جمال عبدالصمد
المليونير النباش!
لا شك أن كل الوظائف لها دورها وأهميتها وضرورتها بالمجتمع، سواء كانت هذه الوظيفة بسيطة أو شاقة، فمثلا إذا أشرنا إلى وظيفة عامل النظافة فنجد أنها مهمة جدًا في كل المجتمعات، وإذا سلطنا الضوء على هذا العامل نجد أنه يعمل داخل منظومة تسعى إلى رفع مستوى النظافة وتحسين البيئة والحفاظ عليها خالية من التلوث، بالإضافة إلى الاهتمام بالمظهر الحضاري العام بالشوارع والميادين بالأحياء كافة.
قامت الدولة مؤخرًا بتبني منظومة جديدة للنظافة تم تطبيقها بمناطق مختلفة بعدد من محافظات الجمهورية، بهدف القضاء على الصور والمظاهر السلبية المنتشرة التي أسفرت عنها منظومة النظافة القديمة، حيث تسعى المنظومة الجديدة إلى تطبيق العديد من الإجراءات منها تحسين منظومة النظافة بشكل عام، وتشجيع المستثمرين والقطاع الخاص على الاشتراك بالمنظومة من خلال إنشاء مصانع تدوير المخلفات، والقضاء على المقالب العشوائية، والجمع السكني والتجاري للقمامة.. وغيرها من الخطوات والإجراءات الصائبة التي من شأنها تحقيق الأهداف المرجوة منها بشكل منظم ومخطط يصب في صالح المجتمع والمواطن.
برغم كل ما اتخذته مؤسسات الدولة من تدابير وإجراءات نحو وضع خطة ممنهجة لترسيخ البنية الأساسية لمنظومة النظافة الجديدة، إلا أنه ما زالت هناك مناطق لم تصل إليها هذه المنظومة الحديثة، الأمر الذي نتج عنه انتشار العديد من المظاهر والنماذج السلبية بشكل مستفز ببعض الأحياء بمحافظة الإسكندرية، صور تعكس مدى تدني منظومة النظافة بهذه المناطق ومنها: تراكم القمامة بالشوارع بطول خط السكك الحديد، اختفاء صناديق القمامة بمناطق متفرقة من أحياء عروس البحر الأبيض المتوسط، تزايد أكوام القمامة بالشوارع الرئيسية والفرعية، الأمر الذي أدى إلى انتشار الروائح الكريهة وظهور الحشرات الزاحفة والطائرة، بالإضافة إلى وجود الكلاب والقطط الضالة.
كما أن انتشار فرّيزة ونبيشة القمامة وغيرها من المظاهر التي ساهمت في تشويه المظهر الجمالي والشكل العام للمدينة، الوضع الذي أسفر عنه زيادة عدد الشكاوى المقدمة من المواطنين القاطنين بالمناطق التي لم يطبق بها منظومة النظافة الجديدة حتى الآن مطالبين بسرعة تطبيقها.
مما لا شك فيه أن مشكلة الفريزة والنباشين تأتي على رأس أولويات المشاكل التي تؤرق المواطن، كما أنها تعد صداعًا مزمنًا في رأس المسؤولين، حيث تفاقمت المشكلة بشكل مرعب يظهر في قيام النبيشة بتشييد أكشاك "عشش" بجوار أكوام القمامة، يسكنون ويمارسون حياتهم الطبيعية بداخلها.
هناك أسباب كثيرة ومتعددة لعبت دورًا مهمًا في تفشي ظاهرة الفرّيزة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "اختفاء صناديق وحاويات القمامة من الشوارع"، بالإضافة إلى تخاذل وتباطؤ شركات النظافة في رفع وإزالة القمامة المتراكمة، ما أدى إلى زيادة أكوام القمامة التي تحولت إلى بؤر لتجمع النباشين والفرّيزة الباحثين عن المنتجات الصلبة القابلة للتدوير لبيعها بأسعار خيالية منها "البلاستيك، علب الكنز، الزجاج، الكرتون"، وكل سلعة لها سوقها وسعرها الخاص، حيث أصبح دخل النباش يتخطى مئات الجنيهات يوميًا.
والمضحك والغريب في الموضوع أن هناك عمال نظافة انحرفوا عن مهمتهم الأساسية واتجهوا إلى عملية فرز ونبش القمامة، التي أغرتهم بأموالها الكثيرة.
في النهاية نحتاج إلى حلول جذرية وعاجلة بعيدة عن المسكنات، ولا بد أن تتضافر كافة الجهود لمواجهة والتغلب على مافيا النباشين والفرّيزة، بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة من المخلفات الصلبة المهدرة وفتح سوق لتدوير هذه المخلفات مثل ما يحدث بدول كثيرة بالعالم ويصب في صالح الدولة.
وأخيرًا وليس آخرًا أتمنى تعميم منظومة النظافة الجديدة بكافة المحافظات والقرى بشوارعها الرئيسية والفرعية والحواري والأزقة، لكي ينعم كافة المواطنين بهذه الخدمة وتكتمل الصورة الحضارية للجمهورية الجديدة.
















