

د.عبد المنعم سعيد
30 يونيو ملحمة المواجهة الشاملة
الإرهاب في عمومه ليس مقيدا بأي قيد فكري أو تنظيمي أو مالي أو خلقي يقع خارج الأيدلوجية المتطرفة التي تحكمه، والتي عادة ما تبرر القيام بكافة أشكال العنف ذات التأثير النفسي والعاطفي والعقلي الذي يدفع المواطنين إلى الانخراط في العمليات الإرهابية.
والمعركة المصرية ضد الإرهاب ربما بدأت فكريا على الأقل منذ إنشاء حركة الإخوان المسلمين عام ١٩٢٨، لكن المعركة معها اشتدت عندما بدأ جهازها الخاص في القيام بعمليات الاغتيال في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي، ثم محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في الخمسينيات، ومحاولة تدمير البنية الأساسية المصرية في الستينيات. ومع اتساع جهود التنظيم لتشمل ٨١ دولة من دول العالم، وتحوله إلى حاضنة لتفريخ جماعات إرهابية أخري، فإن الإرهاب بات ظاهرة عالمية لم تترك بلدا تقريبا في العالم دون أن تطوله عمليات القتل والترويع، ورغم أنه من الناحية العسكرية البحتة فإن العمليات الإرهابية لم تولد قتلي وضحايا بالقدر الذي ولدته الجيوش النظامية أو جماعات حرب العصابات المقاومة لاحتلال خارجي أو حتى الجريمة المنظمة أو جيوش المرتزقة، فإنها من الناحية النفسية والعاطفية والفكرية ولدت نتائج بالغة الخطورة على النظام الدولي والإقليمي حينما حققت انقسامات عالمية بين "الإسلام" وأصحاب الديانات الأخرى، وداخل الإسلام ذاته بين السنة والشيعة.
وفي مصر شهد العقد الماضي مواجهة كبري بين الدولة المصرية والإرهاب الذي ظهر في شكل جماعات منبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين، وجماعات قادمة من خارج مصر مثل القاعدة وداعش.
وكان لهذه المواجهة أشكالها الأمنية والفكرية والعقائدية والإعلامية التي نجحت في مجموعها في حصار واحتواء الأعمال الإرهابية.
ورغم أنه من الصعب تحديد نصيب كل جانب في المواجهة من النتيجة الكلية فإن التقدير هنا هو أن النصيب الأوفى جاء من انطلاق واستمرار مسيرة التنمية المصرية طوال السنوات الماضية.
وكانت المعادلة المصرية الأساسية هي استمرار المواجهة الأمنية مع الإرهاب بكل الوسائل دون أن يؤثر ذلك سلباً في التنمية المصرية وبأعلى المعدلات الممكنة، والعكس في ذلك أيضا صحيح هو أن استمرار النمو لا يعني قصورا في مواجهة الإرهاب والعنف، ونجحت هذه المعادلة لأنها بما حققته في الواقع وأمام أعين المصريين من نتائج في البنية الأساسية وفرص العمل والانتشار الجغرافي بين وادي النيل والبحرين الأحمر والأبيض المتوسط، كان كافيا لكي يجفف منابع التجنيد للجماعات الإرهابية وينزع عن عقول المواطنين الخوف وعن قلبهم الفزع وعن أفئدتهم الترويع.
ومن ناحية أخري فإن الآمال الكبيرة في المستقبل جعلت الشريحة السكانية الأساسية من الشباب لا تستسلم ولا تضعف ولا تخاف أمام موجات الإرهاب الإعلامية والعنيفة.
"1" جماعة الإخوان والإرهاب منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام ١٩٢٨ وحتى الوقت الحالي كانت دائما في حالة صدام دائم مع الدولة المصرية مع اختلاف نظمها السياسية، ملكية وجمهورية، اشتراكية ورأسمالية.
ولم يختلف الأمر فى الفترة الحالية، حيث لم تتوقف الجماعة عن الهجوم علي الدولة المصرية سياسيا بتقليب دول العالم عليها، واستخدام وسائل إعلامية متعددة لتحفيز الشعب المصري علي الثورة ضد النظام السياسي القائم، وعسكرياً من خلال التواطؤ مع الجماعات الإرهابية بعد فشل أجنحتها الثورية في شن العمليات الإرهابية، إما على القوات المسلحة والشرطة المصرية، أو استهداف البنية الأساسية للدولة.
وحجر الزاوية في السلوكيات الإخوانية خلال الفترة الأخيرة منذ خروجها من السلطة بإرادة الشعب المصري في ٣ يوليو ٢٠١٣، وفشلها في كسب الرأي العام المصري علي مدي عشر سنوات، إنما يعود إلى عدم وجود مشروع تنموي لديها ينافس المشروع الوطني المصري الجاري، فما كان منها إلا الهجوم المستمر على عملية التنمية المصرية من خلال التشكيك ونشر الشائعات.
والحقيقة أن الإخوان لم يكن لديهم أبدا مشروعا تنمويا مصريا يأخذ الحقائق الاقتصادية والاجتماعية في مصر والعالم في الحسبان. ويعكس خطاب الإخوان المسلمين فى الحقيقة تباينًا جوهريًا ومستمرًا بين تصريحاتهم العامة ومقترحاتهم السياسية المحددة، ويعكس الفحص الجاد لوثائقهم وخطابهم العام مشروعًا للتوجه الديني الاستبدادي.
والمشروع السياسي للإخوان المسلمين في مصر وأماكن أخرى له أربعة أهداف أساسية:
1- خلق "الرجل المخلص
" 2- إقامة نظام حكم ثيوقراطي
3- تعزيز الدولة التدخلية
4- الدعوة إلى سياسات المواجهة الخارجية مع الغرب والأمن القومي باعتباره دفاعا عن "الهوية" التي جرى تعريفها "إسلاميا" وفق تفسيرات الإخوان المسلمين.
ولتحقيق هذه الأهداف وضع مؤسسو الجماعة في عام 1928 خطة "للعمل" و"التنظيم" و"الإيديولوجيا"، ومن خلال العمل يميز الإخوان بين شرطين: الضعف والتمكين، وكلاهما يقاس بميزان القوى السائد.
وخلال ما يقرب من ثمانية عقود، قامت جماعة الإخوان المسلمين ببناء منظمة سياسية دينية ضخمة تعمل محليا وفقًا لظروف كل دولة.
إن تنظيم الإخوان في الوقت نفسه عالمي في مداه، ويضم ما يقرب من واحد وثمانين دولة مرتبطة ببعضها البعض في إطار أممي، كان للمصريين دائمًا مكانة خاصة فيه.
وتتبع جماعة الإخوان تقاليد المنظمات الشمولية للعلامات التجارية الشيوعية والفاشية التي تستند إلى السرية وهيكل يشبه الهرم يتكون من قاعدة من الخلايا الصغيرة تقدم تقاريرها إلى الفصول الإقليمية، ثم أخيرًا إلى جهاز سياسي قوي ومركزي للغاية في الأعلى.
وفي حالة جماعة الإخوان المسلمين، كان أعلى منصب فيها هو "مكتب الإرشاد" بقيادة "المرشد الأعلى" ويراقبه مجلس "الشورى" لنقل الآراء إلى القيادة.
وطوال تاريخ جماعة الإخوان المسلمين كانت الجماعة تُدار بقواعد "الاستماع والطاعة"، وهو نظام صارم للتنشئة الاجتماعية والتلقين في أيديولوجية الحركة التي استندت في البداية إلى كتابات وخطب المؤسس الأصلي حسن البنا، لكن منذ الخمسينيات توسعت لتشمل كتابات سيد قطب.
وكان هناك جهازان رئيسيان أساسيان لعمل الإخوان: آلة دعاية فعالة للغاية، وجهاز شبه عسكري خاص.
وكلاهما كانا تحت القيادة المباشرة لمكتب الإرشاد والمرشد الأعلى، واستخدمت آلة الدعاية الكتب والنشرات والبيانات والخطب والمواعظ في المساجد لنشر رسالة الحركة.
ونفذ الإخوان المسلمون الأوائل اغتيالات في أربعينيات القرن الماضي ضد قادة حكوميين وقضائيين وعسكريين مصريين. وكمحرك، ساعد الإخوان ماديًا ولوجستيًا الجهاد الأفغاني والقاعدة وداعش، سواء في سوريا أو في مصر.
ولم تندد قيادة الإخوان أبدًا بالإرهاب حقًا دون إضافة "تحفظات" وما إذا كان تحت راية مقاومة القوى الأجنبية أو محاربة الاستبداد المحلي
وخلال انتفاضة 2011 أظهر الإخوان نفس البراعة والمهارة التنظيمية، ما مكنهم من مواجهة الشرطة وفرض الانضباط بين أتباعهم في ميدان التحرير، وأثناء مشاركتهم في أحداث انتفاضة 2011 قام الإخوان المسلمون بتفعيل "وحدات الدفاع عن النفس" الخاصة بهم، والتي اشتبكت مع الشرطة، ما أدى إلى مقتل ما يقدر بنحو 1075 مدنياً في الأيام الثمانية عشر للانتفاضة.
وبدأ الإخوان المسلمون موجات من الهجمات التي استهدفت السجون، بما في ذلك السجن الرئيسي بوادي النطرون، وأطلقوا سراح أكثر من 11 ألف سجين بينهم أعضاء في جماعة الإخوان وكذلك إرهابيون من تنظيمات القاعدة والجهاد وحماس وحزب الله.
وأثناء الانتفاضة وبعدها هاجم الإخوان المسلمون وأحرقوا ثلاثين مقرا للشرطة في القاهرة، بالإضافة إلى عدد من المباني العامة ومراكز التسوق والمحاكم.
وبلغ عنف جماعة الإخوان أقصى مستوياته حينما وصل الجناح السياسي لجماعة الإخوان إلى ذروة السلطة التنفيذية والتشريعية من عام 2012 إلى عام 2013.
وبدد الإخوان المظاهرات السلمية بالقوة، وقاموا بترهيب مؤسسات الدولة بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا، وهددوا المعارضين السياسيين بمن فيهم شخصيات إعلامية بارزة، ومسيحيون، وشخصيات عامة انتقدت الجماعة.
واتضحت مدى الطبيعة العنيفة لجماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية خلال أحداث 30 يونيو 2013، أولاً.. وعلى عكس الآراء السائدة بدأت جماعة الإخوان المسلمين في حشد الجماهير والتظاهرات لاحتلال الساحات الرئيسية في القاهرة والمحافظات في جميع أنحاء مصر اعتبارا من يوم 21 يونيو، وظلت تمثل حالة شلل للعاصمة المصرية لمدة 54 يوماً اضطرت الشرطة بعدها لفض الاعتصام الذي كان مسلحا. وكانت الاعتصامات قد تشكلت خاصة في ميدان رابعة العدوية قرب وزارة الدفاع، وميدان النهضة بالقرب من جامعة القاهرة.
وفي أعقاب المواجهة شن الإخوان هجمات على الكنائس وجرى إحراق 46 كنيسة، فضلاً عن أقسام الشرطة وقتلوا عناصر، وأخذوا أسلحة، وأطلقوا سراح سجناء.
وفي بلدة كرداسة قتلوا 14 ضابط شرطة وتم تشويه جثثهم. وبين يونيو 2013 وحتى نهاية فبراير 2016 قتلت جماعة الإخوان المسلمين وداعش 900 ضابط شرطة وارتكبت 1494 عملية عنف في جميع أنحاء مصر. وعمل أعضاء جماعة الإخوان على تخريب شبكات الكهرباء المصرية وتعطيل حركة المرور.
وعندما بدأت أعمال العنف هذه تهدأ بحلول نهاية عام 2016 أنتجت جماعة الإخوان المسلمين عددًا من الجماعات الإرهابية الصغيرة، وانضم بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى داعش، وفي بعض العمليات الإرهابية قدم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الدعم اللوجستي والمالي.
واعتبارًا من 2018، استمر إرهاب جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات الأصولية التابعة لها في مصر بأشكال مختلفة.
وبينما قامت منظمات مثل داعش أو القاعدة بعملياتها الإرهابية في سيناء والصحراء الغربية، ركزت جماعة الإخوان المسلمين عملياتها على البر المصري.
جزء من الفصل الثاني بالكتاب الذهبي عدد يونية "كيف قضت مصر على الإرهاب.. 30 يونية عقد من الثورة