عاجل
الأربعاء 13 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

إيهاب محمود يكتب: مقترح إدارة مصر لغزة مقابل إسقاط الديون "فخ استراتيجي بأبعاد كارثية"

م/ إيهاب محمود
م/ إيهاب محمود

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، تبرز بين الحين والآخر مقترحات تبدو في ظاهرها مغرية، لكنها في جوهرها تحمل ألغامًا استراتيجية تهدد الأمن القومي المصري. أحد هذه المقترحات، الذي طُرح مؤخرًا في بعض الدوائر السياسية والإعلامية، هو تولي مصر إدارة قطاع غزة مقابل إسقاط ديونها الخارجية.



في حديث خاص، يؤكد المهندس إيهاب محمود، الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي، أن هذا الطرح ليس مجرد "عرض اقتصادي"، بل هو سيناريو مدروس يهدف إلى استدراج مصر إلى مستنقع أمني وسياسي شديد التعقيد، مشددًا على أن القبول بهذه الفكرة قد يكون "غلطة تاريخية" تُدخل مصر في نفق لا نهاية له من الأزمات.

 

 

حسابات مغلوطة.. ونتائج مدمرة

 

 

يوضح المهندس إيهاب أن التفكير في هذا المقترح من منظور مالي بحت هو خطأ استراتيجي فادح، لأن المعادلة لا تقتصر على تبادل "الإدارة مقابل الديون"، بل تتضمن أبعادًا أمنية وعسكرية وسياسية ستجعل مصر في موقف شديد الخطورة.

 

 

"من يطرح هذه الفكرة يتجاهل حقائق أساسية، أولها أن غزة ليست مجرد قطعة أرض يمكن إدارتها بسهولة، بل هي بؤرة مشتعلة مليئة بالتحديات الأمنية، حيث تتداخل فيها قوى إقليمية ودولية، ولديها واقع جيوسياسي معقد. الدخول إلى غزة ليس مجرد مسألة إدارية، بل هو دخول إلى حرب غير معلنة قد تستمر لعقود."

 

 

ويضيف: "إذا كنت تعتقد أن مصر يمكنها دخول غزة وإدارتها دون أن تواجه تحديات أمنية ضخمة، فأنت لا تفهم طبيعة الصراع هناك. الحديث عن تسديد ديون مصر مقابل إدارة غزة أشبه بمن يعرض عليك دخول 'كمين' مقابل مكافأة مالية، دون أن تدرك أنك قد لا تخرج منه أبدًا".

 

 

مخاطر عسكرية.. وحصار سياسي مزدوج

 

 

أحد أخطر أبعاد هذا المقترح هو انعكاساته على الأمن القومي المصري، حيث يشير المهندس إيهاب إلى أن قبول مصر بهذه المهمة سيضع الجيش المصري في وضع شديد الحساسية، يجعله محاصرًا بين قوتين رئيسيتين:

 

 

1. إسرائيل من جهة: لن تقبل إسرائيل بأي وجود عسكري مصري في غزة، وقد تعتبره تهديدًا استراتيجيًا مباشرًا لأمنها، مما قد يدفعها إلى التصعيد العسكري ضد القوات المصرية أو فرض شروط مهينة على أي تواجد مصري هناك.

 

 

2. حماس والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى: لن تقبل الفصائل الفلسطينية بسهولة وجود إدارة مصرية في القطاع، خاصة إذا شعرت أن الأمر يهدد نفوذها أو يفرض عليها قيودًا سياسية أو عسكرية. وهذا قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة مسلحة طويلة الأمد داخل غزة نفسها.

 

"ستجد نفسك بين طرفين مسلحين، أحدهما يمتلك جيشًا نظاميًا متقدمًا، والآخر يعتمد على تكتيكات حرب العصابات والصواريخ غير التقليدية. في النهاية، ستكون غزة بمثابة مصيدة تُستنزف فيها القوات المصرية، دون تحقيق أي مكاسب استراتيجية تُذكر".

 

 

ويضيف:

 

"ما الذي سيحدث عندما تُطلق صواريخ من غزة تجاه إسرائيل بينما القوات المصرية هناك؟ هل ستطلب إسرائيل من مصر قمع المقاومة؟ وإن فعلت، فكيف سيكون رد الشارع الفلسطيني والعربي؟ وإن لم تفعل، فكيف ستتجنب الصدام مع إسرائيل؟ هذا سيناريو عبثي يُدخل مصر في معادلة لا يمكن الفوز بها".

 

 

حرب إعلامية وتشويه للسمعة

 

لا تتوقف المخاطر عند الجانب العسكري فقط، بل تمتد إلى البُعد السياسي والإعلامي، حيث يحذر المهندس إيهاب من أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام حملات دعائية مكثفة ضد مصر، تهدف إلى تشويه صورتها على المستويين الإقليمي والدولي.

 

 

"بمجرد دخول مصر إلى غزة، ستبدأ ماكينة الدعاية المعادية في العمل.. ستظهر تقارير تتهم مصر بقتل الفلسطينيين، وبتنفيذ أجندة خارجية، وبالتحول إلى 'قوة احتلال' جديدة. سيتم التلاعب بالرأي العام العربي، وسيُقال إن مصر باعت غزة أو تحالفت مع إسرائيل. هذه ليست تكهنات، بل سيناريوهات مُعدة سلفًا سيتم تفعيلها فور اتخاذ القرار".

 

 

ويؤكد أن أحد أخطر نتائج هذا السيناريو هو أن مصر لن تفقد فقط دعم الفلسطينيين، بل قد تواجه أيضًا انقسامًا داخليًا، حيث ستبدأ بعض الأصوات في الداخل المصري بالتشكيك في دوافع هذه الخطوة، مما قد يؤدي إلى حالة من الاضطراب السياسي والاجتماعي.

 

 

"ستجد نفسك أمام جيش يتعرض للاستنزاف في معركة لا نهاية لها، وأمام شعب غاضب يرفض ما يعتبره 'احتلالًا'، وأمام مجتمع دولي يفرض عليك عقوبات وضغوطًا سياسية. في النهاية، ما الذي كسبته مصر؟ لا شيء سوى المزيد من الأزمات".

 

 

رسالة واضحة: لا للوقوع في الفخ

 

في ختام حديثه، يوجه المهندس إيهاب رسالة واضحة لكل من يفكر في الترويج لهذه الفكرة، مشددًا على أن مصر ليست بهذه السذاجة لتقبل الدخول في فخ بهذه الخطورة.

 

 

"إذا كنت تعتقد أن المصريين يمكن خداعهم بمثل هذه العروض، فأنت لم تفهم وعي هذا الشعب. المصريون يدركون تمامًا أن الحلول الاقتصادية الحقيقية لا تأتي عبر صفقات مشبوهة، بل من خلال تطوير الاقتصاد، وتعزيز الاستثمارات، والاستفادة من ثرواتنا الحقيقية".

 

 

ويؤكد أن أي محاولة لإقحام مصر في هذا المخطط ستُقابل برفض شعبي ورسمي قاطع، لأن الدولة المصرية تدرك جيدًا أن أمنها القومي ليس للبيع، وأن مستقبلها لا يمكن أن يكون رهينة لمشاريع لا تخدم إلا مصالح قوى أخرى.

 

 

"انسَ الفكرة، لأن مصر أكبر من أن تقع في هذا الفخ. تعاملوا بذكاء مع المصريين، لأن وعيهم أكبر بكثير من أن يُخدعوا بمثل هذه الألاعيب".

 

تسجيلي

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز