إرهاصاتُ العلاقاتِ القديمة بين العرب وسُكان ساحل شرق أفريقيا
د. إسماعيل حامد
يبدو أن مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الإريثري"، كان معجبًا بكثرة السفن والمراكب العربية التي كانت تأتي إلى هذه البلاد، أي ساحل بلاد الزنج، وأدى ازدهار الحركة التجارية لزيادة قدوم التجار والمهاجرين العرب لهذه البلاد، وهو ما أدى بدوره لحدوث اندماج واختلاط كل من العرب والسكان المحليين في سواحل شرق أفريقيا، وكذلك إقبالهم على التزاوج والمصاهرة بين الطرفين .
ومن المعتقد أن مؤلف "كتاب الطواف" كان في الغالب بحارا مصريا مجهولا، عاش خلال القرنين الأول والثاني الميلاديين، بينما قيل بحسب آخرين إنه كان بحارا أو تاجرا يوناني الأصل، وأنه كان يسكن بأرض مصر .
وعن أهمية كتاب "الطواف حول البحر الإريثري" في توصيف العلاقات بين كل من العرب وشعوب شرق أفريقيا منذ القدم، يذكر أحد الباحثين: "وأهميةُ هذا الكتاب تكمُن في أنه أول مصدر مكتوب قد عثر عليه يؤكد العلاقات التي كانت قائمة بين العرب من جنوب جزيرة العرب والساحل الشرقي الأفريقي، وأن السفن العربية كانت تتبادل التجارة مع الساحل الأفريقي.." . يجدر بالذكر أن التقارب الذي حدث بين العرب وسكان شرق أفريقيا يرجع الفضل فيه في المقام الأول بسبب التقارب الجغرافي بين الطرفين، وقرب المسافة بين ساحل شبه جزيرة العرب من الساحل الأفريقي الشرقي بشكل واضح .
ويرى البعضُ أن الهضاب الصحراوية من الشمال إلى الجنوب جعلت الاتصال بين الساحلين أسهل من الاتصال بالداخل بالنسبة لآراضي القارة الأفريقية . بينما يربط البعضُ بين جزيرة العرب من جانب، والشعوب التي سكنت زيمبابوي القديمة من جانب آخر، لاسيما العمانيون، وهم الذين لعبوا دورا مهما في مناطق الساحل الأفريقي. من ثم، فإن العرب القدامى كانت لهم تأثيرات حضارية في هذه البلاد لاسيما من جانب العرب القادمين من بلاد اليمن.
أما عن التواصل العربي مع الساحل الأفريقي الشرقي عبر الزمن، يذكر أحد الباحثين أن علاقة العرب بساحل أفريقيا الشرقي قديمة، وكان ذلك نتيجة نشاط إمارات إسلامية على ساحل حضرموت، بل أحيانا لم يكن شأن إمارات، بل يرجع ذلك لجماعات كانت تساهم في حملات بقصد الاستقرار بهدف التجارة .
وربما يؤيد تلك العلاقات بين العرب والسكان المحليين القاطنين لهذه البلاد أن آراضي زيمبابوي القديمة كان يستخرج منها أكثر إنتاج معدن الذهب الذي كان يؤتى به من مناجم تلك البلاد، ثم كان يتم تصديره إلى شتى بلاد العالم منذ القدم، وكان يتم ذلك بالطبع عبر ميناء سُفالة، ويقال إن التجار العرب شادوا هذا الميناء ليكون ميناء الذهب على الساحل الأفريقي .
كان التجارُ العرب يتقنون الحديث بلغة هذه البلاد في ذلك الوقت، وهي لغة البانتو، كما أنهم كانوا يقومون بتعليم سكان هذه البلاد اللغة العربية في ذات الوقت لمزيد من التقارب بين العرب والسكان المحليين . ومن ثم حدث الامتزاج بين كل من اللغتين العربية من جانب، واللغة المحلية من جانب آخر، وتلك الأخيرة هي ذاتها لغة البانتو، وهو ما ساهم في ظهور لغة جديدة عرفت باللغة السواحيلية .
يشير كتاب "الطواف" إلى أن الكثيرين من التجار العرب كانوا يقيمون بشكل دائم في بلاد الزنج في أيامه، اي خلال الربع الأول من منتصف القرن الثاني الميلادي، وأنهم اتخذوا الزوجات من بين النساء المحليات في بلاد الزنج، أو نساء الزنج . كما يذكر صاحب كتاب الطواف أن التجار العرب كانوا دوما ما يقومون بالإبحار من وإلى سواحل بلاد الزنج في أيامه، أي خلال حقبة القرنين الأول والثاني الميلاديين ، وكان نشاطُهم البحري والتجاري واضحا في ذلك الوقت. يشير البعضُ إلى أن برنيس (مؤلف كتاب الطواف) يذكر في هذا البحث أن التجار العرب كانوا يبحرون باستمرار إلى سواحل شرق افريقيا، كما كانوا يعقدون العديد من صفقات التبادل التجاري مع المدن الساحلية التي كانت منضمة مع بعضها في دولة واحدة، أو كيان سياسي واحد، وكان اسم تلك الدولة: آزانيا" .
من الواضح أن التوغل العربي في عمق آراضي شرق أفريقيا، أو في المناطق الداخلية، لم يكن على ذات القدر كما حدث في مناطق الساحل الشرقي بسبب عدد من العوامل الطبيعية والجغرافية التي تسببت في ضعف الوجود العربي، ولعل أبرزها المناخ والتضاريس، وكلاهما لم يشجع الجماعات العربية على مزيد من التوغل وبشكل كبير فيما وراء ساحل شرق أفريقيا، أو فيما وراء بلاد الزنج في الداخل . مما لاشك فيه أن القوافل التجارية كانت سببا حتميا في كثير من الأحيان لإرسال بعض الحملات للداخل وفيما وراء الساحل الأفريقي، وكانت تلك الحملات تهدف لحماية القوافل التجارية، وكذلك بهدف حماية وصولها إلى مدن الساحل الشرقي التجارية الكبرى، ولهذا كان يتم عقد بعض الاتفاقات التجارية مع بعض الحكام المحليين (أي من الأفارقة) لحماية تلك القوافل .


















