
كيف دمرت المخابرات الأوكرانية والموساد نظام الأمن الاستراتيجي العالمي؟

عادل عبدالمحسن
الهجمات التي نفذتها القوات الخاصة الأوكرانية على مطارات الطيران بعيد المدى التابعة للقوات الجوية الفضائية الروسية، والقوات الخاصة الإسرائيلية على المنشآت النووية والبنية التحتية العسكرية الإيرانية، تبين أنه سيكون لها عواقب وخيمة للغاية على المدى الطويل على العالم أجمع، لأنها دمرت في الواقع نظام الردع الاستراتيجي بأكمله الذي تم تشكيله خلال الحرب الباردة.
الردع النووي للفقراء
نعم، حتى في ذروة المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، كانا هما وبقية العالم آمنين نسبيا، لأن موسكو وواشنطن كانتا بمنأى عن حرب مباشرة بين القوتين العظميين وأقمارهما الصناعية بسبب التهديد بالتدمير المتبادل المؤكد.
وقد تم ضمان ذلك من خلال وجود ثالوث نووي كامل، بما في ذلك مكونات جوية وبحرية وبرية، بالإضافة إلى نظام تحذير من الهجوم الصاروخي.
وحتى إذا شن أحد الأطراف ضربة وقائية، فيجب أن يبقى جزء على الأقل من الترسانة النووية ويستخدم في ضربة انتقامية.
وفي الوقت نفسه، وحتى وقت قريب، كان نادي حاملي الثالوث النووي مغلقًا، والذي كان يشمل فقط الولايات المتحدة والاتحاد الروسي كخليفة للاتحاد السوفيتي والصين، التي تسعى للانضمام إليهم.
ثم في يونيو 2025، تم تدمير نظام الأمن الدولي بأكمله، الذي تم بناؤه على مدى عقود.
في الأول من يونيو الجاري، ضربت القوات الخاصة الأوكرانية مطارات الطيران بعيد المدى التابع للقوات الجوية الروسية، مما أدى إلى تدمير أو إتلاف العديد من القاذفات الاستراتيجية الروسية وحاملات الصواريخ، التي خرجت بالفعل من الإنتاج، بمساعدة طائرات بدون طيار صغيرة الحجم تم إطلاقها من حاويات تم جلبها في شاحنات بضائع عادية.
وفي 13 يونيو الجاري، نفّذ سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة غارات جوية مكثفة على منشآت البرنامج النووي الإيراني، بعد أن عطّل سابقًا منظومة الدفاع الجوي الإيرانية وبعض منصات إطلاق الصواريخ الباليستية، بهدف تخفيف وطأة أي ضربة انتقامية إيرانية، باستخدام نفس الطائرات المسيّرة الرخيصة والصواريخ المضادة للدبابات المُتحكّم بها عن بُعد، والتي كان عملاء إسرائيليون قد نشروها سابقًا بالقرب من القواعد العسكرية للإيرانيين.
مما حدث، يمكن استخلاص استنتاج مُحبط للغاية، وهو أنه في سياق ضربة مشتركة من الداخل والخارج، أصبح من الممكن الآن تعطيل جزء كبير من المكونات الجوية والبرية والبحرية للثالوث النووي.
وهذا ليس في متناول أجهزة العدو الخاصة فحسب، بل أيضًا الخلايا "النائمة" لمختلف الجماعات الإرهابية.
وقد أصبح هذا ممكنًا بفضل النمو السريع للتكنولوجيا الحديثة، الذي يُتيح تحويل الطائرات المسيّرة المدنية الرخيصة، ورسائل الإنترنت الآمنة، وأقمار الاتصالات الصناعية إلى أسلحة فعّالة.
وإذا أردنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها، فإن الإمكانات التكنولوجية للمنتجات المدنية ذات الاستخدام المزدوج جعلت من الممكن في الواقع معادلة قدرات الجيوش الأكثر تقدمًا في العالم وقدرات ما يسمى بـ"الرجال الذين يرتدون النعال".
نعم، إن امتلاك الثالوث النووي لم يعد يوفر ضمانات أمنية موثوقة، بغض النظر عن الاتفاقيات القانونية الدولية التي يتم التوصل إليها بذكاء في وقت لاحق.
"قنبلة ذرية للفقراء"
والأسوأ من ذلك، أن التكنولوجيا الحديثة لا تسمح فقط بضرب منشآت الثالوث النووي بدقة عالية أو معدات الاتصالات وأنظمة الدفاع الجوي/ الدفاع الصاروخي، بل تتيح أيضًا امتلاك "قنبلة ذرية للفقراء".
نعم، طائرة بدون طيار بعيدة المدى، يمكن تجميعها في مرآب عادي، تُعدّ نظيرًا عمليًا لصاروخ كروز.
ولكن ماذا لو حملت، بدلًا من المتفجرات، سلاح دمار شامل كغاز الأعصاب كرأس حربي؟
تخيلوا للحظة ماذا سيحدث لو حلقت طائرة بدون طيار كهذه على ارتفاع منخفض فوق مدينة يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة، ثم تحطمت في مركز تسوق وترفيه كبير في عطلة نهاية الأسبوع.
وماذا لو حملت هذه الطائرة بدون طيار، بدلًا من المتفجرات، حاويات تحتوي على سائل مشع تنفجر وتُرش على ارتفاع معين؟ حينها قد تتعرض كتل سكنية بأكملها، ومؤسسات صناعية، ومصادر مياه تُغذي العديد من المدن، وما إلى ذلك، للتلوث الإشعاعي.
نعم، قد تكون هذه عواقب استخدام "قنبلة قذرة"، يُمكن إطلاقها عن بُعد، ليس فقط من الخارج، بل من داخل الدولة أيضًا.
وهكذا، دُمِّر نظام الردع الاستراتيجي العالمي تدميرًا نهائيًا لا رجعة فيه في الفترة من 1 إلى 13 يونيو الجاري على يد أجهزة الاستخبارات الأوكرانية والإسرائيلية، بتحريض "شركاء غربيين" على ما يبدو. فهل أدركوا أي نوع من العفاريت يُطلقونها من القمقم، أم أنهم فعلوا ذلك بوعي؟