
موجة حر غير مسبوقة في أوروبا

تشهد أوروبا موجة حر قياسية غير مسبوقة تسببت في تراجع منسوب المياه في اثنين من أكبر أنهار القارة، وهما نهر فيستولا في بولندا ونهر الدانوب في المجر، إلى أدنى مستوياتهما على الإطلاق؛ مما أدى إلى تعطيل النقل والزراعة والأنظمة البيئية في وسط القارة، وفقًا لتقارير صادرة عن وكالات الأرصاد الوطنية.
ففي العاصمة البولندية (وارسو)، انخفض منسوب نهر فيستولا إلى 18 سنتيمترًا فقط عند إحدى محطات المراقبة، محطماً الرقم القياسي السابق بفارق سنتيمترين، بحسب معهد الأرصاد الجوية وإدارة المياه البولندي (IMGW). ويتوقع المعهد أن ينخفض المنسوب أكثر ليصل إلى 12 سنتيمترًا فقط – أي حوالي 200 سنتيمتر أقل من المعدل الموسمي المعتاد. وقال جريجورز فاليفيسكي، خبير الهيدرولوجيا في المعهد إن "بولندا لم تشهد جفافًا مائيًا بهذا المستوى في مثل هذا الوقت من العام منذ بدء تسجيل القياسات"، مشيرًا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة وقلة أيام هطول الأمطار نتيجة تغير المناخ يسرعان من استنزاف الموارد المائية في المنطقة. ولا تقتصر الأزمة على بولندا، إذ يشهد نهر الدانوب، ثاني أطول أنهار أوروبا، في المجر انخفاضًا مشابهًا في المنسوب، وهو أمر عادةً لا يحدث إلا في أواخر الصيف. وقد أثر هذا التراجع على حركة الشحن الداخلية وسلاسل الإمداد الإقليمية.
وقال أتيلا بينشيك، نائب رئيس رابطة الشحن المجرية، إن "سفن الشحن باتت مجبرة على ترك أكثر من نصف حمولتها، ولا تستطيع العمل سوى بنسبة 30 إلى 40% من طاقتها"، محذرًا من أن أسعار الشحن قد ترتفع بنسبة تصل إلى 100% بسبب الرسوم الإضافية المترتبة على الإبحار غير الكامل، بحسب تقرير لوكالة أنباء البلقان .
وتأتي هذه الاضطرابات في وقت تعاني فيه أجزاء واسعة من أوروبا من موجة حر مبكرة وشديدة، حيث سجلت درجات الحرارة 36 درجة مئوية في وارسو و35 درجة في بودابست خلال الأسبوع الجاري، مع الإبلاغ عن ما لا يقل عن ثماني وفيات مرتبطة بالحر في أنحاء القارة. وفي ألمانيا، بلغ منسوب نهر الراين كذلك مستويات أقل بكثير من المتوسط. وكشفت هيئة الأرصاد المجرية "هونغارومت" أن كمية الأمطار في يونيو لم تتجاوز 17% من المعدل طويل الأمد، ما جعله الأكثر جفافًا منذ بدء تسجيل البيانات عام 1901.
وفي السياق، قال أتيلا زيغي، من المديرية العامة لإدارة المياه في المجر، إنه من المتوقع هطول أمطار خلال الأسبوع المقبل في حوض الدانوب، مما قد يرفع مستوى المياه قليلًا ويحسن الملاحة. لكن التحذيرات تتزايد من تداعيات بعيدة المدى، حيث صرح فاليفيسكي بأن "الجفاف يؤثر على جميع قطاعات الاقتصاد"، موضحًا أن الغلال الزراعية باتت بالفعل تحت ضغط شديد، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء في مختلف أنحاء المنطقة.
ويبدو أن موسم الكوارث المناخية السنوي قد بدأ مبكرًا هذا العام، مدفوعًا بتفاقم أزمة المناخ. ففي حين كانت الأعوام السابقة تتركز فيها الأضرار على العواصف والحرائق، إلا أن هذا العام شهد تصعيدًا جديدًا مع انقطاع الكهرباء عن شبه الجزيرة الإيبيرية في أبريل بسبب إغلاق محطات الطاقة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة. كما اضطرت فرنسا هذا الأسبوع إلى إيقاف تشغيل مفاعلين نوويين بعدما ارتفعت حرارة المياه في الأنهار بشكل لا يسمح باستخدامها في التبريد، وفي 4 يوليو الجارى، تعرض نصف جمهورية التشيك لانقطاع كهرباء لأسباب لم تحدد بعد.
وتظهر هذه التطورات المتلاحقة أن التغير المناخي لم يعد تهديدًا مستقبليًا بل أزمة حاضرة، تطال كل أوجه الحياة في أوروبا