عاجل
الأربعاء 2 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

محمود أيوب يكتب: عرب بلا حدود تحت سقف واحد

في قلب مدينة الإسماعيلية، وبين أجواء نابضة بالحياة، عشت واحدة من أروع تجاربي في بيت من بيوت الشباب، تجربة لا تُنسى جمعتني مع شباب من فلسطين والسودان وليبيا والجزائر وتونس والبحرين، إلى جانب شباب وفتيات من مختلف محافظات مصر. كنا جميعًا غرباء في البداية، لكن سرعان ما تحول المكان إلى بيت حقيقي، يشع بالدفء والتفاهم والتواصل الإنساني العميق. خلال أيام قليلة، لم نتبادل الأحاديث فقط، بل تبادلنا الثقافات والعادات والتقاليد، واكتشف كل منا الآخر بروح منفتحة وشغوفة.  كان هناك شعور بأننا نمثل أوطاننا ونعيد صياغة صورة الوطن العربي بأكمله، من خلال الأحاديث المباشرة واللقاءات العفوية.  بيت الشباب لم يكن مكانًا للإقامة بقدر ما كان مساحة للحوار الحقيقي والاحتكاك الواقعي، منبرًا حيًا يتيح التعرف على مصر بعيون من يزورها، لا من خلف شاشات الهواتف أو صفحات الإنترنت. المحاضرات التي أُقيمت ضمن فعاليات الإقامة لم تكتف بتعريفنا بدور بيوت الشباب فحسب، بل فتحت أمامنا آفاقًا جديدة لنفهم كيف يمكن لمكان بسيط أن يكون أداة دبلوماسية ناعمة، وسفيرًا حقيقيًا ينقل صورة الوطن من أرض الواقع. كان الهدف واضحًا ومُلهمًا: أن نكون نحن الشباب الجسر الذي تعبر عليه الأفكار والتجارب والثقافات، وأن نحمل معنا صورة مصر الحقيقية حين نعود إلى أوطاننا. أكثر ما ميّز هذه التجربة هو المزج بين الترفيه والمعرفة. لم تكن الرحلات مجرد نزهات، بل وسيلة لربط الشباب بتاريخهم العربي المشترك. وقفنا معًا أمام الأهرامات وأبو الهول، وتبادلنا الانبهار والدهشة والانتماء. كانت تلك اللحظات، التي توثقها الكاميرات وتحتفظ بها القلوب، شاهدة على أن الروابط الإنسانية أصدق من أي وثائق رسمية.



بيوت الشباب في مصر، وعلى رأسها بيت شباب الإسماعيلية، تتبع الجمعية المصرية لبيوت الشباب التابعة لوزارة الشباب والرياضة، وهي عضو في الاتحاد الدولي لبيوت الشباب. هذا الانتماء يمنحها بعدًا دوليًا، ويجعل منها جزءًا من شبكة عالمية تسعى إلى تمكين الشباب وتوسيع أفقهم. تنتشر هذه البيوت في محافظات عدة، وتوفر بيئة آمنة وميسورة للإقامة، لكنها في جوهرها تقوم بدور أكبر بكثير من مجرد استقبال الضيوف. فهي تسعى إلى تشجيع السياحة الداخلية والخارجية من خلال تسهيل حركة الشباب بين المحافظات، وفتح نوافذ التعارف والتفاهم. وهي أيضًا منصات لبناء الوعي، حيث تُقام فيها ورش عمل وجلسات تثقيفية، تُغذي العقول وتُثري الحوار.  من خلال التفاعل المستمر، يكتشف الشباب مهاراتهم ويطورون شخصياتهم ويكتسبون القدرة على العمل الجماعي والمشاركة المجتمعية.  ومن بين أهدافها أيضًا تعزيز ثقافة العمل التطوعي وتمثيل مصر في المحافل الدولية، بما يعكس صورة حضارية عن شبابها النشيط الواعي. الحقيقة.. حين غادرت بيت الشباب، لم أترك خلفي مكانًا فحسب، بل ودّعت تجربة إنسانية لن تُمحى من الذاكرة. حملت معي وجوهًا، وأصواتًا، ولهجات، وابتسامات، وأحاديث عن الأوطان والطموحات. عرفت أن بيوت الشباب لا تبني فقط الجسور بين البلدان، بل تبني داخلنا وعيًا جديدًا بأن الاختلاف ثراء، وأن اللقاء وجهًا لوجه هو أقصر الطرق لفهم الآخر، في زمن تُغلق فيه الحدود وتُشيّد الجدران، تأتي بيوت الشباب لتفتح الأبواب على مصراعيها، وتقول لنا جميعًا: هذا بيتكم، أنتم لستم غرباء هنا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز