

د. عادل القليعي
أيها المآرقة.. التكفير جريمة عظمى لا تسقط بالتقادم
هذا جد موضوع مهم يشغل خلد كل مفكر إسلامي منصف، ينتصر للحق وأهله.
كل مفكر معتبر شغله الشاغل كشف اللثام عن كل ما يعكر صفونا وينكد حياتنا.
وهل هناك ما ينكدنا أعظم ولا أخطر ما أن نكفر بعضنا البعض ونكيل الاتهامات لبعضنا البعض بالمروق والخروج من الملة؟!
خطب جلل أن يكفر "بضم الياء" وفتح الكاف أهل القبلة، أهل التوحيد الذين شهدوا لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، وشهدوا أن الله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد، واطمأنت قلوبهم وآمنت بجميع الرسل والأنبياء وبجميع الكتب السماوية.
ليس هذا وحسب بل وصدقت بالقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره ورضيت بقضاء الله في السراء وفي الضراء. فكيف يجوز أن ينتصب بعض المآرقة الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم عن الرمية، كيف ينتصب هؤلاء وكل من علي شاكلتهم وكل من شايعهم وسار على منوالهم وعلى أفكارهم الهدامة، ويكفرون خلق الله تعالى؟!
إنهم بأفكارهم المسمومة التي تجرعوا سمها من بعض من ظنوا أنهم حماة للدين، والدين منهم براء. فأي دين يشرعن للقتل وسفك الدماء وهتك الأعراض إنه دين حتى من لا دين له، دين من سيقف أمام الديان ليحاسبه عما اقترفت يداه من جرائم يندى لها الجبين.
تبنى هؤلاء أفكارا هدامة، أفكارا تكفيرية وللأسف وظفوا آيات القرآن توظيفا خاطئا ولووا عنق النصوص واستغلوا جهل بعض العوام واستغلوا فراغ الشباب وحشووا عقولهم حشوا بحجة أنهم حماة لهذا الدين وإن الحياة الآخرة في انتظارهم وسيحقق لهم الله طموحاتهم وأحلامهم.
استغلوا بطالة الشباب ووظفوهم وجندوهم وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فصدهم عن السبيل، وأوهموا الشباب بأن هؤلاء الحكام مآرقة لا يحكمون بكتاب الله واستغلوا آيات الحاكمية علما بأن هذه الآيات نزلت في حق اليهود ، ولم تنزل في حق مسلم مؤمن.
وأضحى هؤلاء شغلهم الشاعل إثارة الفوضى وترويع الآمنين والسطو والنهب والسرقة على محال أهل الكتاب بحجة أنها غنيمة وقتل الأجانب السياح المستأمنين الآمنين عندنا لأنهم (كفار) لأنهم ليسوا من أهل القبلة!
لاحول ولا قوة إلا بالله يأتي إليك يريد أن يستأنس بك فبدلا من أن تقدم له باقات الورود تقدم له البارود والمتفجرات نسى أو تناسى هؤلاء قول الله تعالي (لكم دينكم ولي دين) . أي فجر هذا وأي كره هذا، والنبي ﷺ رفض ترويع الآمنين في فتوحاته. بل وأوصى قادة الجيوش بألا يدخلوا عليهم ليلا ولا يقتلوا طفلا ولا شيخا ولا يحرقوا حرث وأبدأوهم بالسلام.
إن سلاح التكفير سلاح مدمر يدمر حتى من يحمله ويودي به إلى الهلاك، وقد لا يعلم حتى أهل التكفير الذين هم كالشجرة الخبيثة التي ينبغي أن تجتث من فوق الأرض لأن طعامها مر ومذاقها علقم، قد لا يعلم هؤلاء حتي الفرق بين الكفر والشرك، ولا مجال هنا للتفرقة بينهما لكن عند هؤلاء الكل سواء الكفر يساوي الشرك.
وأقول يا جهلاء العصر يا مآرقة العصر، يا "خوارج العصر" الكفر خلاف الشرك، الشرك أن تشرك أحدا مع الله في وحدانيته فهل أشرك أهل القبلة أحدا مع الله في عبوديته. فهل معنى أن تدخل بقدمك اليمنى دورة المياه أن يكفرك هؤلاء، هل معنى أن تركب سيارة فإنك بذلك قد ابتدعت بدعة ويجب تكفيرك.
هل معنى أنك شاهدت التلفاز فأنت مارق كافر. هل معني أنني خالفتك في رأيك وأتيت برأي آخر تتهمنى بالمروق والكفر، هل معنى أنني سافرت في طلب العلم الدنيوي ولم أدرس العلوم الشرعية أنني بذلك خالفت العقيدة ومرقت عن الملة؟!
هل نسى أم تناسى هؤلاء قول الله تعالى (وما على الذين يتقون من حسابهم)، هل أنت الذي ستحاسب أم الله؟! ماذا ستقول عندما تقف أمام الله والذي قتلته ممسك بتلابيب ثيابك يقول لربه خذ لي يا رب حقي منه، قتلني وأنت لم تأمر بالقتل بل أمرت بأخذ العفو.
ما الجرم الذي ارتكبته فتاة دخلت إلى مصلى السيدات بالبنطال فتستوقفها زميلة لها قائلة لها أخرجي يا كافرة من هذا المكان!
حقا يا عباد الله إن منكم لمنفرين، أين الدعوة بالتي هي أحسن، لماذا لا تحتضنيها وتوضحي لها ضرورة أن تلبس ملبسا واسعا فضفاضا لتصلي به، أو تقولين لها يوجد بالمصلى خمارا من الممكن أن ترتديه لتؤدي به الفرض وتنصحيها بالتي هي أحسن.
لماذا تخرجيها وتطرديها من بيت الله كالذي قتل تسعا وتسعين نفسا وذهب للشيخ فقال له هل لي توبة قال له لا ابتعد عني فقتله.
فبدلا من أن يوضح له أن الله غفور رحيم ويوضح له شروط التوبة فكانت النتيجة أن قتله الرجل.
إن الدين صعب مراسه فأوغلوا فيه برفق فرب كلمة تقولها وأنت لا تدرك معناها ولا تدرك عواقبها قد تودي بك الي الهلاك وتهوي بك في سحيق جهنم.
سأروي لكم موقفا حدث معي شخصيا والله لا أكذب، كنا في أحد المساجد الكبرى بالقاهرة وكنت قد صليت العشاء وجلسنا في مجلس قرآن وبدأنا القراءة وجاء دوري فقرأت ولم أمسك بالمصحف في يدي فأعجب بي الشيخ وسألني ما دراستك قلت له دكتور بكلية الآداب وأحفظ القرآن.
قال ألست خريج الأزهر قلت لا لكن حفظت على علم من أعلام الأزهر هو فلان قالي لي في أي قسم، قلت له في قسم الفلسفة، أحمر وجهه وقال لاحول ولا قوة إلا بالله لماذا يا دكتور خسارة كبيرة التحقت بقسم الكفار، قلت له يا شيخ أسمع لك تسميعا وتقول كفارا، تركت المجلس وانصرفت وعلى الفور تذكرت قوله تعالى، (واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). هذا لا يناقش لأن هذه عقيدة نشأ عليها ومرد عليها. يا علماءنا الأفاضل يا أهل العلم الشرعي، يا أصحاب الرأي الحر والكلمة شمروا سواعد الجد ولنتكاتف جميعا لنقف ضد هؤلاء فاليد الواحدة لا تستطيع التصفيق، لا بد أن تتضافر كل الجهود لصد هؤلاء، لا أقول بمناظرتهم فلن تفلح لأنهم أهل جدل هدام باطل يقلب الحقائق.
وإنما بخطاب بناء توعوي عن طريق الندوات التثقيفية للشباب وإظهار خطر هؤلاء على الفرد والمجتمع. وخصوصا شباب الجامعات الذين هم عصب هذه الأمة.
لا بد أن تتكاتف كل الجهود، الأزهر بدوره الرائد، الأوقاف بخطبائها، الإفتاء، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، كل من يستطيع أن يمد يده للمساعدة فليمدد يده. إلى كل مسؤول، إلى كل راع مسؤول عن رعيته فيضع نصب عينيه قضيتنا الأم ألا وهي الوقوف في وجه هذه الظاهرة التي استشري خطرها لا في مجتمعنا المصري فقط بل في مجتمعنا العربي.