عاجل
الجمعة 2 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الدراما المصرية والإعلام.. وحرية الإبداع

الدراما المصرية والإعلام.. وحرية الإبداع

الدراما المصرية والإعلام.. وحرية الإبداع محمد بغدادي منذ أيام قليلة (22 أبريل 2024) عقد مؤتمر "مستقبل الدراما المصرية" بالهيئة الوطنية للإعلام، برئاسة الإعلامى أحمد المسلمانى رئيس الهيئة، وبمشاركة نخبة من الفنانين والكتاب والمخرجين والمنتجين، وتضمن جدول أعماله سبل تطوير الدراما المصرية واستعادة ريادتها، على أن تُرفع توصيات المؤتمر لاحقًا إلى الجهات المعنية لاتخاذ ما يلزم من خطوات تنفيذية.  



وبالأمس ترأس الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة، الاجتماع الأول لـ "لجنة دراسة التأثيرات الاجتماعية للدراما المصرية والإعلام"، المُشكلة بقرار د. مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وذلك لمناقشة التأثيرات الاجتماعية للدراما والإعلام على المجتمع المصري، ووضع آليات لتطوير المحتوى الدرامي المصري. 

 

مبادرات طيبة وإن تأخرت كثيرا، فنحن نعانى منذ زمن ليس بالقليل من هذه المشكلة، ولا اعتقد أن هذه المؤتمر وهذه اللجنة كانت ستنعقد لولا أن جاءت بناءً على توجيهات رئاسية، وبقرار من رئيس مجلس الوزراء شخصيا، وهناك سؤال ملح: هل كان القائمون على أمر الدراما المصرية فى حاجة إلى توجيه رئاسى لكى ينتبهوا إلى أن ما يقدم لنا من أعمال درامية رديئة ومسيئة لمصر والمصريين؟!    

وانتهى المؤتمر الأول إلى: "رفع توصيات المؤتمر لاحقًا إلى الجهات المعنية لاتخاذ ما يلزم من خطوات تنفيذية". واعتقد أن اللجنة التي عقدت برئاسة وزير الثقافة سيكون لديها ـ أيضا ـ توصيات سترفع للجهات المعنية. ومهما كان الأمر فدعونا نتفائل، "فأن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا".  

 

ولن أتحدث هنا عن مسلسلات رمضان، عبر عدة سنوات مضت وكان السؤال الكبير دائما: لمن توجه هذه المسلسلات؟ ومن هو الجمهور المستهدف؟، وما الهدف من هذه المسلسلات؟. سوى الإساءة إلى المجتمع المصري، وتشويه صورة الشخصية المصرية، واستفزاز البسطاء بهذا البذخ فى مسلسلات رجال أعمال معظمهم فاسدين، يمتلكون كما هائلا من الأموال والفيلات والقصور والوحشية وروح الانتقام، أما مسلسلات البلطجة، وعصابات المجتمع العشوائى فحدث ولا حرج، فأنت فى غابة من العنف واستعراض معارك فتوات بلا قلب وبلا رحمة، و دروس يومية فى أساليب الضرب والتعذيب والانتقام والحقد والضغينة، وتداول حوارات بذيئة وألفاظ وشتائم خادشة للحياء، بلا هدف سوى صناعة "الأكشن" الذي ليس له مبرر درامى سوى استعراض العضلات، والتجويد فى المعارك الغبية والعنف المميت، والتوحش بمنطق وبلا منطق.

 

والأرقام المتدوالة بين الفنانين فى عالم الدراما تقول: أن مصر انتجت خلال شهر رمضان 39 مسلسلا، بتكلفة إجمالية حوالى مليار و200 مليون جنيه، وتصنيف هذه المسلسلات: حوالى عشرة مسلسلات كوميدية، وعشرة مسلسلات دراما صعيدية كلها مؤامرات وقتل وانتقام وضغائن وعصابات، وباقى المسلسلات متنوعة ما بين التاريخى و(الأكشن)، ومنها المأخوذ عن مسلسلات أجنبية، وإذا كان الناتج بعد هذه التكلفة ما رأيناه على شاشة التليفزيون، فبالتأكد هذا سفه يقع تحت عنوان رئيسى: "إفساد الذائقة الفنية.. وإهدار المال العام".   وما أخشاه أن يرفع هذا المؤتمر وهذه اللجنة توصيات أشار د. أحمد هنو إلى فحوها: " تفعيل دور الدراما كأداة محورية في تشكيل وجدان المواطن، ووضع آليات لتطوير المحتوى الدرامي المصري". أقول ما نخشاه بعد رفع هذه التوصيات لا نرى ذلك يتحقق بشكل عملى على أرض الواقع، فتقديم أعمال درامية تليق بتاريخ مصر وريادتها عبر أكثر من مائة وعشرين عاما من الفن فى السينما والمسرح والدراما الإذاعية والتليفزيونية. فنحن نحتاج إلى جوار المؤتمرات والتوصيات إلى إلى عدة خطوات مهمة ــ أوجزها هنا فى ملاحظات عابرة ــ هذا إذا كنا جادين فعلا فى إصلاح ما أفسده المنتجون والهواة خلال السنوات الماضية:  أولا: اطلاق حرية الإبداع، فهى الباب الذهبى للعبور بالدراما المصرية والإعلام المصري أيضا إلى آفاق الجودة العالمية. وأن تكف أجهزة الرقابة على المصنفات الفنية عن معاملة العمل الفنى أو المبدع على أنه متهم يستهدف (أمن وسلامة البلاد) إلى أن تثبت برأته.

 

الأمر الذي أوصلنا إلى إنتاج هذه النوعية من الدراما والمسلسلات التي أساءت لمصر والمصريين. ولعل تولى السيناريست عبد الرحيم كمال مسؤولية الرقابة على المصنفات الفنية يحدث انفراجة وتفهم لروح النصوص الدرامية الجادة والمحترمة ومفهوم دور الرقاية. وأن كتاب السيناريو والمؤلفين مصريون وطنيون حريصون على أمن وسلامة البلاد جدا.

 

ثانيا: أن تقتنع الجهات المنتجة سواء كانت مؤسسات الدولة أو شركات الانتاج الخاصة، أن الصدق والاشتباك مع الواقع وقضايانا الملحة هى أقرب الطرق للنجاح وتحقيق أرباح خيالية، فالواقع أكثر ثراءً من التغريب والاقتباس وانتحال أجواء وقضايا مجتمعات لا صلة لنا بها. ثالثا: على الشركات المملوكة للدولة وشركات الانتاج الخاصة أن تكف عن سياسة الاحتكار، سواء فى اختيار المخرجين والمؤلفين، أوكتاب السيناريو والممثلين أيضا، والابتعاد عن سياسة الإقصاء واستبعاد مؤلفين وكتاب سيناريو لديهم من الموهبة والخبرة والصدق ما ينهض بصناعة الدراما والسينما والمسرح، وسنجد أن أدارجهم مكدسة بأعمال درامية رائعة، لم ولن ترى النور أبدا، طالما نحن نتبع نظام (الشلل) وورش الكتابة الذين اعتادوا تقديم أعمال رديئة وركيكة، معظمها يكتب أثناء تصوير العمل، لا تليق بتاريخ مصر فى الدراما والسينما والمسرح. رابعا: البحث عن قضايانا الحقيقية، ووقعنا زاخر بالقصص الإنسانية الرائعة ، ولدينا نماذج ملهمة عبرالاشتباك مع الواقع من خلال قضايا الإنسان المصري البسيط التي يمكن أن تثرى الوجدان وترتقى بالذائقة الفنية للمتلقى، فمن المأسف بل من عوامل إفساد الدراما المصرية هو انتشار ظاهرة السطو على الأعمال الدرامية والكوميدية المأخوذة من أصول أجنبية أو فيما يعرف بـ (الفورمات)، ونعني إعادة إنتاج قوالب درامية أو كوميدية لمسلسلات وأفلام سبق تقديمها في دول غير عربية مثل أمريكا وكوريا والمكسيك وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وتركيا.

 

خامسا: نحاول أن نكون أنفسنا فيما نقدمه للناس فكفانا تغريبأ واستهانة وإهانة لأنفسنا، فالشخصية المصرية، ذات ثراء مبهر، والإغراق فى المحلية هى التي تصل بنا إلى قمة العالمية، وكل من حصلوا على جائزة (نوبل) فى الأدب شعرا أو روايةً، حصلوا عليها لأنهم تناولوا قضايا مجتمعاتهم المحلية بصدق شديد وعمق أشد، ونتمنى أن (الجهات المعنية) التي سترفع لها توصيات اللجنة والمؤتمر تضع فى اعتبراها هذه الملاحظات العابرة، أما الإعلام وقضاياه فيحتاج لملاحظات عابرة أخرى سنتحدث عنها فيما بعد.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز