عاجل
الإثنين 11 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

كيف خدعت شائعة رقمية ملايين المتابعين حول العالم

الحقيقة الكاملة وراء حادث مدربة الأوركا "جيسيكا"

صورة متداولة عبر السوشيال ميديا لحادث جيسيكا
صورة متداولة عبر السوشيال ميديا لحادث جيسيكا

خلال الأيام القليلة الماضية، شغلت قضية "مدربة الحيتان جيسيكا رادكليف" الرأي العام في عدد من الدول العربية، بعدما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع فيديوهات ومنشورات تزعم مقتلها بشكل مأساوي بعد تعرضها لهجوم عنيف من حوت أوركا أثناء عرض مباشر.



 

المنشورات، التي اجتاحت المنصات الرقمية، صُوّرت بأسلوب درامي مؤثر، مزودة بصور ومقاطع قيل إنها "توثّق لحظة الهجوم"، مرفقة بموسيقى حزينة وتعليقات تنعي المدربة الشابة التي وصفها البعض بـ"شهيدة عروض الحياة البحرية". وقد أثارت القصة موجة من الحزن والتعاطف خاصة في الجزائر وعدد من البلدان العربية.

لكن الحقيقة وفق ما كشفته تحريات رقمية وتحقيقات إعلامية دقيقة جاءت مخالفة تمامًا لما تم تداوله.

احدى الصور المتداولة عبرالسوشيال ميديا
احدى الصور المتداولة عبرالسوشيال ميديا

 

لا جيسيكا.. ولا حادث.. ولا حقيقة للقصة

التحقيقات التي أجريت من خلال مراجعة قواعد بيانات رسمية، ومصادر إعلامية أجنبية متخصصة في شؤون الحياة البحرية، توصلت إلى أنه لا توجد أي شخصية مسجلة باسم "جيسيكا رادكليف" ضمن سجلات مدربي الحيتان لدى أي مؤسسة بحرية دولية، بما فيها "سي وورلد".

لم تصدر عن إدارة السلامة والصحة المهنية الأمريكية "OSHA" أو أي جهة رقابية ذات صلة، أي تقارير تتعلق بحوادث أو إصابات مرتبطة بالحيتان القاتلة خلال الفترة الأخيرة.

معظم الصور والفيديوهات التي تم تداولها، تبيّن أنها نُشرت لأول مرة عبر مواقع غير موثوقة، أو صُممت باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتبدو وكأنها حقيقية.

من هنا، يتضح أن القصة برمتها ليست سوى شائعة رقمية مفبركة بعناية، جرى الترويج لها لتحقيق معدلات مشاهدة وتفاعل مرتفعة، مستغلة في ذلك حساسية الجمهور تجاه الحوادث المؤلمة والحيوانات المفترسة.

 

كيف تنتشر الشائعات المصنوعة بهذه السهولة؟

 

يرى خبراء الإعلام الرقمي أن القصص الزائفة باتت تنتقل بشكل أسرع وأوسع من أي وقت مضى، خصوصًا مع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي التي تمكن من إنتاج محتوى مرئي ومسموع يبدو مقنعًا وواقعيًا بدرجة عالية.

فمن خلال تركيب لقطات أرشيفية، وإضافة تعليق صوتي بنبرة إخبارية، مع عناوين مثيرة مثل: "اللحظة التي قتل فيها الحوت القاتل مدربته أمام الجمهور"، تصبح القصة قابلة للتداول كحقيقة، خاصة إذا دعمتها الصور المصطنعة والموسيقى المؤثرة.

وسرعان ما تنتشر هذه المواد على منصات مثل "تيك توك" و"يوتيوب"، دون رقابة تحريرية أو تحقق من المصادر، مما يفتح الباب أمام تضليل جماعي للرأي العام.

 

ما هو الأوركا؟ الحوت الذكي الذي شيطنته الشائعات

في خضم هذه القصة، عاد اسم "الأوركا" إلى الواجهة. وهو الكائن المعروف إعلاميًا بـ"الحوت القاتل"، رغم كونه في التصنيف العلمي أكبر أفراد عائلة الدلافين، وليس من الحيتان الفعلية.

ويتميّز الأوركا بقدرات ذكاء عالية، ويتصرف ضمن مجموعات اجتماعية معقّدة تُعرف باسم "Pods"، يستخدم أفرادها أنماطًا صوتية مميزة أشبه بـ"لهجات" جماعية للتواصل.

الطول: يصل إلى 9 أمتار.

الوزن: نحو 6 أطنان.

السرعة: تصل إلى 56 كيلومترًا في الساعة.

رغم قدراته المفترسة، فإن الأوركا نادرًا ما يهاجم البشر في البرية، وجميع الحوادث المسجلة تقريبًا حدثت داخل بيئات الاحتجاز المغلقة، ما يُرجّح أن سلوك العدوان يرتبط بالضغوط النفسية التي يتعرض لها داخل الأحواض الاصطناعية.

 

لماذا صدّق الناس القصة بسهولة؟

يبدو أن أحد أسباب سرعة انتشار القصة هو اعتمادها على سردية قريبة من الواقع. فقد شهدت السنوات الماضية حوادث حقيقية أدت إلى مقتل مدربين في عروض الحياة البحرية، من أبرزها:

حادثة "دون برانشو" عام 2010، التي توفيت بعد أن سحبها الحوت "تيليكوم" تحت الماء أثناء عرض في "سي وورلد".

وفاة المدرب الإسباني "أليكسيس مارتينيز" عام 2009 إثر صدمة قوية من الحوت "كيتو".

حادثة غرق المدربة "كيلتي بيرن" عام 1991 بعد أن سحبها ثلاثة حيتان قاتلة إلى قاع الحوض.

هذه السوابق المؤلمة أضفت على القصة الملفقة عن "جيسيكا" طابعًا واقعيًا مزيفًا، ما جعل كثيرين يقبلونها دون تشكيك.

 
 

 

 

تداعيات خطيرة للمحتوى المفبرك

بعيدًا عن الترفيه والتفاعل الرقمي، فإن تداول مثل هذه القصص الزائفة يحمل آثارًا سلبية متعدّدة، أبرزها:

نشر الذعر والتشويش الإعلامي.

تشويه صورة مؤسسات أو أفراد دون وجه حق.

إيذاء مشاعر أسر الضحايا الحقيقيين في حوادث سابقة.

تقويض ثقة الجمهور في الأخبار والتقارير الصحيحة.

تعطيل النقاش الجاد حول قضايا سلامة المدربين وحقوق الحيوانات.

وفي ظل الطفرة الحالية في أدوات إنتاج المحتوى الاصطناعي، أصبح من الضروري تعزيز مهارات التحقق الرقمي لدى المستخدمين، وتحمّل المنصات مسؤوليتها في تصنيف المحتوى الزائف بوضوح.

كما تكشف قصة "مدربة الأوركا جيسيكا" رغم زيفها عن قوة الشائعة في عصر التحول الرقمي، وحجم التأثير الذي قد تتركه معلومة غير دقيقة إذا ما تم تسويقها بعناية.

في هذا السياق، يصبح التحقق من صحة المحتوى، والرجوع إلى المصادر الموثوقة، واجبًا أساسيًا لكل قارئ ومتابع، لا سيما مع تنامي قدرات تقنيات التزييف الرقمي.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز