
الطاقة الشمسية بين الطموح المناخي وندرة الموارد: مسارات التحول وفرص الاستدامة

عادل عبدالمحسن
نشرت مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، مقالًا مطولًا عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك”، مشيرًا إلى النمو المتسارع للطاقة الشمسية يمثل فرصة استراتيجية غير مسبوقة لدعم مسارات التنمية المستدامة وتحقيق أهداف المناخ العالمية، إلا أن هذه الفرصة لا يمكن اغتنامها بالكامل دون معالجة التحديات الهيكلية المحيطة بها وتتضمن.
نمو متسارع للطاقة الشمسية
أولًا: نمو متسارع للطاقة الشمسية: حجر الزاوية لتحقيق أهداف المناخ والطاقة العالمية.
ثانيًا: هيمنة مرتقبة للطاقة الشمسية على مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 2030.
ثالثًا: أفق الطاقة الشمسية في ظل التركز الجغرافي لسلاسل التوريد
رابعًا: تأمين المعادن لتقنيات الطاقة النظيفة.. مأزق حاسم أمام توسع الطاقة الشمسية.
خامسًا: استدامة الطاقة المتجددة في سياق عالمي متغير الملف الصوتى
في ظل تصاعد التحديات المناخية والضغوط المتزايدة للانتقال إلى أنظمة طاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية، باتت الطاقة الشمسية في صدارة مشهد التحول العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة. فقد اجتمعت عوامل متعددة – مثل التقدم التكنولوجي، وانخفاض التكاليف، والوعي البيئي – لدفع هذا القطاع نحو معدلات نمو غير مُسبوقة. إلا أن هذا النمو لا يخلو من عقبات بنيوية تتعلق بسلاسل التوريد، وتأمين المعادن الأساسية، والتفاوت الجغرافي في الاستثمارات، ما يطرح تساؤلات جدية حول قدرة العالم على تحقيق أهدافه المناخية والتنموية في الأطر الزمنية المحددة.
أولًا: نمو متسارع للطاقة الشمسية: حجر الزاوية لتحقيق أهداف المناخ والطاقة العالمية تشهد مصادر الطاقة المتجددة نموًّا متسارعًا في مختلف أنحاء العالم، مُدفوعة بتزايد الوعي البيئي، وتقدّم التقنيات، والحاجة المُلحة إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتُعدّ الطاقة الشمسية في طليعة هذا التحوّل، لما تتميز به من وفرة طبيعية، وانخفاض متزايد في تكاليف الإنتاج، ومرونة عالية في الاستخدام، مما يجعلها خيارًا استراتيجيًّا للعديد من الدول الساعية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي هذا الإطار، أظهرت إحصاءات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) الصادرة في عام 2025 استمرار النمو في قدرات الطاقة المتجددة على مستوى العالم؛ حيث شكّلت 46% من سعة توليد الطاقة المُركّبة عالميًّا بنهاية عام 2024، لتصل إلى 4,448 جيجاوات. وقد شهد العام ذاته أكبر زيادة سنوية على الإطلاق، بإضافة 585 جيجاوات، وشكّلت الطاقة الشمسية منها النصيب الأكبر، بإضافة قياسية بلغت 452 جيجاوات من الطاقة الشمسية، أي أكثر من ثلاثة أرباع الإضافات في مصادر الطاقة المتجددة، مما يعكس دورها المحوري في التحوّل العالمي للطاقة، رغم الحاجة المستمرة لتعزيز مرونة الشبكات الكهربائية وتحسين تخطيط الطاقة.
أما على المستوى الجغرافي، فقد تصدرت آسيا المشهد العالمي بحصة بلغت 62% من إجمالي إنتاج الطاقة الشمسية خلال عام 2024، مسجّلة نموًّا بنسبة 37.4% مقارنة بعام 2023، وذلك نتيجة التوسع الملحوظ في الإنتاج في كل من الصين والهند، تلتها أوروبا بحصة بلغت 18.1%، ثم أمريكا الشمالية بنسبة 10.5%.
وفي حين حققت منطقة أوراسيا أعلى معدل نمو سنوي بلغ 64.0% عام 2024 مقارنة بعام 2023، مدفوعة بزيادة الإنتاج في أستراليا. وفي المقابل، سجَّلت أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي أدنى مستويات النمو والمساهمة في الإنتاج العالمي، مما يعكس تفاوت حجم الاستثمارات في الطاقة الشمسية بين مناطق العالم، وفقًا لاختلاف الإمكانات المتاحة ومستوى الدعم المحلي.
ثانيًا: هيمنة مرتقبة للطاقة الشمسية على مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 2030 يتطلب تحقيق الأهداف الدولية المتعلقة بالطاقة والمناخ تسارعًا غير مسبوق في نشر الطاقة الشمسية الكهروضوئية على مستوى العالم، ويستدعي هذا التسارع توسعًا كبيرًا في القدرات التصنيعية، مما يثير تساؤلات حول مدى قدرة العالم على بناء سلاسل توريد مرنة وسريعة الاستجابة لهذا الطلب المتزايد، ووفقًا لخريطة الطريق التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة للوصول إلى انبعاثات صفرية صافية بحلول عام 2050، ينبغي أن تتضاعف الإضافات السنوية من الطاقة الشمسية الكهروضوئية إلى أربعة أضعاف لتصل إلى 630 جيجاوات بحلول عام 2030.
في هذا السياق، تشير التوقعات إلى أن مصادر الطاقة المتجددة ستسهم في توليد نحو 46% من الكهرباء عالميًّا بحلول عام 2030؛ حيث ستشكل طاقتا الرياح والشمسية الكهروضوئية معًا قرابة 30% من هذا المزيج. ومن المتوقع أن تتصدر الطاقة الشمسية الكهروضوئية مصادر الكهرباء المتجددة في ذلك العام، متجاوزة بذلك الطاقة الكهرومائية، تليها طاقة الرياح في المرتبة الثانية.
وتُظهر التقديرات أيضًا تحولًا نوعيًّا في مزيج الطاقة المتجددة، إذ سترتفع مساهمة المصادر المتجددة المتغيرة — وعلى رأسها الطاقة الشمسية والرياح — إلى نحو ثلثي توليد الكهرباء المتجددة عالميًّا عام 2030، مقارنةً بأقل من 45% في عام 2024. ومن المرتقب أن تتضاعف مساهمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في تلبية الطلب العالمي على الكهرباء ثلاث مرات خلال هذه الفترة، بينما تقترب طاقة الرياح من مضاعفة حصتها، في حين يتراجع تدريجيًّا الاعتماد على الطاقة الكهرومائية.
ثالثًا: أفق الطاقة الشمسية في ظل التركز الجغرافي لسلاسل التوريد أوضحت الوكالة الدولية للطاقة أن الطاقة الإنتاجية العالمية لمكونات الطاقة الشمسية الكهروضوئية وهي: البولي سيليكون، والسبائك، والرقائق، والخلايا، والوحدات ستحتاج أن تتضاعف أكثر من الضعف بحلول عام 2030، مقارنةً بمستوياتها الحالية. ومع تسريع الدول لجهودها للحد من الانبعاثات، أصبح من الضروري ضمان انتقالها نحو نظام طاقة مستدام قائمًا على أسس قوية. ولكي تتمكن سلاسل توريد الطاقة الشمسية الكهروضوئية من تلبية متطلبات مسار صافي الانبعاثات الصفرية، لابد من توسيع نطاقها بطريقة تضمن المرونة، والكفاءة من حيث التكلفة، والاستدامة.
وفي ضوء ذلك، سيعتمد العالم بشكل شبه كامل على الصين لتوفير المكونات الأساسية لإنتاج الألواح الشمسية حتى عام 2025. واستنادًا إلى الطاقة الإنتاجية قيد الإنشاء، من المتوقع أن تصل حصة الصين من إنتاج البولي سيليكون، والسبائك، والرقائق عالميًّا إلى ما يقرب من 95% قريبًا. ويتسم إنتاج المعادن الأساسية المستخدمة في صناعة الطاقة الكهروضوئية بتركيز جغرافي شديد؛ حيث تهيمن الصين على جزء كبير من الإنتاج العالمي. ورغم التحسينات في كفاءة استخدام المواد، فإن الطلب على المعادن سيشهد نموًّا كبيرًا خلال السنوات القادمة.
هذا النمو السريع يصطدم بفترات تنفيذ طويلة لمشروعات التعدين، مما يخلق خطرًا كبيرًا بعدم التوازن بين العرض والطلب، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف ونقص الإمدادات. هذا فضلًا عن فرض القيود التجارية المتزايدة؛ حيث ارتفع عدد الرسوم الجمركية والضرائب المفروضة على أجزاء سلسلة التوريد، مما قد يُبطئ من وتيرة نشر الطاقة الشمسية عالميًّا.
رابعًا: تأمين المعادن لتقنيات الطاقة النظيفة.. مأزق حاسم أمام توسع الطاقة الشمسية في ظل تسارع التحول العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة، تواجه صناعة الطاقة الشمسية تحديات كبيرة في تأمين المعادن الأساسية اللازمة لتوسيعها بشكل مستدام. وتُعد معادن مثل النحاس، والسيليكون، والليثيوم، والنيكل، والكوبالت مكونات حيوية في تصنيع الألواح الشمسية والمعدات المرتبطة بها. ومع تزايد الطلب العالمي على هذه الموارد، باتت مسألة تأمين إمداداتها تشكل عاملًا حاسمًا في قدرة القطاع على التوسع. ويُعد التركيز الجغرافي لإنتاج هذه المعادن من أبرز التحديات التي تواجه صناعة الطاقة الشمسية، إذ تتركز الإمدادات في دول مثل تشيلي والكونغو، ما يمنح عددًا محدودًا من الدول نفوذًا كبيرًا على سلاسل التوريد، ويعرض السوق العالمية لمخاطر جيوسياسية وبيئية تؤثر على استدامة الإمداد.
وتتفاقم هذه المخاطر في ظل انخفاض الاستثمارات في قطاع التعدين، خاصةً مع تدهور جودة الموارد وارتفاع تكاليف الاستخراج. وتشير التقديرات إلى أن الخطط الاستثمارية الحالية في معادن مثل النحاس والليثيوم والنيكل والكوبالت لا تكفي لتلبية الطلب المتوقع الناتج عن مشروعات الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمركبات الكهربائية.
ومن المتوقع أن تشكّل تقنيات الطاقة النظيفة ما بين 40% إلى 90% من إجمالي الطلب العالمي على هذه المعادن بحلول عام 2040. وقد شهد عام 2023 بالفعل ارتفاعًا كبيرًا في الطلب، رغم تراجع الأسعار نتيجة زيادة العرض وتراكم المخزونات، إلا أن قطاع الطاقة النظيفة استمر كمحرك رئيس لهذا النمو، مدفوعًا بالتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية والرياح. وبحلول عام 2030، يُتوقع أن تتضاعف القدرة العالمية لمصادر الطاقة المتجددة بمعدل 2.5 مرة، مما يستلزم تطوير شبكات النقل والتوزيع على نطاق واسع. ومن المتوقع ربط نحو 3000 جيجاوات من مشروعات الطاقة المتجددة بالشبكات الكهربائية، الأمر الذي سيتطلب بناء أو تحديث أكثر من 80 مليون كيلومتر من الشبكات حول العالم بحلول عام 2040، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في الطلب على معادن أساسية مثل النحاس والألومنيوم. وفي هذا السياق، من المفيد إلقاء الضوء على أبرز المعادن المستخدمة في تقنيات الطاقة الشمسية والطاقة النظيفة عمومًا، والتحديات المرتبطة بكل منها: •
النحاس: يُشكّل النحاس إحدى الركائز الأساسية في تقنيات الطاقة النظيفة، نظرًا لما يتمتع به من خصائص فريدة مثل التوصيل الكهربائي العالي ومقاومته للتآكل، ما يجعله ضروريًّا في تصنيع الألواح الشمسية، ومكونات الشبكات الكهربائية، والمركبات الكهربائية. وتشير التقديرات إلى أن الطلب العالمي على النحاس المكرر سيشهد ارتفاعًا من نحو 26 مليون طن في عام 2023 إلى 33 مليون طن بحلول عام 2030، وقد يصل إلى 40 مليون طن في عام 2050 في ظل سيناريو الانبعاثات الصفرية، مدفوعًا بوتيرة التحول العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة.
ويقود إنتاج النحاس عالميًّا كلًّا من تشيلي والكونغو، في حين تهيمن الصين على عمليات التكرير بنسبة تقارب 45%.
ومع ذلك، تواجه هذه الصناعة تحديات متزايدة أبرزها تراجع جودة الخامات، والاضطرابات الجيوسياسية والاجتماعية في مناطق الإنتاج، وارتفاع التكاليف الرأسمالية للمشروعات الجديدة. وعلى الرغم من تنوع مواقع التعدين نسبيًّا، فإن التركز الجغرافي للإنتاج وتراجع الاستثمارات يشكلان تهديدًا حقيقيًّا لاستقرار الإمدادات العالمية، مما ينذر بحدوث فجوة بين العرض والطلب بعد عام 2025، خاصة مع تسارع التحول نحو الطاقة النظيفة عالميًّا.
• الألومنيوم: يُعد الألومنيوم من العناصر المهمة في تقنيات الطاقة النظيفة، خاصة في الطاقة الشمسية الكهروضوئية والمركبات الكهربائية، نظرًا لخصائصه الفيزيائية الملائمة. وقد شهدت الأسعار تقلبات ملحوظة نتيجة قوة الدولار وتراجع النشاط الصناعي العالمي. وعلى صعيد الإنتاج، تؤثر عوامل مثل نقص المياه في مناطق رئيسة كمقاطعة يونان الصينية، ومع ذلك، من المتوقع أن يساهم التوسع في قدرات الصهر وزيادة الإنتاج الثانوي في تلبية الطلب العالمي المتزايد على الالومنيوم خلال السنوات المقبلة.
•السيليكون: يُعد السيليكون من المواد الأساسية في تقنيات الطاقة الشمسية الكهروضوئية، نظرًا لاعتماده في تصنيع الخلايا الشمسية عالية الكفاءة.
ومن المتوقع أن تشهد سوق السيليكون نموًّا متسارعًا خلال السنوات المقبلة، مدفوعًا بارتفاع الطلب على الطاقة النظيفة، ليصل الاستهلاك إلى نحو 2 مليون طن متري بحلول عام 2030 وفق سيناريو الانبعاثات الصفرية.
وعلى الرغم من هذا النمو، تواجه السوق تحديات تتعلق بجانب العرض؛ حيث من المتوقع أن تحافظ الصين على أكثر من 80% من الطاقة التصنيعية العالمية عام 2030 في جميع قطاعات تصنيع الطاقة الكهروضوئية، مما يزيد من مخاطر الاعتماد على مورد واحد، كما أن محدودية تقنيات إعادة التدوير وضعف جدواها الاقتصادية في الوقت الراهن تشكّل عائقًا إضافيًّا، رغم وجود بعض المبادرات الأوروبية الساعية إلى تطوير حلول لإعادة تدوير السيليكون بشكل فاعل ومستدام.
وفي ضوء ما سبق، يُعد تأمين هذه المعادن عنصرًا محوريًّا لضمان استمرارية التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية. وإذا لم تُدعّم الاستثمارات في أنشطة الاستخراج، إلى جانب تسريع تطوير تقنيات إعادة التدوير وتعزيز سلاسل الإمداد العالمية بشكل مستدام، فإن القطاع قد يُواجه تحديات جسيمة تعوق تحقيق أهدافه التوسعية، وهو ما قد يؤدي إلى تأخيرات ملحوظة في تنفيذ المشروعات وارتفاع في التكاليف على المدى القريب والبعيد.
خامسًا: استدامة الطاقة المتجددة في سياق عالمي متغير هناك عوامل اقتصادية وجيوسياسية تؤثر بشكل مباشر على مستقبل الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية. وفي هذا السياق، أشارت شبكة سياسة الطاقة المتجددة للقرن الواحد والعشرين، المعنية بالأبحاث والاستشارات حول سياسة الطاقة المتجددة، إلى أن التجارة والأسواق والطلب على الطاقة وتطوير البنية التحتية والاستثمار والسياسات تشهد تغيرات مستمرة. وتُشكل هذه الظروف الاقتصادية الكلية والجيوسياسية المتغيرة تحديات وفرصًا هائلة لاعتماد الطاقة المتجددة، وفيما يلي أبرز النقاط المتعلقة بهذا السياق:
•تعقّد الاستثمار في الطاقة المتجددة في عام 2023 بفعل ارتفاع أسعار الفائدة وظروف السوق الصعبة عالميًّا.
• أثر ارتفاع تكاليف المواد الخام الرئيسة، ومنها المعادن الأساسية، في بيئة الاستثمار بشكل مباشر.
• شكّل ارتفاع تكاليف رأس المال وارتفاع أسعار الفائدة، ولا سيما في الأسواق الناشئة، تحديًا لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة، مما قد يُبطئ وتيرة التحول العالمي ويزيد من فجوة عدم المساواة في الحصول على الطاقة.
• تستمر الصراعات الجيوسياسية في تعطيل سلاسل التوريد العالمية، وهو ما يجعل قطاع الطاقة المتجددة عرضة للتقلبات السياسية والقيود اللوجستية، خاصة مع اعتماد الصناعة على عدد محدود من المناطق لتوفير مكونات وتقنيات الطاقة النظيفة.
• رغم الأهداف الطموحة، لم تحقق العديد من الدول التزاماتها في نشر الطاقة المتجددة، وهو ما يكشف عن فجوة واضحة بين التوجهات السياسية والواقع التنفيذي، خصوصًا في ظل استمرار الدعم العالمي للوقود الأحفوري.
• يعاني القطاع من نقص العمالة الماهرة؛ حيث لا يتماشى توافر الكفاءات مع وتيرة التوسع في تقنيات الطاقة النظيفة. إلى جانب ذلك، أظهرت دراسة أُجريت في جامعتي إكستر وكلية لندن الجامعية في أكتوبر 2023 أن التوسع الفاعل للطاقة الشمسية يستلزم معالجة أربعة تحديات رئيسة، مما يستدعي تدخلًا حكوميًّا مباشرًا، وهي:
• تعزيز مرونة الشبكة الكهربائية، من خلال تنويع مصادر الطاقة المتجددة، وتوسيع قدرات التخزين، وتحسين البنية التحتية للنقل، بما يتيح تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
• توفير التمويل للدول منخفضة الدخل؛ حيث تتركّز الاستثمارات منخفضة الكربون حاليًا في الدول الغنية، بينما تفتقر الدول الأشد فقرًا إلى الدعم اللازم رغم امتلاكها إمكانات شمسية كبيرة.
• تعزيز سلاسل التوريد للمعادن الأساسية، لمواكبة النمو المتوقع في الطلب على النحاس، النيكل، الكوبالت، والليثيوم، وهي معادن تُستخدم بشكل مكثف في تقنيات الطاقة المتجددة.
• التغلب على المقاومة السياسية والاجتماعية، خصوصًا في المناطق التي ستتأثر بفقدان الوظائف المرتبطة بقطاعات الوقود الأحفوري. ورغم التحديات المعقدة التي تواجه قطاع الطاقة المتجددة، سواء من حيث تأمين المعادن الأساسية أو الظروف الاقتصادية والجيوسياسية، فإن السنوات الأخيرة شهدت تصاعدًا ملحوظًا في الزخم السياسي والتقني الداعم لهذا التحول.
وكان عدد من الدول والهيئات الدولية قد بدأت باتخاذ خطوات استراتيجية لتسريع نشر الطاقة النظيفة، مستندة إلى توافقات عالمية، وتحديثات مستمرة في السياسات، وتطورات تكنولوجية تهدف إلى تعزيز الكفاءة وتقليل الاعتماد على الموارد النادرة. وتُعد هذه الجهود محورية في تهيئة بيئة مواتية لتوسيع الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية، وضمان استدامتها على المدى الطويل.
كما عززت التطورات السياسية والتقنية من زخم التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة، إذ يُظهر الاتفاق العالمي في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين “COP28” التزامًا دوليًا متصاعدًا، تمثل في تعهد 130 دولة بمضاعفة سعة الطاقة المتجددة ثلاث مرات، للوصول إلى ما لا يقل عن 11 تيراوات بحلول عام 2030. وتدعم أهداف أمن الطاقة والاستراتيجيات الصناعية هذا التوجه من خلال تحفيز الاستثمارات طويلة الأجل في مشروعات الطاقة النظيفة.
الخاتمة يمثل النمو المتسارع للطاقة الشمسية فرصة استراتيجية غير مسبوقة لدعم مسارات التنمية المستدامة وتحقيق أهداف المناخ العالمية، إلا أن هذه الفرصة لا يمكن اغتنامها بالكامل دون معالجة التحديات الهيكلية المحيطة بها.
فبين الحاجة إلى تأمين سلاسل توريد مرنة، وتوفير المعادن الأساسية، وتجاوز الفجوات الاستثمارية والعمالة، يواجه العالم معضلة حقيقية تتطلب استجابات سياسية واقتصادية متكاملة.
وتجاوز هذه العقبات يتطلب إرادة دولية، وتنسيقًا فعالا بين الحكومات والمؤسسات المالية والتقنية، من أجل تسريع نشر الطاقة الشمسية بطريقة عادلة وشاملة ومستدامة. وفي ظل الزخم السياسي والتقني المتصاعد، تظل الطاقة الشمسية مرشحة للعب دور محوري في إعادة تشكيل مستقبل الطاقة العالمي، شريطة تحويل الطموحات إلى تنفيذ فعلي يتجاوز التحديات ويترجم الفرص إلى إنجازات ملموسة.