الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

نتكلم اليوم عن مفردة من مفردات إتيكيت حضور المناسبات الرسميَّة والاجتماعيَّة والتي تُقسِّهما المدارس الدبلوماسيَّة لأكثر من 15 مفردة، ألا وهي مفردة الوجبات الغذائيَّة، على أن نتكلَّمَ لاحقًا حَوْلَ طبيعة واختيار الملابس والإكسسواراتـ، المشي والجلوس، لُغة الجسد، إدارة الحديث، التعارف والمجاملة، فنِّ الإنصات والاستماع.. وغيرها من المفردات التي تخصُّ إتيكيت حضور المناسبات أو الدَّعوات الرسميَّة والاجتماعيَّة.

يتفاخر الدبلوماسيُّون من مختلف المدارس الدبلوماسيَّة، وكذلك المعاهد الطبيَّة المتخصِّصة بعِلْم التغذية الأجنبيَّة حَوْلَ طبيعة بروتوكول وإتيكيت نظام الوجبات الغذائيَّة بالدَّعوات الرسميَّة، سواء بالمؤتمرات أو بالأنشطة الأخرى. وبالطبع هناك اختلاف كبير بَيْنَ الوجبات النهاريَّة والليليَّة، وكذلك حفلات الشَّاي الصباحيَّة، وحفلات الشَّاي الليليَّة، وكذلك تختلف الوجبات الغذائيَّة استنادًا إلى نوع المناسبة ومكانها ونوع الحضور (رجال، نساء أو مشترك). ويفتقر الكثير مِنَّا إلى إتيكيت آداب الطعام في هذه المناسبات الرسميَّة والاجتماعيَّة، حيث يبدأ بملء الصَّحن التَّابع له لِيصبحَ تلًّا من المأكولات المختلفة وكأنَّه يتفاخر أمام الجميع بذلك، ويبدأ بالتذوُّق وإرجاع المتبقِّي مِنْها إلى الصَّحن الرئيس. ومع كُلِّ الأسف سوف يرمى الأكل المتبقِّي بسلَّة المهملات، وينسى ويتناسى مفاهيم الصحَّة والأعراف والعادات العربيَّة والإسلاميَّة الراقية التي دائمًا تحثُّنا على الاعتدال في الأكل.

يخضع الكادر الدبلوماسي الفتي إلى حلقات خاصَّة ومحاضرات حَوْلَ إتيكيت وسلوك واختيار نوع الطعام بالمناسبات الرسميَّة، سواء بنظام ((Open Buffet or Menu، بالإضافة إلى استخدام أدوات الأكل؛ لكون هذا الدبلوماسي يُمثِّل بلده. وفي بدايات هذا القرن بدأت الجهات الحكوميَّة المختلفة تزجُّ بموظفيها بهذه الحلقات؛ لكونها من مُقوِّمات الحياة العصريَّة.

تناول القرآن الكريم هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدَّعوة الإسلاميَّة المباركة؛ حيث استخدم القرآن الطعام والأشربة في كثير من المواضع، وكان رسولنا الكريم (صلَّى الله عليه وسلَّم) يحثُّ على هذا النَّسق الرَّاقي في الحياة والاقتصاد فيه، وعدم التبذير بأصناف الأكل والأشربة عكس ما نراه الآن تحت مظلَّة ومُسمَّيات مكارم الضيافة وعادات القبيلة والعائلة، مبتعدين كُلَّ البُعد عن السِّيرة النبويَّة الشريفة، وكذلك حياة الصحابة وآل البيت الكرام.

أمَّا القرآن الكريم فقَدْ تطرَّق إلى إتيكيت الأكل والأشربة في كثير من الآيات الكريمة، فقَدْ وردت لفظة (طعام) في القرآن 48 مرَّة، وذُكرت لفظة (أكل) 72 مرَّة، وجاءت مع ذكر الزروع والفواكه 20 مرَّة، ومع الفواكه واللحوم 11 مرَّة، وهو ما يؤكِّد المكانة الكبيرة التي تحظى بها التغذية في الإسلام. في حين ذُكرت لفظة (شراب) 37 مرَّة، ويخبرنا القرآن الكريم والسنَّة النبويَّة الشريفة عن أخلاقيَّات التغذية، أدبيَّات الأكل والشرب، نظافة الأغذية والأشربة، الأكل المتوازن والحمية المتوازنة.

من النقاط الواجب اتِّباعها هي: علينا بغسل اليديْنِ قَبل تناول الطعام حتى يزيل الأوساخ عنهما؛ لكَيْ لا يضرَّ الشخص نَفْسَه، التسمية قَبل الأكل، أن تتناولَ الطعام من أمامك، وعدم مدِّ يدك على الطعام الذي هو أمام الآخرين ولا من وسطه، الجلوس بطريقة مستقيمة وليس الاتِّكاء على أحد الجوانب، عدم التحدُّث أثناء الطعام عن الأموات والحوادث الحزينة، عدم البصاق والمخاط وقت الأكل، عدم ذمِّ الطعام أثناء تناول الأكل، عدم ملء البطن والإسراف في تناول الطعام، حمْدُ الله بعد الانتهاء من تناول الطعام، عدم إحداث صوت وقت المضغ، بالإضافة إلى عدم فتح الفَم الممتلئ بالطعام، عدم خلط أنواع متنوِّعة من الطعام في الطَّبق نَفْسِه، تقطيع الطعام إلى قِطَع مناسبة الحجم للفم، عدم الوقوف والانحناء من أجْلِ تناول شيء على الطاولة بعيدًا عَنْك، عدم وضع قطعة كبيرة على الشوكة أو الملعقة والقضم مِنْها على دفعات، ممكن أكل الساندويشات باليد، عدم ترك بقايا الطعام في الطَّبق بعد الانتهاء من تناوله، عدم إخراج أيِّ صوت أو إخراج الطعام في حال تناوله ساخنًا؛ لكَيْ لا تُلْفتَ الانتباه، ومن الأفضل شرب كميَّة قليلة من الماء في هذه الحالة، عدم إثارة الاشمئزاز أو إثارة الانتباه في حال كان الطعام غريبًا أو غير شهي، إذا احتجت إلى المملحة أو قطعة خبز فاطلبها من أقرب مدعوٍّ وإيَّاك أن تمُدَّ يدك أو جسمك فتزعج الذين حَوْلَك.

وفي الختام نذكر من آداب تقديم كبار السِّن على غيرهم في الطعام أنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كان إِذَا سَقَى قَالَ: (ابْدَأوا بِالْكَبِيرِ، أَوْ بِالأَكَابِرِ) وهو قمَّة في الذَّوق والإتيكيت عند البدء بالطعام.دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت  

تم نسخ الرابط