عاجل
الثلاثاء 25 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
مصر ما بعد امتلاك القدرة النووية

استثمار الفرصة بين محطة الضبعة وشرق بورسعيد

مصر ما بعد امتلاك القدرة النووية

قبل عشر سنوات، كان كثير من قطاعات الرأى العام، تستقبل روايات الخطاب الحكومى عن العمل والإنجاز بمشاعر مختلفة، ما بين دوائر تصدق هذه الرواية، وأخرى أثيرة حملات التشكيك من لجان «أهل الشر»، وثالثة تعارض بحجج مثل ترتيب الأولويات، غير أن الفلسفة التي كانت تتحرك بها الدولة، قائمة على «التحرك فى جميع القطاعات بالتوازى»، لتعويض سنوات التنمية الضائعة، وإعادة بناء قدرات البنية التحتية للدولة فى مختلف قطاعاتها.



 

تذكرتُ بعضًا من هذه الروايات، ومنها مثلًا ما كان يردد من تساؤلات بهدف الإثارة والتضليل أحيانًا، مثل «ما العائد الذي يشعر به المواطن مما يُنفذ من مشروعات؟»، وبينما تُجنى الدولة أخيرًا ثمار التحدى والإنجاز فى عدد من القطاعات الحيوية، أبرزها الموانئ والسكك الحديدية والطرق والمحاور وقطاع الطاقة، كما رأينا بعين الواقع الأسبوع الماضى، فى ميناء شرق بورسعيد ومحطة الضبعة النووية.

وهذه مناسبة أسجل من خلالها شهادة ميدانية، عن التحول الجذرى فى قدرات مصر من البنية التحتية خلال السنوات العشر الماضية، من واقع ما رأيت وعايشت فى بورسعيد والضبعة، والرابط بين ما حدث فى القطاعين، إدارة سياسية، وجدت «فرصة» يمكن استثمارها لتغيير الواقع، وتسلحت بإرادة صلبة، فى مواجهة تحديات من الصعب التغلب عليها بحسابات المنطق العادية.

 

الضبعة والحلم النووى

 

إذن نتحدث عن امتلاك الفرصة، والقدرة على استثمارها، هذا ما يمكن به تفسير ما حدث فى منطقة «الضبعة» بمحافظة مطروح، فقبل عشر سنوات اتخذت الدولة المصرية قرارًا استراتيجيًا، بإحياء البرنامج النووى السلمى، بعدّه خيارًا وطنيًا يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، فى ظل أزمات متلاحقة فى مصادر الطاقة التقليدية، فقامت بتوقيع اتفاق مع روسيا، فى 2015، لإنشاء محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء.

 

وبعد مرور عقد من الزمان، كانت مصر أمام حدث تاريخى طال انتظاره على مدى نحو 75 عامًا، حينما شارك الرئيس عبدالفتاح السيسى، ونظيره الروسى، فلاديمير بوتين، عبر الفيديو كونفرانس، فى يوم الاحتفال بالعيد المصري الخامس للطاقة النووية، فى أعمال تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة، إلى جانب التوقيع على أمر شراء الوقود النووى، فى خطوة محورية فى مسيرة استكمال المشروع النووى المصري.

 

وحتى تتضح الصورة، كانت مصر قد سعت منذ خمسينيات القرن الماضى، لامتلاك برنامج نووى سلمى، وحاولت الاتفاق مع أطراف دولية من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وكوريا والصين، غير أن الظروف السياسية الدولية والإقليمية، حالت دون تحقيق هذا الطموح، ومرت رحلة الحلم النووى بمحطات عديدة فى حقب زمنية مختلفة، لكنها دائمًا ما كان مصيرها التجميد، إلى أن أعادت الدولة إحياء ذلك المشروع بالاتفاق مع شركة «روس أتوم» الروسية فى نوفمبر 2015، بإقامة محطة الضبعة النووية لإنتاج الطاقة والكهرباء.

 

مع توافر الإرادة السياسية والإصرار على التنفيذ، بات «الحلم النووى» حقيقة لأول مرة فى مصر، والشاهد هنا، أن الحلم الذي سعت له الدولة على مدى أكثر من نصف قرن، استطاعت الإدارة السياسية الحالية تحقيقه فى عشر سنوات.

 

والواقع لا يمكن قصر النظر لهذه الخطوة، باعتبارها مرحلة من مراحل تنفيذ المشروع، أو أن أهمية المحطة تكمن فقط فى حجم إنتاجها من الطاقة الكهربائية البالغة 4800 ميجا واط، وإنما فيما هو أبعد من ذلك بكثير، ليشمل الأبعاد التالية:

 

- أولًا: يضع المشروع مصر ضمن قائمة الدول التي تعتمد على الطاقة النووية كركيزة للنمو طويل الأجل، ذلك أن الطاقة النووية من المصادر المستقلة منخفضة التكاليف والتشغيل، وتستمر المحطة فى العمل لمدة تصل إلى 80 عامًا، ما يعنى استثمارا ممتدا عابرا لثلاثة أجيال، وبالتالى سيكون أحد أكثر المشاريع استدامة.

- ثانيًا: يجسد المشروع، قيمة استراتيجية للدولة المصرية، ويعد الأكبر فى تاريخ مصر، بالنظر لحجم الاستثمار وعمق التكنولوجيا، والأثر طويل المدى على الاقتصاد، والأهم تأثيره الجيوسياسى، كما أنه من المشروعات القليلة التي تتكامل فيها الطاقة والصناعة والتعليم والتخطيط فى مسار واحد.

 

- ثالثًا: لا يمكن اختزال المشروع فى محطة كهرباء فقط، وإنما يؤسس لقطاع نووى كامل، يعيد تشكيل القدرات المصرية لعقود قادمة، فى قطاعات الطاقة والمياه والزراعة والبيئة، وكلها قطاعات حيوية للدولة المصرية.

- رابعا:يجسد المشروع نقلة نوعية فى مسار توطين المعرفة، بإعداد جيل جديد من الكوادر الوطنية، فى تخصصات الطاقة النووية والتصنيع الثقيل، والتكنولوجيا.

 

استثمار الفرصة فى بورسعيد

 

الفرصة وحسن استثمارها، معنى كان حاضرًا أيضا فى بورسعيد الأسبوع الماضى، حيث كنا على موعد مع افتتاح عدد من المحطات البحرية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بميناء شرق بورسعيد، غير أن الفارق كان فى شكل التحدى وآلية التغلب عليه.

 

فى الطريق من القاهرة إلى ميناء شرق بورسعيد، الأسبوع الماضى، كانت رحلة شاهدة على أيادى التنمية ومشروعات البنية التحتية، التي يعود نفعها على آلاف المستفيدين يوميًا، وهنا أتحدث أولاً عن محور 30 يونيو، كشريان يربط محافظات إقليم القناة، ويحقق التواصل الاستراتيجى بين 4 أقاليم تنموية (قناة السويس والدلتا والقاهرة والبحر الأحمر)، وأهم ميزة يحققها، تقليل زمن الرحلة بين مدن القناة، وهذه كانت التجربة الأولى فى رحلة الذهاب إلى بورسعيد.

 

أما المحطة الثانية، فكانت تجربة العبور من غرب قناة السويس لشرقها، عبر أحد أنفاق «تحيا مصر»، وهى أحد أبرز المشروعات الاستراتيجية التي أقامتها الدولة خلال العقد الماضى لربط سيناء بالدلتا، والواقع أن التجربة كانت غنية برسائلها، ليست فقط فيما قدمته من خدمة العبور من غرب القناة لشرقها فى عدة دقائق فقط، وإنما فيما تجسده من ملحمة هندسية وتنموية، والأهم بعدها الاستراتيجى كشريان لتنمية سيناء.

 

نقطة التوقف الأخرى، كانت فيما رأيت بعد عبور نفق القناة، وتحديدًا مشروعات إعادة تأهيل التربة والأراضى المحيطة بالمحاور المرورية، لاستثمارها زراعيًا وفى مشروعات استزراع سمكى.. غير أن ما لفت الانتباه وأثار التساؤل فى نفس الوقت، كان طبيعة «التربة الطينية»، التي يصعب معها استخدام الآلة، سواء فى الزراعة أو إقامة مشروعات نقل للربط مع ميناء شرق بورسعيد، وهنا راودنى السؤال، كيف استطاعت الدولة إقامة ميناء بهذا الحجم، على تربة طينية بهذا الشكل؟!.

 

لم يكن هذا تساؤلاً عابرًا، بل سعيت بإصرار البحث عن إجابة له، بمجرد الوصول إلى ميناء شرق بورسعيد، ومقر المحطات البحرية لهذا الميناء، كمنصة لوجستية مهمة لتداول السلع وتجارة الترانزيت، فى منطقة محاطة بتربة ضعيفة لا تتحمل أى معدات، والواقع أن الإجابة جاءت سريعًا، حينما تحدث وزير النقل، كامل الوزير عن ذلك التحدى، عند التفكير والبدء فى إنشاء الميناء، ذلك أنه إشار إلى «تدخل هندسى متقدم، لإنشاء قاعدة صلبة، وصولاً لتصميم بنية تحتية أساسية، قادرة على دعم أرصفة بطول 18 كيلومترًا، وهى نقطة محورية لتحويل الميناء من فكرة على الورق، إلى واقع ملموس.

 

المفاجأة ليست فى الميناء نفسه، ولكن فى موقعه ومحوريته فى حركة تجارة الترانزيت، ذلك أنه يصنف الأول على مستوى أفريقيا، والثالث عالميًا فى تداول الحاويات.. وهذه نقطة التوقف التي أشار إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى، عن الفلسفة التي سعت من أجلها الدولة استكمال المشروع، حينما أشار إلى «الدولة كان لديها فرصة للاستفادة من الموقع، وهو ما تحقق بالفعل».

 

هذه الفرصة، هى نفسها، التي دفعت الإدارة السياسية، قبل عشر سنوات، لتدشين مشروع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لتعظيم الاستفادة من المجرى الملاحى، بإقامة مشروعات صناعية، ومناطق لتوطين صناعات مختلفة، فاجتذبت مئات الاستثمارات، ذلك أن حديث الأرقام يشير إلى أكثر من 21 مليار دولار حجم استثمارات، بواقع نحو 504 مشاريع، من حوالى 29 دولة، توفر أكثر من 140 ألف فرصة عمل، بل إن رئيس الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، أشار إلى أن آخر 30 يومًا، اجتذبت المنطقة نحو 800 مليون دولار، بواقع 19 مشروعًا.

 

والخلاصة، أننا نتحدث عن معادلة لتغيير الواقع، توافرت فيها رؤية قائمة على استثمار الفرص المتاحة فى كل قطاع، مع إرادة صلبة وإصرار على الإنجاز، فكانت النتيجة التحديث والتطوير وبناء قوى الدولة الشاملة، وصولًا لمرحلة جنى الثمار بمشروعات تقدم مصر الحديثة بصورة ذهنية مختلفة، كمحطة الضبعة النووية وميناء شرق بورسعيد، ومن قبلهما القطار الكهربائى، والمتحف المصري الكبير.

 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف 

 

 

 
 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز