السبت 27 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

هل تسمح مصر بتداول الحشيش الطبي؟

هل تسمح مصر بتداول
هل تسمح مصر بتداول الحشيش الطبي؟

بقلم شادي السيد سامي

(١) في السابع من شهر يوليو الماضي انضمت ولاية نيويورك الي ٢٣ ولاية امريكية أخري سمحت بتقنين الحشيش الطبي ، ولاول مرة نشاهد اعلان يشغل صغحة كاملة علي صفحات جريدة نيويورك تايمز-في عدد نهاية الاسبوع- عن مؤسسة تقدم خدمات معلوماتية للمرضي عن الحشيش.

واتخذت هذه المؤسسة في هذا الاعلان جملة "just say know"  كبديل عن شعار حملات التوعية الحكومية السابقة ضد الحشيش "just say NO" .

 

في نفس الوقت، تعالت فيه الاصوات التي تطالب الحكومة الائتلافية في بريطانيا بمراجعة قانون المخدرات للسماح بتداول الحشيش الطبي.وعلي الصعيد العربي طرح بعض النواب في المغرب نهاية العام المنصرم مناقشة مشروع قانون لتقنين والسماح بأستخدام وتداول نبات القنب "الحشيش" في ظل اعتراض واسع.

 

ومؤخرا في لبنان أعلن عدد من السياسيين تأييدهم لتفنين زراعة واستخدام الحشيش للاغراض الطبية وكذلك تصديره الي دول يسمح فيها تداوله كهولندا ووعدد كبير من ولايات الولايات المتحدة الامريكية

 

 ومع ذلك لا يزال استخدام الحشيش في جميع انحاء العالم محاطا باستياء عام وعلامات استفهام في اغلب المجتمعات علي اعتبارهفقط مخدر،ويتم التعامل معه علي اساس انه ضار ولا فائدة له ،بل سببا لكثير الامراض الاجتماعية..بينما لا تنظر اغلب المجتمعات الي الاثار الطبية للحشيش ومشتقاته و مستخلصاته. ولذا فان هدفي من هذا المقال هو ان اقدم تلخيص للاثار العلاجية للحشيش و أسباب تأييدي لترخيص الحشيش للاغراض العلاجية علي نطاق واسع.

 

(٢)يختلط علينا الامر عندما يذكر الحشيش والماريجوانا ونعتبرهما شيئين منفصلين عن بعضهما البعض، والحقيقة ليست كذلك. الماريجوانا هي أوراق نبات القنب الهندي (الانثي) بينما الحشيش هو الراتينج المستخرج و المحضر من الأجزاء العلوية من نفس النبات والتي تحتوي علي غدد علي شكل شعيرات تفرز هذا الراتينج (الراتينج هو مادة لزجة تميل للصلابة وتحتوي علي خلاصات نباتية)

 اذن الحشيش هو المادة الصلبة والماريجوانا الاوراق نفسها،ويحضر الحشيش عن طريق تجفيف وتبريد هذه الاجزاء التي تحتوي علي الراتينج وفلترتها في عملية طويلة، تنتهي بكبس الراتينج الناتج في شكل قطع كبيرة- تعرف بأسماء عدة. وبالتالي فان الحشيش يحتوي علي نسبة أعلي بكثير من المادة الفعالة من تلك الموجودة في الاوراق.

 

ولتوحيد الدلالات فأن كلمة "حشيش" المستخدمة فيما يلي تشير الي منتجات نبات القنب بنوعيه سواء كانت اوراق او راتينج.

 

(٣)هناك العديد من سلالات الحشيش اهمها وأشهرها سلاستي ساتيفا وانديكا. وتختلف هذه السلالات في نسب المواد الفعالة التي تحتويها اوراقها. والمواد الفعالة في الحشيش تسمي كنابينويدات (أو قنابيات) ،وأهمها هو ما يسمي تتراهيدروكنابينول (THC).

 

ولكي تعمل هذه المركبات في الجسم -شأن أي دواء- يجب أن تتحد بمستقبلات خاصة علي جدران الخلايا فيظهر تأثيرها العلاجي ، والمستقبلات التي تتحد معها المواد الفعالة في الحشيش هي مستقبلات خاصة وهي نوعين (CB1) ويوجد في الجهاز العصبي، و(CB2) ويوجد في الجهاز المناعي وما سنركز عليه هنا هو النوع الاول من المستقبلات . ومن المهم ان نعلم ان المستقبلات المذكورة لا يتحد معها اي مادة خارجية أخري أو دواء أخر غير الكنابينويدات.

 

عرف الحشيش كدواء منذ أكثر من خمسة آلاف عام في الصين كعلاج للملاريا والامساك وآلام المفاصل وآلام الولادة، وكذلك كمسكن جراحي (بعد خلطه بالنبيذ). وفي العصر الحديث و تحديدا في القرن التاسع عشر نقله الطبيب الأيرلندي أوشوجنيسيمن الهند الي بريطانيا كمضاد للقئ ومرخي للعضلات ومهدئ. ومنذ ذلك انتشر الاستعمال الطبي للحشيش من بريطانيا الي أمريكا.

 

وفي عام ١٩٢٨ تم فرض قيود قانونية علي إستخدام الحشيش بإعتماد ميثاق جينيف لعام ١٩٢٥ الخاص بتصنيع وتجارة الأدوية الخطرة، حتي تم تجريمه نهائيا عام ١٩٧١. وظل الاستعمال الطبي محدود جدا في مناطق عديدة في الولايات المتحدة و ايطاليا واستراليا. حتي تم السماح للمرضي في بعض الولايات الامريكية بصرف الحشيش بوصفة طبية عام ١٩٩٦. ومع ذلك فأن الكنابينويدات المصنعة متوفرة في عدة دول منذ الثمانينات من القرن الماضي لعلاج أمراض معينة-سنتطرق اليهاا لاحقا- ولكن لا تصرف أيضا الا بوصفة طبية في أضيق الحدود (مثال عقار نابيلون Nabilon وعقار درونابينول Dronabinol)

 

 

(٤)وفيما يلي سأتطرق الي الاستخدامات العلاجية للحشيش وسأعرض نتائج دراسات منشورة عن اثاره العلاجية

 

أولا :الحشيش كمضاد للقئ والغثيان المصاحب لعلاج السرطان:

من المعروف أن العلاج الكيماوي للسرطان يصاحبه اعراض جانبية عنيفة من أهمها - وفي أحيان كثيرة أهمها علي الاطلاق ـ الغثيان و القئ. وميكانيزم القئ والغثيان يتحكم فيه ثلاثة مستقبلات ، وكي لا نتطرق لتفاصيل قد لا يحتاجها القارئ الغير متخصص في هذا المجال ، فمن الكافي أن نقول ان المستقبلات من النوع الاول  CB1هي أحد هؤلاء المتحكمين في العملية.

 

وبمراجعة الدراسات السريرية التي نشرت في الفترة من ١٩٧٥ الي ١٩٩١ والتي اشتملت علي اعداد تراوحت بين ١٥ مريض الي ٢١٤مريض، واستخدم فيها الحشيش عن طريق التدخين او الاستنشاق او كبسولات كنابينويدات مصنعة، بمفرده أو مع عقاقير اخري، وجد أن الحشيش بالفعل يعمل علي تقليل القئ والغثيان المصاحب للعلاج الكيماوي في مرضي السرطان بدرجة كبيرة.

 

ثانيا الحشيش وعلاج أعراض مرض التصلب المتعدد (Mulitple Sclerosis ;MS)

 مرض التصلب المتعدد (أو التصلب اللويحي) هو مرض يؤثر علي غلاف الخلايا العصبية وبالتالي يتداخل مع، ويضعف الاشارات الصادرة من الجهاز العصبي الي العضلات. ويترتب علي ذلك آلام في العضلات وضعف في الاطراف وتشنجات وتبول لا ارادي وما يترتب علي جميع ما سبق من اكتئاب والم نفسي للمرضي. وبمراجعة دراسات نشرت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي نجد أن للحشيش أثبت فاعليته علي أغلب الاعراض المذكورة سابقا، فقد ساعد علي تخفيف الالم وبالتالي ساعد المرضي علي الحركة وكذلك رفع الحالة النفسية للمرض.

 

ثالثا: الحشيش كمضاد للاكتئاب

تشير الدراسات الي ان الاكتئاب يصيب ما يقرب من ٣٥٠ مليونا من سكان العالم وقد ينتج عن عوامل عدة أهمها الضغوط الاجتماعية والمادية وضغوط العمل والاسرة...الخ، وينتشر الاكتئاب في منتصف العمر اي بين سن ٣٠ الي سن ٤٥ وهي الفترة المفترض فيها أن تكون انتاجية الانسان في اوجها. وقد يؤدي الاكتئاب الي العزوف عن المشاركة في المجتمع و ميول انتحارية بل وقد يصل الي بالفعل الانتحار. لذا فأنا اري أن الأثر العلاجي الذي نحن بصدد تقديمه الأن هو من أهم الفوائد الطبية للحشيش.

خلصت دراسة حديثة نشرت في مجلة علوم الاعصاب عام ٢٠٠٧- شملت جانب معملي وجانب سريري- الي أن للحشيش تأثير مشابه لمضادات الاكتئاب عن طريق الثأثير علي مستقبلات السيروتونين (المادة المسئولة عن الحالة المزاجية). هذا وقد أكدت دراسة معملية عالمية شارك فيها باحثون من قسم العقاقير بكلية الصيدلة- جامعة قناة السويس علي نفس النتيجة السابقة. ومؤخرا أكدت دراسة اجريت في جامعة اوترخت بهولندا علي ان الحشيش يقلل تفاعل المخ مع الاحاسيس والعواطف السلبية وبهذا يمكنه رفع الحالة المزاجية للمصابين بالاكتئاب.

 

رابعا:  الحشيش و علاج فقدان الشهية وفقدان الوزن في مرض الايدز والسرطان

اثبتت عدة دراسات استخدمت كبسولات الحشيش المصنع (Dronabinol) في مرضي نقص المناعة المكتسب ( الايدز) ان مادة الكنابينويدات لها تأثير ايجابي علي الشهية وتساعد هؤلاء المرضي الذين يفقدون الشهيية والوزن تباعا، علي اكتساب الوزن مرة اخري. هذا بالاضافة الي تحسين شهية مرضي السرطان و علاج اعراض القئ والغثيان كما ذكرنا انفا.

 

خامسا: الحشيش كمسكن للألم

ولان ننتقل الي نقطة قد اشرنا اليها سابقا عدة مرات وهي التأثير الطبي للحشيش كمسكن ومضاد للالم. فقد ذكرنا دوره في تخفيف آلام وتشنج العضلات في مرضي التصلب المتعدد .

ويقدم كتاب (Marihuana the forbidden medicine) أو ( الماريوانا - الدواء الممنوع) عدة تقارير عن حالات وامثلة للتأثير العلاجي للحشيش علي آلام العظام و المفاصل، والعضلات ، آلام السرطان، الصداع النصفي،و آلام الحيض. وأكدت دراسة اجريت عام ١٩٧٥ علي ان تأثيرالحشيش كمسكن مساوي  لتأثير الكودايين (احد مشتقات المورفين) في تخفيف آلام السرطان، بيد أنه قد يؤدي الي اعراض مهدئة في الجرعات العالية. ولا ندري فقد تكون هذه الاعراض الجانبية مفيدة لبعض المرضي. ومن الغريب أن الكودايين مستخدم بشكل واسع في الدول الاوروبية وأمريكا لعلاج آلام السرطان،  كذلك كمادة ثانوية في في بعض المستحضرات التي تحتوي علي باراسيتامول (solpadine) بينما يحرم أستخدام الحشيش لنفس الغرض.

 

سادسا: الحشيش واستخدامات علاجية اخري

بالاضافة الي ما سبق، فقد نجد بعض التقارير عن حالات ساعد فيها استخدام الحشيش علي خفض ضغط العين فيما يعرف بالمياة الزرقاء ، وكذلك حلات ساعد فيها الحشيش علي تقليل حركة القولون في امراض القولون الملتهب (مثل: متلازمة كرون).

 

 

(٥)ومما سبق فيمكننا ان نري أن هذا النبات المحرم والمجرم له اثار علاجية عديدة ومحمودة وقد تساعد الكثير من المرضي علي مقاومة أمراضهم المزمنة أو التعايش مع أعراضها ،ولكن هناك بعض الاعتبارات الهامة التي يجب مراعتها.

 

أولا: علي الرغم من تلك الاثار العلاجية الايجابية الا انه لا توجد جرعات ثابتة ومحددة بدقة في كل مرض أو عرض، قد يكون ذلك لأن هناك تباين في التأثير الطبي والاعراض الجانبية من شخص لأخر ويجب تحديد الجرعة من حالة لأخري بناء علي تقييم المفعول-الاعراض الجانبية.

 

ثانيا:يتم تعاطي الحشيش بطرق عدة كالكبسولات والاستنشاق و التدخين. وللتدخين مشكلتان الاولي عدم امكانية تحديد الجرعة بدقة والثانية هي اختلاط الحشيش بمواد ضارة اخري في التبغ المستخدم او اوراق لفافات التبغ التي قد تؤدي الي السرطان.

 

ثالثا:يصاحب استخدام الحشيش لاغراض علاجية - شأن اي عقار مؤثر علي الجهاز العصبي- اعراض جانبية عديدة مثل الدوار والتهيج العصبي والنوم..الخ . وبينما اكدت ورقة بحثية - نشرت ١٩٩١ في مجلة الفارماكوجي والكيمياء الحيوية والسلوك وقامت بمراجعة جميع الدراسات السابقة فيما يعرف علميا ب meta-analysis- علي عدم تسجيل أي حالة وفاة من استخدام الحشيش الا ان كل الاثار العلاجية التي تناولناها في هذا الموضوعاستخدمتجرعات الصغيرة وتحت اشراف طبي ولفترات محددة.

 

ويجب ان نراعي أن استخدام الحشيش في الجرعات العالية ولفترات طويلة قد يؤدي الي اثار جانبية جسيمة وتدمير اجزاء من خلايا الجهاز العصبي، ويؤدي الي اثار نفسية سيئة. مثلا ما يعالج الاكتئاب في الجرعات الصغيرة والمتوسطة قد يؤدي الي الاكتئاب عند الجرعات العالية والاستخدام الغير مسئول لفترات طويلة.

 

رابعا: زراعة الحشيش تتم في اماكن عدة حول العالم و في بعض الاحيان يتم تعريض النبات لظروف غير طبيعية او تهجين باستخدام التكنولوجيا الوراثية بهدف انتاج سلاسلات تلقي رواجا بين مستخدمي الحشيش لاغراض التعاطي الترفيهي. وهذا يؤدي الي تباين كبير بين السلاسلات من حيث محتواها من المواد الفعالة وامكانية احتوائها علي مواد ضارة. وهذا من أهم الاسباب التي تدفعني لتأييد قوننة زراعة واستخلاص المواد الفعالة وترخيص استخدام الحشيش ومكوناته في الاغراض العلاجية

 

(٦)الخلاصة: اثبتت الدراسات أن للحشيش ومنتجاته أثار جانبية هامة ومفيدة في عدة أمراض مثل الاكتئاب ، و نطاق واسع من الاعراض المصاحبة لعدة أمراض مثل آلام السرطان وفقدان الشهية والوزن في مرضي السرطان والايدز ، بالاضافة الي الوقاية من الاعراض الجانبية للعلاج الكيماوي لمرضي السرطان وخصوصا الغثيان و القئ. وعلي الرغم من أن هناك اعتبارات عديدة يجب مراعتها عند استخدام الحشيش للاغراض العلاجية الا انه يظل عقار هام قد يحتاجه عدد لابأس به من المرضي وقد يستجيبون له بشكل كبير مما يساعدهم في صراعهم ضد المرض. وأنا أري انه لا يجب أن يحرم مريض واحد من عقار قد يفيده، لذا أنا اؤيد تقنين زراعة وانتاج واستخدام الحشيش للأغراض العلاجية علي نطاق واسع.

 

 

تم نسخ الرابط