الخميس 18 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

يُعدُّ الموظف الدبلوماسي بالسفارات هو واجهة بلده؛ لذلك اهتمَّت كثيرًا المدارس الدبلوماسيَّة بتأهيل وتطوير مهارات جميع الكادر الدبلوماسي قَبل الالتحاق ببعثاتها بأحد فنون ومفاهيم الدبلوماسيَّة ألَا وهو (لُغة الجسَد body Language ) وخصوصًا الدَّرجات الفَنيَّة بوظائف الاستقبال والقنصليَّة والأكاديميَّة (التربية، والتعليم العالي) والتجاريَّة؛ لكونها بتماس مع المواطن والمُراجع وهذه الوظائف هي واجهة البلد؛ لأنَّ المواطن الذي يراجع السفارة لغرض تصديق أوراق معيَّنة سوف يقابل هذه المناصب وليس السفير أو القائم بالأعمال أو الوظائف الأخرى، لذلك ركَّز كثير من الدوَل على هذه الشرائح الوظيفيَّة الخدميَّة بزَجِّها بحلقات كثيرة ومستفيضة بفنِّ الإتيكيت، ومِنْها لُغة الجسَد وكيفيَّة إرضاء المواطن الذي يزور السَّفارة بابتسامة بسيطة ورحابة صدر، ووجْهٍ بشوش بعيدًا عن الكآبة والوجْه العبوس والذي قَدْ يُخرِج هذا المُراجع منتقدًا السَّفارة والدولة بسبب سوء استقبال وإنجاز معاملته وأوراقه، وبالطَّبع هذا أيضًا ينطبق على جميع الوزارات والهيئات الحكوميَّة والقِطاع المختلط والخاصِّ.

 

تميَّز العرب كثيرًا بعِلم الفراسة والذي يُعدُّ الخَيمة الكبيرة والمُعبِّرة عن لُغة الجسَد، ويُعرف بأنَّه مهارة التعرُّف على مفردات الأُمور عن طريق ملاحظة ظواهرها والحُكم على شخصيَّة الشَّخص من ملامح وجهه، كما بذل العلَماء العرب جهودًا للوصول إلى استنتاجات تربط بَيْنَ أشكال الوجوه وصفات أصحابها، كما تمَّ إضافة أنواع المشي والجلوس ونبرة الصوت إلى عِلم الفراسة، حيث تختلف مثلًا صفات مَن يملك الوجْهَ الرفيع عمَّن يملك الوجْه البيضاوي، وكذلك العَيْن والحاجب تختلف صفات أصحابها باختلاف أشكالها؛ لذلك دمج علماء العرب وخصوصًا في الفترة الذهبيَّة للدولة العباسيَّة بَيْنَ عِلم الفراسة الذي يبحث في الأشكال الثابتة لأعضاء الجِسم مِثل شكلِ العَيْن أو الأنف، مع لُغة الجَسَد التي تُعبِّر عنِ انفعالات الشَّخص، حيث تُعدُّ الانفعالات مِرآة للحقيقة حتى لو حاول الإنسان جاهدًا إخفاءها، والاثنان عُملة واحدة ذات وجهَيْنِ.

 

أفادت الدراسات والبحوث الدبلوماسيَّة في مجال الخطابة التي أُجريت على أشخاص يُلقون خطابات عامَّة بأنَّ إيماءات أياديهم، كيف يُمكِن أن تؤثِّرَ وبشكلٍ فعَّال للمُستقبل الذي ينظر بها إليهم. وكذلك من أوَّل لحظة تدخل فيها إلى مكان معيَّن، يبدأ الناس في إصدار أحكامهم حَوْلَ شخصيَّتك وإلى أيِّ مدى يُعجبون بِكَ. ولحُسن الحظِّ هناك بعض المفردات من لُغة الجسَد ذات تأثير مباشر على شخصيَّتك، سواء أثناء المَشي أو الجلوس أو التلويح بالأيدي.

 

أوَدُّ أن أوضِّحَ أقسام اليد وهي:(العضد، السَّاعد، الكفُّ). وأمَّا الكفُّ وراحة اليد فتقسَّم إلى (الإبهام، السبَّابة، الوسطى، البنصر، والخنصر) وهي أهمُّ إشارات اليدَيْنِ أثناء الكلام.

 

وهذه الأجزاء مهمَّة جدًّا للمرأة وحركة يَدِها أثناء الكلام.. فمِن المُخجِل جدًّا أن نرى المرأة مهما تكُنْ درجتها ووظيفتها ومركزها الاجتماعي ترفع يدَها أثناء الكلام ولو بزاوية 15 درجةً؛ لذلك على المرأة دائمًا وأبدًا أن يبقَى العضد ملاصقًا للجِسم، ويبقى السَّاعد والكفُّ بحركة جزئيَّة لا تتعدَّى 10% من كلامها ولا ترفع اليدَيْنِ إلى الأعلى إطلاقًا. وتختلف حركة اليدَيْنِ بالنسبة لكبار الشخصيَّات من الجنسَيْنِ، ولكنَّ الأفضل ومن المُستحسن عدم تحريك اليدَيْنِ، وتبقى ساكنتَيْنِ أو بحركة محدودة جزئيَّة، سواء في حالة الوقوف أو في حالة الجلوس مع مراعاة كيفيَّة وضع اليدَيْنِ على الأرجل أو تشابك راحة اليدَيْنِ.

 

أمَّا إتيكيت المَشي فهو من أهم علامات وكاريزما الموظَّف والمواطن والتي تعكس جزءًا من شخصيَّته، كما تطرَّق القرآن الكريم قَبل جميع المدارس الدبلوماسيَّة التي تُدرِّس فنَّ الإتيكيت إلى هذه المفردة؛ باعتبارها من أهمِّ مفردات لُغة الجسَد. وتُعدُّ الآيات الكريمة نظريات ومراجع للُغة الجسَد في إتيكيت المَشي؛ لِمَا تعكسه من شخصيَّة الإنسان. ونلاحظ في الآيات الكريمة أنَّها تُعطي صورة واضحة لا تقبل الشَّك حَوْلَ صفة المتكبِّر والمختال والمتجبِّر من خلال المَشي ورفع الرأس إلى الأعلى، وكذلك المَشي البطيء الذي يعكس الوقار والهيبة والهدوء.

 

قال تعالى في مُحْكم كتابه:(وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) (الإسراء ـ 37)، وقال تعالى:(فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ..) (القصص ـ ٢٥).

 

وفي الختام، علينا جميعًا ـ وليس حصرًا على الموظَّف ـ الاهتمام كثيرًا بإتيكيت المَشي البطيء الهادئ؛ لأنَّه هيبة ووقار، وعدم التسارع بالخطوات وكأنَّك في سباق مع الآخرين بحيث لا تزيد المسافة بَيْنَ قدَمٍ وأخرى عن نِصْف قدَمٍ أو قدَمٍ بالكثير، وأنَّه يساعد على تحسين المزاج وتخفيف التوتُّر وتعزيز الإبداع.

 

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت

تم نسخ الرابط