

أشرف أبو الريش
فِلْذَات الأكباد
«اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا اللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك» بهذا الدعاء والدموع تنهمر من عيونها كالمطر، ودعت إحدى أمهات الشهيدات بناتها بهذا الدعاء، بعد أن فقدت بنتين من بناتها، فى حادثة مأساوية هزت الرأى العام المصري يوم الجمعة الماضية.
الأولاد هم فلذات الأكباد، ثمرات القلوب، وفقدهم مِن أعظم الابتلاءات التي تصيب الإنسان فى الدنيا، فاللهم احفظ أبناء المصريين جميعًا من كل مكروه وسوء، وفى الحديث القدسى يقول الله عز وجل للملائكة اقبضتم ولد عبدى فتقول الملائكة :نعم يا رب، فيقول الله: أقبضتم فلذة كبده، فتقول الملائكة: نعم يا رب، فيقول الله: ماذا قال عبدى فيقولون: حمدك يا رب واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدى بيتًا فى الجنة وسموه بيت الحمد.
مأساة ملائكة كفر السنابسة يوم الجمعة الماضية شاء القدر أن أعيش بعض تفاصيلها عن قرب، فقد شاهدت بعض تفاصيل الحادث وأنا فى طريقى إلى القاهرة صباح الجمعة الماضية، شعورى من اللحظات الأولى لهذا المشهد المأساوى أن الحادث جلل ولن يمر مرور الكرام، فكنت أول من خرج عبر الصفحة الشخصية على الفيس بوك لكى أوجه نداءً عاجلًا للحكومة وللمسؤولين عن أهمية وضع إجراءات فاعلة للحد من الحوادث الصعبة التي أشاهدها يوميًا على الطريق الإقليمي.
أول رد فعل على استشهاد أبناء» كفر السنابسة»، كان فى تعزية السيدة الفاضلة حرم رئيس الجمهورية والتي أوفدت الهلال الأحمر المصري لتقديم العون والمساعدة للأسر التي فقدت فلذات أكبادها، رد الفعل الثانى كان من خلال البيان الرسمي لرئاسة الجمهورية والذي قدم التعازى فى الشهداء، ووجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بضرورة تقديم يد العون للأسر وصرف مستحقات عاجلة، ومضاعفة هذه المستحقات، وتوجيه الحكومة بالانتهاء من إصلاحات الإقليمى فى أقرب وقت ممكن.
تأخرت برامج التوك شو لرصد الحادثة، ولم اشاهد مناقشة حية لهذه المأساة غير برنامج الحكاية لعمر أديب، ولعبت السوشيال ميديا الدور الأكبر لتغطية الواقعة.
تابعت بعد ذلك التصريحات الحكومية للمسؤولين والسادة الوزراء، وموقف الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، الذي تأخر قليلًا ولم يكن فى حينه، وانتهاء بزيارة الفريق كامل الوزير للطريق الإقليمى ومنطقة الحادث بعد 48 ساعة نظرًا لسفره إلى الخارج.
وعندى وجهة نظر على الحادث من عدة زوايا أسردها للقارئ الكريم حتى نضع أيدينا على حلول ناجزة.
بداية خروج الأطفال والشباب من معظم قرى مركز أشمون ومنوف وخصوصًا فى فصل الصيف، يرجع إلى الحالة الاقتصادية الصعبة للكثير من الأسر المصرية فى محافظة المنوفية، ومعظم القرى الواقعة بالقرب من الطريق الإقليمى خلال السنوات الخمس الأخيرة، سهل وصول العمالة من الأطفال والشباب وحتى بعض السيدات إلى المزارع الموجودة على الطريق الصحراوى ومنطقة المصانع فى مدينة السادات والتي تعتمد على هؤلاء الأطفال فى تعبئة الخضر والفاكهة التي تعد للتصدير إلى الدول العربية والعالم.
الشغل ليس عيبًا ولكن العيب عند أهل المنوفية أن تعيش على السلف أو الدين « الشكك» من المحلات والسوبر ماركت.
معظم أطفال المحافظة وضع الله لهم صفات وجينات ربانية قليل ما وجدت فى محافظة على مستوى الجمهورية، المنوفية بطبيعتها محافظة ملهمة، الأولى دائمًا فى أعلى نسب التعليم فى مصر، والأولى فى حفظ القرآن الكريم، والأولى فى خلق كوادر وقيادات الصف الأول والثانى والثالث فى الجيش والشرطة واحتلت مراكز متقدمة فى صنع الوزراء والمسؤولين فى كل قطاعات الدولة المصرية، هم أفذاذ بطبيعة حالهم وصفاتهم العبقرية القادرة على صنع المستحيل فى كل مجالات الحياة.
حزنى على شهيدات الإقليمي، عندما رأيت شهادات نجاح بعضهن فى الشهادة الإعدادية، وحزنى زاد حين علمت بإحداهن وكانت تدرس الهندسة، وأخريات وراء كل صورة رأيتها لهذه الوجوه الملائكية قصص تقول إن الوطن خسر بفقدهن الطبيبة والمهندسة وأستاذة الجامعة والعالمة وسيدة من عظيمات مصر فى المستقبل.
اعتقد أن الطريق الإقليمى بعد الحادث وبعد زيارة وزير النقل، يجب أن تكون هناك إجراءات رادعة لسائقى النقل الثقيل والسرعة الزائدة لسيارات الأجرة والملاكى، كل الحوادث ترجع إلى السرعة الجنونية للسائقين وقد رصد وزير النقل خلال زيارته أكثر من 900 مخالفة للسرعة فى ساعة واحدة.
الحادثة المأساوية التي شهدها الجميع علاجها فى توفير فرص عمل للشباب من الذكور وتوسيع عمل مشروعات المرأة المعيلة فى كل القرى المصرية، والتوسع فى المشروعات الحرفية التي تتميز بها بعض القرى، وسن تشريع يمنع عمالة الأطفال ويتم تطبيقه على أرض الواقع، وتجريم مقاولى الأنفار من الأحداث، ووضع أكمنة على الطريق الإقليمى من المرور تحاسب سائقى سيارات الأجرة التي تحمل ركابًا ضعف حمولتها، والتفتيش على المصانع والمزارع التي تجلب عمالة الأطفال لرخص الأجر اليومى لهذه العمالة الموسمية، وتفعيل دور الاخصائى الاجتماعى فى كل قرية لضم أبناء الأسر الأولى بالرعاية إلى جانب أبناء الشهداء والأيتام من دفع المصروفات المدرسية، ووضع قاعدة بيانات لهؤلاء الأطفال تبدأ من التعليم الأساسى وحتى الجامعة، وتتولى الجمعيات الخيرية والوزارات المعنية مساعدة أبناء الدولة غير القادرين بصورة تحترم خصوصياتهم دون تجريح أو تصريح.
أنا لا أريد قطع عيش أحد ولا أعرف ظروف الناس، ولكن الحادث مأساوى، وكل أسرة فى كفر السنابسة وفى معظم قرى المنوفية ستفكر ألف مرة فى أولادها بعد الحادث الأخير، حادثة فتيات العنب لن تكون الأخيرة على الطريق الإقليمى ولكن وجب التنبيه.. أولادنا فلذات أكبادنا، قطرة واحدة من دمائهم بالدنيا وما فيها .. تحيا مصر.