عاجل
الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

"فورين بوليسي": هناك مخاوف دولية من وقوع المسيرات بين أيدي الإرهابيين في منطقة الساحل الإفريقي!

أرشيفية
أرشيفية

في ظل محاولة منطقة الساحل الإفريقي مواجهة التنظيمات الإرهابية، ظهرت مخاوف تتعلق بانتشار الطائرات بدون طيار (المسيرات أو الدرونز) بين أيدي هذه التنظيمات؛ مما يمثل تهديدا كبيرا وخطيرا لجيوش دول هذه المنطقة.



 

وفي هذا الصدد، أولت لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي اهتماما كبيراً بهذه المسألة، حيث عقدت أواخر العام الماضي اجتماعا لبحث التهديد المتزايد الذي تشكله التكنولوجيا الجديدة والناشئة على العالم، ومن بينها استخدام الجماعات الإرهابية للطائرات بدون طيار. 

 

وتوصلت اللجنة إلى اعتماد وثيقة تدعو الدول الأعضاء إلى منع ومكافحة الأشكال الرقمية للإرهاب، خاصة استخدام الطائرات بدون طيار ووسائل التواصل الاجتماعي وتمويل الإرهاب عبر الإنترنت.

 

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن المتمردين التابعين لجبهة تحرير شعب تيجراي بدأوا في شن هجمات على الجيش الإثيوبي في نوفمبر عام 2020 بسبب مخاوف من تهميشهم في إدارة المنطقة الواقعة شمالي إثيوبيا، وعندما استولت الجبهة على مدن استراتيجية، خشي الكثيرون في العاصمة الإثيوبية (أديس أبابا) أن يكونوا التاليين، فيما قامت سفارات وشركات بإجلاء موظفيها من العاصمة الإثيوبية بشكل سريع.

 

ومع ذلك حدث تحول فارق بين عشية وضحاها، حيث نشرت الحكومة الإثيوبية، التي كانت تعتمد بشكل أساسي على الهجمات البرية، طائرات بدون طيار إيرانية وصينية وتركية الصنع –وفقا للمجلة الأمريكية- لاستهداف قوات تيجراي وخطوط الإمداد. وجاءت النتيجة رائعة، حيث استعادت الحكومة الإثيوبية السيطرة على عدة مدن على مدار أسابيع في أواخر عام 2021، ما دفع قوات تيغراي للتراجع، وبعد عام تم توقيع اتفاق سلام مع المتمردين مصاغ إلى حد كبير وفقا لشروط حكومة إثيوبيا.

 

وبلا شك يبدو أن النجاح الملحوظ للطائرات بدون طيار في هذا السياق لفت انتباه العديد من القادة، خاصة في غرب إفريقيا، حيث اشتروا طائرات بدون طيار على أمل أن تساعدهم التكنولوجيا ذات الصلة في معاركهم العسكرية.

 

وحذرت المجلة الأمريكية من أنه على الرغم من النجاح الذي حققته المسيرات في حالة إثيوبيا، إلا أنها لن تكون بالضرورة "الطلقة الفضية" (السلاح الفعال) في منطقة الساحل الإفريقي، بل على النقيض من الممكن أن تقع هذه التكنولوجيا بين أيدي الجماعات الإرهابية.

ففي أعقاب سقوط الزعيم الليبي السابق معمر القذافي عام 2012، انطلق جهاديون مسلحون جيدا من ليبيا وشنوا هجمات في مالي امتدت بعد ذلك إلى بوركينا فاسو والنيجر ومؤخرا إلى مناطق أكبر في الساحل الإفريقي. 

وتجدر هنا الإشارة إلى أنه منذ عام 2012 وحتى عام 2022، لعب الجيش الفرنسي دورا حاسما في إبعاد المتمردين، غير أن عدم قدرته على هزيمة الجهاديين (الذين ينتمون إما إلى تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش) بشكل تام، أحبط حكومات غرب إفريقيا، ما أدى إلى خلافات دبلوماسية وتزايد المشاعر المعادية للفرنسيين في معظم أنحاء المنطقة.

ومع تدهور هذه العلاقة وانسحاب القوات الفرنسية في نهاية المطاف من مالي وبوركينا فاسو، أصبح قادة هذه الدول يعتمدون بشكل متزايد على الدعم من مجموعة فاجنر الروسية، إلا أن هذا النهج لم يثبت فعاليته بسبب انتهاكات منسوبة للمجموعة بشأن حقوق الإنسان لاسيما مذبحة مورا شمالي مالي في مارس 2022 والتي قتل فيها أكثر من 300 شخص.

وأدى الفشل المستمر في معالجة تهديدات الجماعات الإرهابية في بوركينا فاسو ومالي إلى تفاقم حالة انعدام الأمن، ففي يونيو 2022 قال مسؤول في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) إن 60 في المائة فقط من بوركينا فاسو لا تزال تحت سيطرة الدولة، بينما ذكر تقرير للأمم المتحدة صدر في الشهر نفسه أن مالي تسيطر على ما لا يزيد عن 15 في المائة فقط من أراضيها.

وأوضحت "فورين بوليسي" أن هذه الأوضاع المتأزمة والتحول السريع الذي تحقق في الحالة الإثيوبية، دفع قادة غرب إفريقيا للبحث عن حل لمشاكلهم من خلال الطائرات بدون طيار، ففي العام الماضي أصبحت بوركينا فاسو ثالث دولة في غرب إفريقيا تشتري طائرات بدون طيار تركية الصنع - وتحديدا طراز بيرقدار TB2 - لمساعدتها في قتال الجهاديين، وسط مشتريات أخرى من توجو ومالي والنيجر. 

وتتميز هذه النوعية من المسيرات بخواص من بينها: آلية الاستهداف بالليزر والصواريخ الصغيرة الموجهة، والقدرة على البقاء في الهواء لمدة 27 ساعة والوصول إلى ارتفاع حوالي 25 ألف قدم، وتغطية مناطق شاسعة وقليلة السكان مثل منطقة الساحل حيث المراقبة شبه مستحيلة، وهو ما دفع قادة منطقة الساحل الإفريقي لمحاولة الاستفادة من هذه المسيرات ذات قدرات الاستطلاع عالية التقنية وجمع المعلومات الاستخبارية، إلى جانب السعر المناسب مقارنة بالطائرات الأمريكية أو الإسرائيلية المماثلة.

وترى المجلة الأمريكية أنه رغم تصور البعض في منطقة الساحل الإفريقي أن هذه المسيرات هي الرصاصة الفضية التي طالما حلموا بها للقضاء على الجماعات الجهادية، إلا أن الدرونز ليست بالضرورة الدواء الشافي للداء الذي يعانون منه.

فمن الناحية النظرية تسمح المسيرات بشن المزيد من الضربات المستهدفة دون تعريض القوات البرية للخطر أو قصف مناطق أكبر والمخاطرة بسقوط ضحايا من المدنيين، ومع ذلك فقد تسببت هذه المسيرات في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وقتل مدنيين، فعلى سبيل المثال في أغسطس 2021، تسببت غارة أمريكية بطائرة بدون طيار في مقتل 10 مدنيين في كابول، وفي يناير 2022، استخدم الجيش الإثيوبي طائرة بدون طيار لإلقاء قنابل على معسكر للنازحين داخليا، ما أسفر عن مقتل 57 شخصا على الأقل.

وفي عمليات مكافحة التمرد حيث غالبا ما يكون الخط الفاصل بين المدنيين والمقاتلين غير واضح، نادرا ما كانت الطائرات بدون طيار أداة فعالة لهزيمة الجماعات المتمردة وإنهاء الصراع، ويرجع ذلك جزئيا إلى صعوبة ترجمة وقراءة المعلومات التي تقدمها الطائرات بدون طيار بشكل صحيح. 

كما أن الطائرات بدون طيار ورغم أنها موجهة بدقة، إلا أنها تتطلب عاملا بشريا لتقييم البيانات المقدمة من الكاميرات وأجهزة الاستشعار لتحديد ما إذا كان سيتم شن هجوم أم لا، في حين أن العنصر البشري مازال غير فعال للغاية في ترجمة هذه البيانات، ما يؤدي غالبا إلى عمليات إطلاق مضللة أو عمليات قتل خاطئة للمدنيين أو استهدافات خاطئة.

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن غياب المساءلة للسلوك المتهور في استخدام هذه الطائرات، من شأنه أيضا أن يقوض أهداف الدول في صد العنف الجهادي، موضحة أن تورط الطائرات بدون طيار في الهجمات ضد المواطنين في الساحل قد يؤدي إلى إثارة الاستياء بين السكان المحليين، ومن المرجح أن يصب في النهاية في مصلحة المقاتلين الجهاديين، الذين سيستخدمون المآسي لتجنيد أعضاء جدد.

كما أن الاستخدام المتزايد للطائرات بدون طيار من قبل الحكومات في منطقة الساحل يزيد من احتمال أن ينتهي الأمر بهذه الطائرات بين أيدي الجهاديين أنفسهم، ويتجلى ذلك في أن الجماعات المسلحة في شرق إفريقيا، مثل حركة الشباب، بدأت بالفعل في استخدام الطائرات بدون طيار على نطاق واسع. 

وفي حين أنه من غير المرجح أن تبيع تركيا طائراتها للجماعات الجهادية نظرا للضرر الذي قد يلحق بسمعتها، خاصة بين حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إلا أن هذه النوعية من المبيعات تتم دون إعلان، فعلى سبيل المثال، إيران متهمة ببيع طائرات بدون طيار للمتمردين في اليمن. 

ودللت "فورين بوليسي" على ما ساقته بتشبيه الطائرات التركية بدون طيار بالبندقية الآلية AK-47، وهي سلاح رخيص تم تصنيعه للقوات النظامية في الأربعينيات من القرن الماضي، ولكن منذ ذلك الحين أصبحت البندقية مستخدمة على نطاق واسع من قبل الجماعات المتمردة في جميع أنحاء العالم.

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أنه حتى لو أمكن حل هذه التعقيدات، فمن غير الواضح ما إذا كانت الطائرات بدون طيار توفر قيمة استراتيجية ذات مغزى لدول منطقة الساحل الإفريقي، ففي عمليات مكافحة التمرد، يمكن للطائرات بدون طيار القضاء على الأهداف عالية القيمة، ولكن نادرا ما تكون مرتبطة باستراتيجية شاملة لكسب الصراع على نطاق واسع، فعلى سبيل المثال فإن الوجود طويل الأمد للطائرات الأمريكية والفرنسية بدون طيار في منطقة الساحل الإفريقي لم يفعل شيئا يذكر لصد القوات الجهادية بشكل كبير. وعلى الرغم من إعلان وقوع بعض عمليات القتل الرئيسية بطائرات بدون طيار – مثل إعلان فرنسا مقتل عدنان أبو وليد الصحراوي رئيس تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى في شمال مالي، في غارة جوية بطائرة بدون طيار في أغسطس 2021- إلا أن مثل هذه الإعلانات لم تلحق ضررا جوهريا بالعمليات الجهادية.

وأكدت المجلة أن الطائرات بدون طيار هي وسيلة مغرية للقادة وبتكلفة بسيطة لإظهار القوة العسكرية لعامة الناس، ولكنها ليست جزءا من استراتيجية فعالة لمكافحة التمرد، حيث "لا يمكن هزيمة أيديولوجية بمجرد قتل الجميع".

وفي هذا الصدد، قال فيديريكو دونيلي الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة تريست الإيطالية، إنه على الرغم من النجاحات الكبيرة للمسيرات في أماكن أخرى مثل إثيوبيا وأوكرانيا، إلا أنه لا يمكن اعتبار الطائرات بدون طيار عامل تغيير في قواعد اللعبة في منطقة الساحل. 

وشددت المجلة على أنه لإحداث تغيير حقيقي، يجب على قادة منطقة الساحل اختيار نهج يتمثل في تعزيز الوصول إلى البنية التحتية والوظائف والتعليم وتحسين الحوكمة وسيادة القانون في بلدانهم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز