الخميس 18 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أحمد الجمال يكتب: المسعودي.. إمام الكُتاب والباحثين

بوابة روز اليوسف

"رسالتي هي إعلاء قيم الأمة، وإحياء تاريخنا المجيد وبناء مستقبل مُشرق لأمتنا".    

            

ولد الرحالة، الجغرافي والمؤرخ العربي الشهير أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي في عاصمة العباسيين بغداد، في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). ولئن كان المؤرخون والباحثون يؤكدون أن وفاته كانت سنة (٣٤٥-٣٤٦ﻫ/٩٥٦م)، فليس هناك أي إجماع على سنة ميلاده، بل إن الإشارة إلى سنة ميلاده تصل ببعضهم أحيانًا إلى درجة من التناقض والعجب.      يتَّصل نسب المسعودي بالصَّحابي الجليل عبد الله بن مسعود الذي خرج إلى العراق يعلم الناس هناك القرآن والسنة، أيام الخليفة الثالث عثمان بن عفان، ولما وقع خلاف بشأن المصاحف بينه وبين عثمان استدعاه إليه في المدينة وآذاه، وكان ذلك من أسباب ثورة أهل العراق على الخليفة عثمان، وبعدئذٍ استقرت أسرة المسعودي (نسبة إلى الجد ابن مسعود) في العراق، تشتغل في ميادين العلم والأدب، بعيدًا عن السياسة، إلى أن أنشئت بغداد، في عهد الخليفة العباسي الثاني أبي جعفر المنصور، فسكنت فيها.

      وقد جاء مولد المسعودي في عهد الخليفة المعتضد بالله الذي تولى الخلافة سنة ٢٧٩ﻫ/٨٩٢م، ولكن المعلومات التي وصلت إلينا عن طفولته وحياته في عاصمة العباسيين قليلة نادرة، إلا أن الثابت هو أنه أمضى زهرة شبابه في بغداد التي كانت مركزًا حضاريًّا عالميًّا لا يضاهى في ذلك العصر، إذ كانت تضم أغنى المكتبات، وأشهرَ العلماء والفقهاء، وقد عاش المسعودي في كنف أسرته العربية العريقة التي عملت على تزويده بقسط وافر من العلم والثقافة، وظل في عاصمة العباسيين إلى أن غادر العراق، وبدأ الترحال وهو في مقتبل الشباب.

       وإذا كنا لا نعرف عن نشأة المسعودي وحياته الشخصية وأسرته إلا قليلًا، فإن التراث العربي ذكره وتحدَّث عن مؤلفاته ورحلاته. وقد وردت معلومات مستفيضة عن إنتاجه العلمي، ونشاطه بوصفه جغرافيًّا ومؤرخًا ومثقفًا، في كتب ابن النديم، والنجاشي، وابن حزم، والذهبي، والسبكي، وابن خلدون الذي سماه «إمام الكُتَّاب والباحثين».

     لقد كان أعلام القرن الثالث الهجري، كالطبري واليعقوبي وابن قتيبة الدينوري والبلاذري … في طليعة من تأثَّر بهم المسعودي. وإذا كان أكبر عيوب المؤرخين العرب قبل ابن خلدون يكمن، كما يرى علي أدهم،٣ في أنهم لا يتجاوزون الوصف والسرد سنة بعد سنة، مكتفين بتدوين ما هو متناقل من أخبار، فإن المسعودي خرج على طريقة السرد التاريخي القديمة (الرواية عن السلف: حدثنا فلان، عن فلان … إلخ)، ولم يلجأ إلى طريقة التأريخ بالسنين، كذلك يُعيب الباحث علي أدهم على الطبري أنه «لم يفكر في تعليل الحوادث، ولم يحاول تعرُّف أسبابها» ولا البحث عن أسبابها الاجتماعية العميقة، وهو يستشهد بوقوف ابن خلدون ضد الاعتماد على الأخبار دون تحكيم العقل والنظرة النقدية، ويورد قوله في «المقدمة»: «وكثيرًا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط [الأغلاط] في الحكايات والوقائع لاعتمادهم على مجرد النقل غثًّا أو سمينًا، لم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضَلُّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط».

على أن المسعودي اقترب خطوة من طريقة التحليل التاريخي، وتقصي الدوافع والأسباب، ولم يُسلِّم بصحة كل ما كان متداولًا قبله من أخبار ومعلومات، فقد بذل جهده، بقدْر ما سمحت له ظروف عصره، في أن يضع أمورًا كثيرة موضع الاختبار، والمشاهدة، والتحليل، والمقارنة… فلم يدع شيئًا وقع عليه نظره، أو عرض له، أو استرعى انتباهه من ظواهر طبيعية، وعادات، وأديان، ووقائع، وثقافات إلا أعمل فكره فيه، وسجله بموضوعية وحياد، بعيدًا عن التعصب والهوى، واعيًا قيمة هذه الفضيلة حق الوعي، فهو القائل عن كتابه «مروج الذهب»: «لم أنتصر فيه لمذهب، ولا تحيزت إلى قول، ولا حكيت عن الناس إلا مجالس أخبارهم، ولم أعرض فيه لغير ذلك».

ولئن كان المسعودي قد سار على خُطى اليعقوبي، معاصر الطبري، فإنه أضاف إلى طريقته ما يمكن أن يوصَف اليوم بالجمع بين الدراسات التاريخية والجغرافية، وتتصف كتب المسعودي بنظرة أعمق وأكثر دقة مما كان عليه أسلافه من الجغرافيين والرحالة العرب كالمقدسي والبيروني. وبينما يُعَد الإصْطخري وأبو الفداء ممن اتبعوا طريقة المسعودي، ينظر الباحثون إلى صاحب «المقدمة» ابن خلدون، على أنه من أبرز من نسجوا على منوال المسعودي الذي لم ينجُ من نقده العادل، رغم اعتراف ابن خلدون بما لسلفه العظيم من أفضال علمية كبيرة.

كما حظيت أعمال المسعودي باهتمام كبير من قبل المستشرقين الأوروبيين، ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر، وكان الفرنسي م. دوسون في القرن التاسع عشر أول من أطلق على المسعودي اسم هيرودوت٧ العرب، وأصدر الفرنسيون أول تحقيق علمي لكتاب المسعودي «مروج الذهب» (١٨٦١–١٨٧٧م)، وحقق الهولندي م. دي غويه «كتاب التنبيه والإشراف» (١٨٩٤م)، ثم ترجمه ب. كارا دي فو إلى الفرنسية (١٨٩٧م)، وفي القرن العشرين تزايد عدد المهتمين الغربيين بالمسعودي، فحقق المستعرب الفرنسي شارل بيلا طبعة علمية جديدة «مروج الذهب»؛ ووضع المستعرب الروسي دميتري ميكولسكي عام ١٩٩٨م كتابًا عن المسعودي سماه «هيرودوت العرب».

كانت الدراسات في عصر المسعودي تنقسم إلى قسمين: (١) دراسات دينية تتناول القرآن والحديث. (٢) وأخرى دنيوية تتناول التاريخ، والجغرافيا، والفلسفة، والمنطق، والطب، والرياضيات، والكيمياء.

 

     

ودائماً وأبداً.. التاريخ لا ينتهي.. سنحيا بالأمل في الله.... سنحيا بالعلم.... سنحيا بالكفاح.... سنحيا بالتسامح.... سنحيا بالابتسامة الجميلة.

تم نسخ الرابط