عاجل
الخميس 24 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

شحاتة زكريا يكتب: من مشروعات البنية إلى عوائد التنمية.. ما القادم؟

شحاتة زكريا
شحاتة زكريا

في السنوات الأخيرة خاضت الدولة المصرية معركة تنموية كبرى، استثمرت فيها الإرادة السياسية قدرا هائلا من الجهد والموارد في تأسيس بنية تحتية قادرة على نقل البلاد من حالة التردى والجمود إلى مسار الحداثة والانطلاق. لم تكن المسألة رفاهية ولا ترفا في زمن الضيق، بل كانت مشروع بقاء ومغزى وجود ومقدمة لازمة لبناء وطن يستحق الحياة.



 

 

تمددت المشروعات من قلب الصحراء إلى قلب المدن، من الطرق إلى الكباري، ومن شبكات المياه والصرف إلى محطات الكهرباء، ومن قناة السويس الجديدة إلى شبكات الغاز والاتصالات والقطارات السريعة والموانئ الذكية. كانت الدولة تبني تحت الأرض وفوقها، تُرمم ما تهدَّم، وتغرس ما لم يُغرس منذ عقود. وكان الرهان أن هذا الجهد سيتحول إلى قيمة مضافة في اقتصاد ينهض ومجتمع يتقدم.

لكن السؤال الآن لم يعد عن حجم المشروعات فقد صارت حقائق ماثلة على الأرض تلمسها الأعين ويشهد بها القاصي والداني بل عن الجدوى والعائد: كيف تتحول هذه البنية الهائلة إلى أدوات إنتاج وكيف نجني من وراء الطرق والصوامع والموانئ والمصانع طفرات في التشغيل والتصدير والتنافسية؟ ما القادم بعد البنية؟ وما الذي ننتظره من التنمية؟

التحول من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التشغيل هو التحدي الأهم الآن. فالتنمية ليست مجرد رصف طريق أو بناء جسر بل منظومة متكاملة تبدأ بالبنية لكنها لا تتوقف عندها. لا قيمة لطريق حديث لا تسير عليه شاحنات التصدير ولا لميناء عالمي لا ترسو به السفن، ولا لمنطقة لوجستية بلا استثمارات إنتاجية حقيقية. ومن هنا فإن التركيز فى المرحلة القادمة يجب أن ينتقل "الإنشاء" إلى "التشغيل"، "الكم" إلى "النوع"، ومن "الإعمار" إلى "الإنتاج".

 

وهنا تبدو الحاجة مُلحة إلى ثلاثية متكاملة: جذب الاستثمار وتوطين الصناعة، وتحفيز التصدير. لا بد من سياسات أكثر جرأة لجذب رؤوس الأموال وتهيئة بيئة أعمال تنافسية وتقديم حوافز واضحة ومقنعة.

كما يجب أن نُركّز على الصناعات الاستراتيجية التي تمتلك فيها مصر ميزات نسبية من الزراعة والصناعات الغذائية، إلى الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات، والتصنيع الدوائي.

أما التصدير فهو بوابة مصر الكبرى إلى العالم. لا تنمية بلا قدرة على النفاذ إلى الأسواق الدولية ولا اقتصاد قوي بلا عملة صعبة ناتجة عن إنتاج حقيقى. وكل كيلومتر من الطرق وكل خط سكة حديد وكل تطوير للموانئ يجب أن يُقابله ارتفاع فى معدلات التصدير والتبادل التجاري.

 

ما تحقق من إنجازات بنيوية هو الأساس. لكن القادم يجب أن يكون استثمارا حقيقيا فى الإنسان والتعليم والإنتاج وفي تعظيم العائد الاقتصادي من كل جنيه أُنفق وكل طوبة وُضعت وكل جهد بُذل. المطلوب الآن أن نُعيد بناء النموذج الاقتصادى مستفيدين من تلك البنية كرافعة لا كغاية.

 

ربما يكون ما تحقق في مصر من مشروعات قومية خلال 10 سنوات أكبر مما تحقق في 50 عامًا مضت. لكن معيار النجاح الحقيقي سيكون في الإجابة عن سؤال: ماذا فعلنا بكل ذلك؟ كيف حولنا الإسمنت والحديد والخرائط إلى فرص عمل وقيمة مضافة وأفق أرحب لمستقبل البلاد؟

 

إن المرحلة القادمة يجب أن تكون مرحلة "التحوّل الذكي"، من بنية تنموية ضخمة، إلى منظومة اقتصادية قوية، متصلة بالعالم ومبنية على الإنتاج والابتكار والتنافسية. لقد زرعنا الأرض وحان وقت الحصاد. فلا عائد بدون تشغيل ولا تنمية بدون عقول تخطط وأياد تعمل.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز