
حكاية التجارة الأفريقية في كتاب "الطواف حول البحر الإريثري"

د. إسماعيل حامد
يعد كتاب "الطواف حل البحر الإريثري" Periplus Maris Erythraei من أهم المصنفات التاريخية القديمة التي تحدثت عن الوجود العربي القديم في بلاد شرق أفريقيا لاسيما المناطق الساحلية منها. كما تحدث الكتاب عن التجارة العربية وازدهارها بشكل واضح بين التجار العرب والسكان المحليين في مناطق ساحل شرق أفريقيا وذلك منذ القرن الأول الميلادي، ولاسيما حديث مؤلف هذا الكتاب عن تجارة العطور، واشتهار هذه البلاد بها، وهي التجارة التي اشتهرت باسم: تجارة الكندر .
ويكتب اسم هذا الكتاب باللغة اليونانية هكذا: Περίπλους τῆς Ἐρυθρᾶς Θαλάσσης. ولقد اثارت شخصية مؤلف كتاب الطواف الكثير من الجدل والنقاش بين الدارسين، ومن ثم ظهرت العديد من الآراء والفرضيات حول هذا المؤلف المجهول والغامض في ذات الآن.
تباينت آراءُ الباحثين والدارسين حول مؤلف كتاب الطواف، وشخصيته، وكذا الحقبة الزمنية التي عاش فيها، ولعله من المرجح أن هذا الكتاب التاريخي القيم، ونقصد به كتاب "الطواف حول البحر الإريثري"، ذي الأهمية الكبيرة كان في الغالب من تأليف أحد البحارة أو التجار المصريين، أو ربما كان من الأجانب المقيمين في أرض مصر، ويقال إنه كان من أصول يونانية أو رومانية .
ويعتقد المؤلف أن صاحب "كتاب الطواف" كان في الغالب من ذوي الأصول المصرية. ويعتقد أن هذا التاجر أو البحار المجهول، أي مؤلف كتاب الطواف Periplus عاش بمصر في حوالي حقبة القرن الأول الميلادي . ومن المعلوم أن هذا المؤلف المجهول كان في الغالب من سكان مدينة الإسكندرية، بينما يقال بحسب آخرين أنه كان قد استقر بمدينة برنيكي (برنيقي) Berenike الساحلية التي تقع على سواحل البحر الأحمر خلال الحقبة المسيحية .
من اللافت أن بعد المؤرخين المحدثين يحددون بشكل واضح اسم مؤلف هذا الكتاب، وكذلك التاريخ الذي يرج له هذا الكتاب، فأحد الباحثين يشير إلى أن اسم مؤلف كتاب الطواف اسمه: برنيس، ويصفه بأنه أحد المؤرخين القدماء، أما تاريخ تدوين هذا الكتاب فيذكر ذات الباحث بأنه يرجع إلى سنة 120 ميلادية . وهي معلومات إن صحت لها أهمية كبيرة تخص التعريف بهذا الكتاب التاريخي المهم لكل الباحثين في تاريخ شرق أفريقيا، وكذلك النشاط التجاري عبر موانيء البحر الأحمر وكذلك المحيط الهندي عبر التاريخ.
يقع ميناء برنيكي في اقصى جنوب سواحل البحر الأحمر المصرية، وكانت لهذا الميناء أهمية تجارية كبيرة خلال القرون الميلادية الأولى . من المؤكد أن ميناء برنيقي القديم هو ذاته اسم ميناء برنيس الحالي على ساحل البحر الأحمر، في أقصى الجنوب، لكن برنيكي هو الاسم القديم باللغة اليونانية. وفي الغالب، في رأي المؤلف، أن هذا الميناء أي برنيكي كان موقعه غير بعيد عن موقع ميناء عيذاب الذي كان قد نال بدوره شهرة تجارية كبيرة خلال حقبة العصر الوسيط، وافاضت المصادر التاريخية العربية في الحديث عنه، وعن مكانته التجارية، وكذلك في حركة انتقال الحجاج الأفارقة من مصر إلى بلاد الحجاز .