

هاني لبيب
20 سنة من العصيان الفكرى والتمرد الوطنى!
الاحتفال بمرور 20 سنة على إصدار جريدة «روزاليوسف» ليست مناسبة احتفالية بالنسبة لى.
بل هى فى الحقيقة.. التوقف عند واحدة من أكثر التجارب الإعلامية المصرية جرأة وإصراراً على البقاء فى زمن المتغيرات السياسية والتحولات الفكرية.
شكلت تجربة «روزاليوسف» الجريدة تحديداً.. حالة فريدة، لا تخضع للمتناقضات الثنائية المعتادة التي تضع الإعلام إما فى خانة التأييد أو الرفض. لقد اختارت «روزاليوسف» الجريدة منذ اصدارها سنة 2005 طريقاً ثالثاً أكثر صعوبة، ولكنها أثبتت أنه الطريق الوحيد للنجاة من الانقراض المهنى والفكرى.
أتذكر أننى فى مثل هذه الأيام قبل 20 سنة.. وتحديدًا فى 17 أغسطس 2005 كتبت أول مقال لى بجريدة «روزاليوسف» الجديدة تحت عنوان (إلى أصدقائنا فى حركة كفاية: كفاية!).
وعلى الرغم من أننى كنت أكتب مقالات فى أماكن أخرى مصرية ودولية، ولكن أذكر جيداً أنه عندما دعانى الصديق الراحل عبدالله كمال للكتابة بالمجلة، ثم بالجريدة الجديدة الشابة حينذاك أننى قد تأخرت كثيراً فى تلبية الدعوة حينذاك حتى إن شجعنى كثيراً الصديق الخلوق أسامة سلامة، وهو ما تكرر فى تجربة كتابة العمود اليومى بالجريدة فيما بعد.. وذلك احتراماً ورهبة من الالتحاق بمدرسة «روزاليوسف».
وعلى مدار كل هذه السنوات.. ترسخت حقيقة مؤكدة لدى، وهى أن مدرسة «روزاليوسف» تمثل نموذجاً للتأثير قبل التوزيع، كما أنها تظل على مدار السنوات تمثل تجربة شبابية مستمرة.
سيذكر التاريخ أن ظهور «روزاليوسف» اليومية فى سنة 2005.. قد تسبب فى حالة «ربكة» لدى العديد من الجرائد والمجلات سواء على مستوى السياسات التحريرية أو على مستوى توجهات أصحاب الآراء بها.
وهو الأمر الذي جعلها دائماً فى مواجهة غيرها، كما جعل غيرها دائماً فى مقارنة معها.. خاصة فيما يتعلق بالتفاعل اليومى مع معطيات الحياة السياسية المصرية سواء على المستوى الداخلى أو على الصعيد الخارجى.
وعلى الرغم من حداثة «روزاليوسف» اليومية نسبياً فى تلك الأيام؛ فإنها قد وجدت لها مكانة ثابتة يومية لا يمكن إغفالها أو تهميشها بين هذا الكم الهائل من الجرائد والمجلات اليومية والأسبوعية والشهرية والربع سنوية.. مثلما هى الآن في مساحة مختلفة عن غيرها.
منذ انطلاقها قبل 20 سنة، لم تكن «روزاليوسف» جريدة تتوافق وتتناسب مع مدمنى الصمت.
بل كانت دائماً مشاغبة وناقدة، ولا تملك رفاهية المجاملة.. لكنها تشتبك دون أن تهدر طاقتها فيما لا جدوى منه.
وفى الوقت نفسه، تدعم الدولة دون أن تبرر الأخطاء، وتنتقد السياسات دون أن تدعو إلى الفوضى.
منذ تأسيس «روزاليوسف» فى عشرينيات القرن العشرين، لم تتنازل يوماً عن حرية الرأى والتعبير كقيمة أساسية، وليست مجرد شعار.
واتخذت موقفاً ثابتاً ضد المصادرة الفكرية وضد الحسبة، وظلت منبراً للحفاظ على الوعى الجمعى، تصدر لتؤثر سياسياً وتقود فكرياً.
أتفق مع فكرة أن الجرائد الورقية قد فقدت بريقها، ولكن تظل «روزاليوسف» منصة تفكير نقدى.. تحتل مساحة خاصة.. ليست هى لسان حال السلطة، كما أنها ليست احدى أدوات السوشيال ميديا.
وهو توازن صعب.. جعلها تخوض معارك بقاء ووجود، معارك مركزها الأساسى هو المواطن بشكل عام، والقارئ الذي يميل إلى الاستقطاب بشكل خاص.
بعد 20 سنة على الإصدار الثانى لجريدة «روزاليوسف»، وحوالى قرن على التأسيس، ننظر لتلك المؤسسة العريقة ليس بصفتها مجلة وجريدة، بل كمدرسة مهنية.. فكرية سياسية، جمعت بين صحافة الرأى والتحقيق، وبين التحليل والاشتباك مع الواقع، وبين التراكم المعرفى والرؤية الاستشرافية من خلال مقالات لكبار الكتاب والمثقفين والمفكرين.
قدمت نموذجاً فريداً لـما أطلقت عليه «المعارضة الوطنية»، التي لا تقتصر على التوصيف، بل تحدد جذور التحديات، وتحمل المؤسسات مسؤولياتها، ولا تحول من تختلف معه إلى عدو رمزى.
مشهد الواقع الإعلامى الآن معقد جداً، والخطاب السائد أصبح استهلاكياً.
وهنا.. تبقى «روزاليوسف» خطاً فاصلاً بين التمسك بالوعى ورفض الانحراف نحو التزييف أو الفوضى. ولذا، فهى تمثل مدرسة فنية وفكرية وسياسية.. تعتنق أقصى درجات حرية الرأى والتعبير.
وهى بوابة العبور لكل مفكر ومثقف وسياسى وفنان وناقد للتعبير عن أفكاره واسهاماته.. كمنبر حقيقى للدفاع عن الدولة المدنية المصرية.
اعتمدت مبدأ العقلانية.. كمنهج للتفكير للفصل التام بين الدين والدولة؛ حفاظاً على عدم توظيف أحدهما للآخر.
وعدم الربط بين الدين بما يحمله من مبادئ إنسانية ثابتة، وبين العلم بمتغيرات نظرياته ومعادلاته السريعة.
نقطة ومن أول السطر..
من لم يكتب فى «روزاليوسف».. لم يعرف شغف الكتابة وسحرها. وما لم تتناوله من قضايا وملفات على صفحاتها بالنقاش والتحليل والنقد؛ ليس ذا أهمية. «روزاليوسف» هى الإبداع على الورق الذي حفظ لنا ذاكرتنا التاريخية والوطنية.
فى «روزاليوسف».. المهنية لا تعنى التخلى عن القيم والمبادئ، والصحافة الجيدة هى التي تحب الوطن… لكن لا تجامل أحداً باسمه.