعي في تناول التاريخ له ضوابط وقواعد مستقرة متعارف عليها. 

وبالتالي فالأصل كليوباترا البطلمية الشهيرة واضح ومستقر، كأصل تاريخي فمسألة مخالفته إلى اللون الأسود بما يحمله من دلالات فكرية مرتبطة برؤية حركة المركزية السوداء للعالم، ومحاولتها نسب إبداع الحضارة المصرية القديمة لنفسها، يأتي كأمر غير فني وغير إبداعي وفقًا للمتعارف عليه والمتفق عليه في تاريخ الدراما ومدارس الإخراج المسرحي والسينمائي.

ولذلك فالتوجه لتحريك الدعوى القانونية في تقديري ليس أمرًا به مبالغة.

وربما كان التفكير القانوني في مسألة فيلم كليوباترا السوداء، مبررًا للتفكير في دعوة اليونسكو وتحرك الأمم المتحدة، وصناع الرأي الدولي لوجود نصوص جديدة مستحدثة للتفريق بين الخيال، والتشويه وبين الإبداع والاعتداء على هوية الحضارات، وبين ما تتيحه التكنولوجيا المعاصرة من انتشار كبير عبر الشبكة الدولية للمعلومات، والتي تتيح نشر الأفكار والصور على نطاق كثيف ومتسع، وبين إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي.

ولذلك فالنظر القانوني أيضًا يحتاج من منظمة الثقافة والتربية والعلوم الدولية لتفكير جاد في مدى قدرة التكنولوجيا وأيضًا الذكاء الاصطناعي على نشر الأفكار، وإعادة إنتاج الهويات بشكل مزيف، ولأن الشيء بالشيء يذكر، أيضًا يحتاج العالم المعاصر في مصر والوطن العربي، وفي أنحاء العالم كافة، إلى اتفاق دولي بشأن الذكاء الاصطناعي وقدرته على إعادة استخدام أصوات الموتى من المبدعين وأصوات الشخصيات العامة وصور ووجوه البشر وطريقتهم في التفكير والحركة، كي يقدموا بهم محتوى خارجًا عن أصحاب الصور والأصوات الأصليين وعن حريتهم في اختيار ما يفعلون، رغمًا عن إرادتهم الإنسانية الحرة، ومن هؤلاء كليوباترا التي تغير لون بشرتها- رغم كل شيء- بالمخالفة لإرادة الإبداع والتاريخ والاتفاقيات الدولية في حماية التراث الثقافي الإنساني، وإن لم يكن ذلك اصطناعيًا بل فنيًا.

أعتقد أن تحرك الكيانات العلمية والرمزية وتحرك مؤسسات الدولة المختصة المعنية بالأمر ومنها الآثار والثقافة ضرورة مهمة وواجبة.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز