أسامة شاهين يكتب: الاستراتيجيات السبع لتطوير السياحة العلاجية

السياحة العلاجية هى انتقال الفرد من مقر إقامته الدائم إلى منطقة أخرى بهدف الوقاية أو العلاج من مرض ما.

 

وقد تكون أسباب شفائه بيئية تعتمد على عناصر البيئة الطبيعية، مثل الشمس أو مياه البحار والبحيرات أو الرمال أو الطين العلاجي، أو العيون المعدنية والكبريتية أو غير ذلك من المقومات الطبيعية للعلاج الاستشفائي.

 

وقد تكون طبية تعتمد على المنشآت والأجهزة الحديثة والخبرة الطبية.

 

ووفقا لهذا التعريف تضم السياحة العلاجية ثلاثة أنماط فرعية هي السياحة الوقائية والسياحة الاستشفائية والسياحة الطبية.

وتعد السياحة العلاجية من الأنماط السياحية التقليدية القديمة؛ إذ مارسها الإنسان منذ عهد بعيد ، وقد مارسها الفراعنة واليونان والرومان ثم أخذت فى التطور من فترة إلى أخرى حتى أصبحت الآن من الأنماط السياحية المهمة، كما تعددت أنواعها ومنتجعاتها، وكذا تعددت وسائل وطرق العلاج المستخدمة فيها بما يتماشى مع نوع المرض وحالة المريض. وفى الوقت الحاضر اتجهت كثير من دول العالم إلى الاهتمام بالسياحة العلاجية والعمل على تنميتها نظرا لزيادة حجم الطلب عليها، وكثرة الفوائد الاقتصادية الناتجة عنها، واحتلالها مركزًا متقدمًا بين بقية الأنماط السياحية الأخرى حيث جاءت بالمركز الثالث بعد السياحة الترفيهية، وسياحة الأعمال مُسجلة 10% من جملة حركة السياحة العالمية .

 

وتمثل السياحة العلاجية أحد أنماط السياحة فى مصر، ولا تشكل حركتها المحدودة انعكاسًا حقيقيًا لإمكانات مصر في هذا المجال، وهي بالتالي من أكثر أنماط السياحة قابلية وحاجة للتنمية؛ حيث تتوافر على أرض مصر وفى مناطق متعددة منها الكثير من مقومات السياحة العلاجية.

 

لطالما كانت مصر، بتاريخها الغني ومعالمها الشهيرة وعجائب الدنيا القديمة، وجهة سفر مرغوبة. ومع ذلك، ليس التراث الثقافي للبلاد فقط هو الذي يجذب السياح؛ لديها إمكانات هائلة في مجال السياحة العلاجية أيضًا.

 

ومع النمو السريع لقطاع الرعاية الصحية والموقع الجغرافي الاستراتيجي، والمواقع الاثرية والاستشفائية المتميزة يمكن لمصر الاستفادة من مزاياها الفريدة لتصبح مركزًا رائدًا للمسافرين للعلاج على مستوى العالم.

 

في هذا المقال، سوف نستكشف إمكانات مصر في مجال السياحة العلاجية ونناقش الاستراتيجيات الفعالة لتطوير هذا القطاع والترويج له.

 

أولا: تعزيز البنية التحتية للرعاية الصحية وتحفيز القطاع الخاص:

 

الخطوة الأولى نحو تسخير إمكانات السياحة العلاجية هي تعزيز البنية التحتية للرعاية الصحية، وقد حققت مصر بالفعل تقدمًا كبيرًا في هذا المجال، من خلال تطوير المستشفيات الحديثة ومراكز الرعاية الصحية المتخصصة.

 

ومن شأن الاستثمار الإضافي في المرافق والمعدات والتكنولوجيا الطبية الحديثة أن يعزز الثقة في جودة الخدمات الطبية المقدمة، ويجذب المرضى الدوليين، الي جانب وضع الية لتحفيز وتشجيع المستشفيات ومقدمي الخدمات الطبية الخاصة في الحصول علي الاعتمادات والامتثال للمعايير الدولية في السياحة والذي من شأنه توسيع لمنصات تقديم خدمات السياحة العلاجية على مستوي الدولة.

 

ثانياً: ضمان الجودة والاعتماد:

 

يعد الحصول على الشهادات والاعتمادات الدولية لمرافق الرعاية الصحية أمرًا حيويًا لبناء الثقة بين السياح الطبيين المحتملين، ويمكن للتعاون مع منظمات الاعتماد الدولية، مثل اللجنة الدولية المشتركة (JCI) والمنظمة الدولية للمعايير (ISO)، ضمان التزام مؤسسات الرعاية الصحية في مصر بالمعايير العالمية للجودة والسلامة.

 

يمكن أن يكون هذا الاعتماد بمثابة ختم الموافقة للمرضى الذين يبحثون عن العلاج الطبي في الخارج، وجدير بالذكر اهتمام الدولة بتفعيل هذا الجانب، حيث قامت هيئة الاعتماد والرقابة الصحي بالاعلان عن معايير الاعتماد للسياحة العلاجية في اكتوبر ٢٠٢٢ والذي يعتبر نقطة الانطلاق لتفعيل هذه الاستراتيجية، وتعكف الهيئة حاليا علي تطوير آلية تأهيل واعتماد المنشآت الصحية بمعايير مشتركة مع منظمة تیموس TEMOS، أحد أهم المنظمات الدولية المانحة لشهادات الاعتماد في مجال السياحة العلاجية الطبية، حيث يهدف الإصدار الحالي للمعايير المشتركة TEMOS GAHAR ليشمل أبعاداً جديدة للرعاية الصحية، خاصة فيما يتعلق بمعايير الرعاية الصحية للمريض الدولي والرعاية الممتدة والتأهيل واصدار معايير خاصة بمراكز الاستشفاء الطبي الطبيعية

 

 

ثالثاً: التركيز على المجالات المتخصصة:

 

وللتميز عن المنافسة، يمكن لمصر أن تفكر في التركيز على مجالات متخصصة محددة في العلاج الطبي. إن الاعتراف بمجالات الخبرة والاستثمار فيها، مثل جراحات القلب وزراعة الأعضاء وعلاجات الخصوبة والجراحة التجميلية وجراحات الاسنان، سيمكن مصر من ترسيخ سمعتها كمركز للتميز في تلك المجالات، من خلال جذب الأطباء والمتخصصين المشهورين، يمكن لمصر ضمان توافر الخبرة الطبية رفيعة المستوى للمرضى المحليين والدوليين، حيث المرضي القاصدين للسياحة العلاجية الي التميز وهو المستوى الأعلى من الاعتماد، الذي يضمن تطبيق أفضل الممارسات الاكلينيكية والبروتوكولات العلاجية إلى جانب جودة الخدمات اللوجستية والفندقية والتي تهتم بالاعتناء التام بالمريض الدولي منذ وصوله الي أرض مصر وحتي مغادرته لها، الي جانب الريادة الطبية لمصر في المنطقة العربية وما يتمتع به الطبيب المصري من سمعة طيبة مما يمهد الطريق أمام حصة سوقية أكبر لمصر على المستوى العربي والافريقي والدولي على المدى القريب.

 

 

رابعاً: القدرة التنافسية السعرية:

إحدى المزايا المهمة التي تتمتع بها مصر في مجال السياحة العلاجية هي أسعارها التنافسية، تكلفة العلاج الطبي في مصر أقل بكثير مقارنة بالعديد من الدول المتقدمة، إن تعزيز القدرة على تحمل التكاليف يمكن أن يجذب المرضى من البلدان التي ترتفع فيها تكاليف الرعاية الصحية، مما يجعل مصر خيارًا جذابًا وفعالاً من حيث التكلفة، ومن خلال تقديم خدمات طبية عالية الجودة بأسعار تنافسية، يمكن لمصر أن تضع نفسها كبديل ممتاز للمرضى الذين يبحثون عن خيارات رعاية صحية موثوقة وبأسعار معقولة.

 

خامساً: تعزيز المعالم الثقافية والتاريخية:

 

السياحة العلاجية لا تعتمد فقط على مرافق الرعاية الصحية؛ كما يتطلب وجهة جذابة لإغراء المرضى ومرافقيهم. يوفر التراث الثقافي والتاريخي الغني لمصر، بما في ذلك المواقع الاثرية المختلفة والمتنوعة والتقاليد المحلية النابضة بالحياة، خلفية ممتازة للسياح. إن دمج الحزم الطبية مع الجولات الثقافية وتحسين تجارب السفر  فيمكن أن يخلق عرضًا ذا قيمة مقنعة للسياح الساعين للعلاج والاستشفاء.

 

سادساً: التعاون والشراكات:

 

لتطوير السياحة الطبية وتعزيزها بشكل فعال، يعد التعاون مع أصحاب المصلحة الرئيسيين أمرًا بالغ الأهمية، ومن شأن التعاون مع المستشفيات والعيادات ومقدمي الرعاية الصحية الدوليين أن يسهل إحالة المرضى ويعزز الخبرة الطبية للدولة على مستوى العالم، يمكن للشراكات مع وكالات السفر وشركات الطيران والفنادق إنشاء حزم سياحة طبية شاملة وتوفير تجارب سلسة للمرضى الدوليين.

 

سابعاً: التسويق الرقمي والتواجد عبر الإنترنت:

 

في هذا العصر الرقمي، يعد التواجد القوي عبر الإنترنت أمرًا ضروريًا لأي صناعة، بما في ذلك السياحة العلاجية. يمكن لمصر الاستفادة من استراتيجيات التسويق الرقمي، مثل تحسين محركات البحث (SEO)، والتسويق الالكتروني، واستخدام الشخصيات المشهورة والمؤثرة علي مواقع التواصل الاجتماعي وإعلانات الدفع لكل نقرة PPC، للوصول إلى جمهور أوسع من مرضي السياحة العلاجية المحتملين، سيكون الموقع الإلكتروني الغني بالمعلومات وسهل الاستخدام والمزود بمعلومات مفصلة حول العلاجات الطبية والشهادات ودراسات الحالة مفيدًا في جذب المرضى، بفضل تراثها الذي لا مثيل له، وأسعارها التنافسية، والبنية التحتية المتنامية للرعاية الصحية، تتمتع مصر بإمكانات هائلة لتصبح وجهة رائدة للسياحة العلاجية، ومن خلال تعزيز البنية التحتية للرعاية الصحية، وضمان الجودة، وتعزيز المجالات المتخصصة، وتقديم أسعار تنافسية، ودمج المعالم الثقافية، وتعزيز التعاون، والتأكيد على استراتيجيات التسويق الرقمي، يمكن لمصر تطوير قطاع السياحة العلاجية والترويج له بشكل فعال، ومن خلال الاستفادة من مزاياها الفريدة، تستطيع مصر جذب السياح للعلاج بنجاح وتأمين مكانتها كدولة عالمية.