الخميس 18 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

يسأل الكثير عن علاقة فنِّ الدبلوماسيَّة ببعض العلوم الإنسانيَّة كالإدارة أو القيادة الرَّشيقة أو غيرها من العلوم، وحتى أقسام وفروع الحاسوب والأمن السيبراني والذَّكاء الاصطناعي.. وغيرها من العلوم والتفرُّعات الدقيقة حتى وصلت إلى عِلم التغذية؟ والجواب بسيط جدًّا لذلك، فأغلب الدوَل المتقدِّمة وخصوصًا الغربيَّة مِنها، لَهَا اتفاقيَّات مع الجامعات العريقة بمختلف التخصُّصات لتزويدها بأحدث النظريَّات، سواء للدراسات الإنسانيَّة أو غيرها لغرض إدخال وتثقيف دبلوماسيِّها بهذه العلوم التي تُعدُّ داعمًا لوظيفته في السفارة أو في مقرِّ بلده. فعلى سبيل المثال، البرامج الحديثة لأجهزة الحاسوب والأكسل.. وغيرها من علوم الإدارة والقيادة الرَّشيقة والاقتصاد واللوجستيَّات التي تدعم ثقافة وكاريزما الدبلوماسي بوجْهٍ خاصٍّ وبقيَّة الموظفين بوجْهٍ عامٍّ تجعلهم موظفين متميِّزين يُمكِن الاعتماد عليهم وتمثيل بلدهم بأفضل ما يكُونُ. بعض الوزارات حريصة كُلَّ ستَّة أشْهُر على تحديث معلومات موظَّفيها؛ لِمَا يعكس صورة مُشرِّفة وراقية على المسؤولين في تلك الجهة، ثمَّ سمعة البلد، حيث يشاركون بمؤتمرات خارجيَّة أو داخليَّة.

تطرَّقنا الأسبوع الماضي عن إتيكيت الحديث الرَّسمي باختصار وأهمِّيته في مُجريات العلاقات العامَّة، سواء خارجيًّا بَيْنَ الدوَل؛ لأنَّ كلمة واحدة مغلَّفة تمحُو جهْدَ سِنين من العلاقات القائمة بَيْنَ الدوَل (س & ص) وبالعكس أيضًا. واليوم سوف نعرِّج قليلًا على سِمات وأهمِّية الإتيكيت الاجتماعي ودَوْره في صقل كاريزما المواطن أو الموظَّف؛ لأنَّ تسلُّحَ الموظَّف بهذا الفنِّ قد يرقَّى إلى مناصب عُلْيا أو وظائف مهمَّة؛ لِمَا يمتلكه من صِفات وسِمات لا يملكها غيره من اللباقة والمجاملة والحديث الشيِّق والثقافة المبنيَّة على الخبرة والشهادة الأكاديميَّة.. وغيرها.

من أهمِّ سِمات الإتيكيت الاجتماعي التي سوف نتطرَّق إليها اليوم هي المجاملة، وهي على كُلِّ شخص أن يراعيَ ويهتمَّ بشعور وإحساس وحقوق وتطلُّعات الآخرين، وأن يُحسنَ التعبير عن تلك المراعاة.. فإنَّ ذلك يُمثِّل البداية الصحيحة لأُصول الإتيكيت الاجتماعي الناجح، وكلَّما زادت المجاملة عن مستواها الطبيعي كانت لها انعكاسات سلبيَّة على العلاقة بَيْنَ الشَّخصَيْنِ. فالمجاملة هي الطريق الصحيح والنموذجي لبناء علاقة طيِّبة متوازنة، وهي أيضًا سلوك، ومشاعر، وتعبير لغوي، وحُسن التعارف، وحُسن المعاملة، وآداب الكلام، ومهارة الاتِّصال والتواصل مع الآخرين عن طريق اختيار أرقى الكلمات المُعبِّرة الرَّقيقة لكسْبِ ودِّهِم، والإعجاب بما يُقدِّمونه، ورفْع معنويَّاتهم، ووصفهم بصِفات متوافرة فيهم بالفعل.

المجاملة تدخل ضِمْنَ عِلم ونظريَّات الاكتساب، حيث يؤكِّد علماء الاجتماع أنَّ فنَّ المجاملة ينبغي على كُلِّ شخص أن يتسلَّحَ بِه، فالأشخاص الذين لا يُجِيدون التعبير أو لا يعرفون كيفيَّة التعامل بفنِّ المجاملة فإنَّهم يعانون الكثير في حياتهم العمليَّة والشَّخصيَّة.

وأكَّدت الدِّراسات النَّفْسيَّة والاجتماعيَّة أنَّ أكثر من 85% من نجاح علاقات النَّاس ببعضهم البعض يَعُودُ إلى طريقة التعامل بفنِّ المجاملة وطريقة إقامة علاقات طويلة وطيِّبة مبنيَّة على الأخلاق الأصيلة الكريمة بعيدًا عن الأنانيَّة وحُبِّ الذَّات. لذلك من بَيْنِ شروط ابتعاث الدبلوماسي خارج بلده (أن يكُونَ بأعلَى درَجات المجاملة الرَّاقية والذي سوف يعكس صورة بلده في جميع الأنشطة والفعاليَّات التي سوف يوجد فيها بعيدًا عن الانزواء في زاوية القاعة والتخوُّف والإحراج، وعدم الاختلاط بالجمهور الموجود بالمناسبة، وبالتَّالي فإنَّه سوف يعكس صورة سلبيَّة على سفارته وبلده).

إنَّ المجاملة من السَّهل التدرُّب عليها، ومتى ما تسلَّحتَ بالفنون الأخرى، ولو بالدَّرجات الدُّنيا منها، وكلَّما كانت ثقافتك عالية ولدَيْكَ الجُرأة في خوض نقاشات معتدلة في مجال أنتَ تعرفه، زادت لدَيْكَ معارف من النَّاس التي تليقُ بِك، ولا تكُنْ غليظًا في التعامل مع الآخرين أو متشددًا في أفكارك أو وجهة نظرك؛ لأنَّ ذلك سوف يُبْعِد عنْكَ الكثيرين. فالمجاملة من أهمِّ أعمدتها هي المقدرة على تحويل مجرى الكلام والنِّقاش لجذب المقابل، وتحاول كسْبَ ودِّه ومشاعره تجاهك قَبل فرض وجهة نظرك عليه، وهذه واحدة من أهمِّ بنود فنِّ المفاوضات أيضًا.

يؤكِّد علماء النَّفْس الاجتماعي، وكذلك مدارس البروتوكول والإتيكيت أنَّ الابتسامة أثناء الحديث مع الآخرين تُعطي انطباعًا جيِّدًا عنْك؛ لأنَّها تعكس جَمال الروح وطِيبة القلب وبساطة وتواضع الإنسان، وهي سبَبٌ من أسباب النَّجاح والتفوُّق، بالإضافة إلى أنَّه يكُونُ أكثر جاذبيَّة وقدرة على إقناع الآخرين، وهي أهمُّ مُقوِّمات الإتيكيت الاجتماعي، وكلَّما كان الحديث هادئًا، ونبرة الصوت منخفضةً، دلَّلَ على رُقيِّ الشَّخص في أخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه.

ختامًا يقول شارلي شابلن: لا تبالغ في المجاملة حتى لا تسقطَ في بئر النِّفاق، ولا تبالغ في الصراحة حتى لا تسقطَ في وحْلِ الوقاحة.

 

الرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

تم نسخ الرابط