عاجل
الثلاثاء 12 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
مؤثرو اليوم.. ومؤثرو زمان "2"

من عامل مطبعة إلى راعي المكتبات وأغنى أغنياء العالم

مؤثرو اليوم.. ومؤثرو زمان "2"

بدأت معكم قراءة قصة من أهم القصص الملهمة، لكل الأجيال، لمن تعلم منهم بالكتاب، أو من حظي بتكنولوجيا التعليم الحديث، قصة أندرو كارنيجي، الذي كانت بدايته المتواضعة تعكس الصعوبات التي واجهها في مرحلة الطفولة والشباب. فهو من عائلة فقيرة، وعاش في منزل ضيق وظروف مادية صعبة. لم يتلقَ تعليمًا جيدًا وترك المدرسة في سن الثالثة عشرة ليعمل مساعدًا في مطبعة. فقدّر "كارنيجي" قيمة التعليم والمعرفة، وطوّر نفسه بشكل ذاتي من خلال قراءة الكتب والمجلات في وقت فراغه.



كانت دنفرملاين، مسقط رأس أندرو كارنيجي، عاصمة أسكتلندا التاريخية في العصور الوسطى.

 

اشتهرت المدينة لاحقًا بإنتاج الكتان الفاخر، لكنها مرت بأوقات عصيبة عندما أدى التطور الصناعي إلى إهمال النسيج المنزلي، مما ترك عمالًا مثل والده كارنيجي ويل، في ضائقة مالية شديدة لإعالة أسرهم. انضم ويل ووالد زوجته توماس موريسون، صانع الأحذية والمصلح السياسي، إلى الحركة الشارتيستية الشعبية، التي اعتقدت أن ظروف العمال ستتحسن إذا تولت الجماهير الحكومة من طبقة النبلاء مالكي الأراضي. وعندما فشلت الحركة في عام 1848، باع ويل كارنيجي وزوجته ممتلكاتهما لحجز تذكرة إلى أمريكا لنفسيهما ولابنيهما، أندرو البالغ من العمر 13 عامًا وتوم البالغ من العمر 5 سنوات.

 

قررت عائلة أندرو كارنيجي الاستقرار في إحدى ضواحي بنسلفانيا، انتقلوا إلى غرفتين فوق متجر نسيج أحد أقاربهم، والذي تولى والده إدارته، لكن العمل فشل في النهاية، مما جعل الأسرة تحتاج إلى المال مرة أخرى.

 

فعمل الصبي المهاجر في سن الثالثة عشرة، من الفجر حتى الظلام كصبي بكرات في مصنع قطن، يحمل البكرات إلى العمال في الأنوال ويكسب 1.20 دولار في الأسبوع. بعد عام، تم تعيينه كرسول لشركة تلغراف محلية، حيث علم نفسه كيفية استخدام المعدات وتمت ترقيته إلى عامل تلغراف. بفضل هذه المهارة، حصل على وظيفة في سكك حديد بنسلفانيا، حيث تمت ترقيته إلى مشرف في سن الرابعة والعشرين.

 

لم يكن كارنيجي الشاب طموحًا فحسب، بل كان قارئًا نهمًا، واستغل كرم أحد مواطني الضاحية السكنية، الذي فتح مكتبته للفتيان العاملين المحليين - وهي فرصة نادرة في تلك الأيام. على مر السنين، وفرت الكتب معظم تعليم أندرو كارنيجي، وظلت لا تقدر بثمن مع تقدمه السريع في حياته المهنية.

 

كان توماس أ. سكوت، المشرف على سكك حديد بنسلفانيا ورئيسه في العمل، أول من وجهه وأرشده في كيفية استثمار دخله ليكون مليونيراً مستقبلاً، هداه، وأرشده إلى البيع الوشيك لعشرة أسهم في شركة آدامز إكسبريس. فقام برهن منزله، ليحصل على 500 دولار لشراء الأسهم، وسرعان ما بدأت أول دفعة من الأرباح تتدفق.

 

بدأت رحلته الريادية في سن العشرين انتقل "كارنيجي" إلى بيتسبرج وعمل في صناعة القطارات؛ حيث استطاع تحسين مهاراته في مجال الاتصالات والتواصل. ومن خلال صداقاته وعلاقاته في هذا القطاع تمكن من دخول عالم الأعمال وتأسيس شركته الخاصة في صناعة الصلب والحديد.

 

وقد كانت الخطوة المهمة في مسيرته هي تأسيس شركة Carnegie Steel Company في عام 1892. فقد استغل تقنيات التصنيع الجديدة وتبنى أساليب الإنتاج الكفؤة ليصبح سيد صناعة الصلب في الولايات المتحدة. كما وسّع نطاق أعماله واستحوذ على شركات أخرى في صناعة الصلب؛ ما جعله يحقق ثروة هائلة ويصبح واحدًا من أغنى رجال العالم.

 

وسّع نطاق أعماله من خلال الاستحواذ على شركات أخرى في صناعة الصلب. فامتلكت شركته Carnegie Steel Company العديد من المصانع والمناجم والسكك الحديدية، وذلك أتاح له التحكم في سلسلة الإنتاج بشكل شامل.

 

نتيجة لنجاح شركته ونموها السريع أصبح "كارنيجي" واحدًا من أغنى رجال العالم. بلغت ثروته ذروتها وقتها بحوالي 310 ملايين دولار أمريكي؛ ما جعله واحدًا من أثرياء العصر الصناعي.

 

وبعد أن تحقق له النجاح المالي قرر التفرغ للعطاء؛ فتبرع بجزء كبير من ثروته لتأسيس المكتبات والجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى. وأسس مؤسستي "كارنيجي للسلام الدولي" و"كارنيجي للعلم"، وقد تبرع أيضًا لبناء المكتبة العامة في نيويورك.

 

من أبرز الأمثلة الملموسة على أعمال أندرو كارنيجي الخيرية تأسيسه 2509 مكتبة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. من بين هذه المكتبات، بُنيت 1679 مكتبة في الولايات المتحدة. أنفق كارنيجي أكثر من 55 مليون دولار من ثروته على المكتبات وحدها، وغالبًا ما يُشار إليه باسم "راعي المكتبات".

 

يُقال إن كارنيجي كان لديه سببان رئيسيان لدعم المكتبات. أولًا، كان يؤمن بأنه في أمريكا، يمكن لأي شخص لديه إمكانية الوصول إلى الكتب والرغبة في التعلم أن يُثقف نفسه ويُحقق النجاح، كما كان هو.

 

ثانيًا، شعر كارنيجي، المهاجر، بأن الوافدين الجدد إلى أمريكا بحاجة إلى اكتساب المعرفة الثقافية للبلد، وهو ما ستُسهم المكتبة في تحقيقه.. كان هذا السبب الأول والأهم بالنسبة له.

 

نشأ كارنيجي وهو يعمل لساعات طويلة في بيتسبرغ، ولم يكن لديه أي إمكانية للحصول على تعليم رسمي. ومع ذلك، أعار تاجر متقاعد، الكولونيل أندرسون، كتبًا من مكتبته الصغيرة لفتيان المنطقة، بمن فيهم كارنيجي. وكما كتب لاحقًا في مدح أندرسون: "هذا ليس سوى إشادة بسيطة، ولا يُعطي إلا فكرة خافتة عن عمق امتناني لما فعله لي ولرفاقي. لقد أدركتُ من تجربتي الشخصية المبكرة أنه لا فائدة تُرجى من المال الذي يُنفق على خير الأولاد والبنات الذين يمتلكون الخير في داخلهم، ولديهم القدرة والطموح لتنميته، مثل إنشاء مكتبة عامة في مجتمع محلي".

 

تعتبر قصة نجاح أندرو كارنيجي مصدر إلهام للكثيرين حول العالم. فهي تذكرنا بأن البدايات المتواضعة لا تحكم مصيرنا، وأننا قادرون على تحقيق أهدافنا وتجاوز العقبات بالتعلم والعمل الجاد. كما تذكرنا بأهمية العطاء والمساهمة في المجتمع وترك بصمة إيجابية في حياة الآخرين.

 

باختصار: قصة نجاح أندرو كارنيجي تعكس المثابرة والتحدي والإصرار على تحقيق النجاح. إنها قصة رجل عاش في ظروف صعبة، وواجه تحديات عديدة، واستخدم مواهبه ومهاراته لبناء امبراطورية صناعية وترك إرثًا في مجال العمل الخيري يستمر حتى يومنا هذا.

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز