عاجل
الثلاثاء 2 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
"فنانون.. ضمير عصرهم".. عادل إمام

"فنانون.. ضمير عصرهم".. عادل إمام

"إن معرفة ماهية الثقافة ودراستها باستمرار أمرٌ بالغ الأهمية، لأنها تُبقيني مُلاحظًا، مُفكرًا بحرية، مُبدعًا، عاقلًا، مُتعلمًا، مُنتجًا، مُتطورًا، مُتساءلًا، مُتمردًا، وفي الوقت نفسه، أسعى دائمًا للبقاء على تواصل مع من حولي".. الكلمات للنجم الأمريكي والمخرج السينمائي جيمس موريسون المحاضر في كلية الإعلام بجامعة بورنموث في إنجلترا.



 

في بداية تسعينيات القرن الماضي عدت من غربتي الثانية في العاصمة البريطانية حاملاً معي مسؤولية إصدار مجلة "هنا لندن" من القاهرة، التي كانت تصدرها هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وكانت تطبع في بدايتها ببيروت، ثم انتقلت للطباعة في لندن بعد الحرب الأهلية اللبنانية.

 

 

عدت وفي صحبتي الإنجليزي المشرف على تحريرها "كين ويتنهام"، لحضور طباعة العدد الأول من الإصدار القاهري، وفي جعبته مخطط لاحتفالية يعلن فيها عن الانطلاقة الجديدة، بأحد أفخم فنادق العاصمة يدعو إليها علية القوم من سادة العلم والفن. المدهش أن ويتنهام يتحدث العربية بطلاقة وبلهجة أبناء المناطق الشعبية من الدرب الأحمر، أو الجمالية، السيدة زينب، المغربلين، ومصر القديمة، ليس هذا بغريب، فالرجل تعلم اللغة العربية عند حضوره لمصر لدراسة اللغة لمدة عامين في بداية السبعينيات في كواليس وأروقة مسرح الحرية بالشيخ ريحان، وكوته بالإسكندرية، حيث تعرض مسرحية "مدرسة المشاغبين" التي قدمتها فرقة الفنانين المتحدين عام 1973، وقتها تقرب الطالب الإنجليزي من الممثل عادل إمام وأصبحا صديقين.

 

 

بعدها بحوالي عشرين عاماً، عاد الخواجة الإنجليزي لمصر، كما كان يطلق عليه الممثل عادل إمام وهو في شوق للقاء صديقه وأستاذه في النطق بالعربية النجم الأول جماهيرياً. لبى النجم عادل إمام، دعوة صديقه الخواجه الإنجليزي لحضور حفل الإعلان عن انطلاق مطبوعة "هنا لندن" من مصر، وفي استقباله بالقاعة الكبرى بروف الفندق الشهير شاركت ويتنهام في الترحيب بالنجم المتألق عادل إمام.

 

 

في فندق هيلتون النيل، رافقت النجم، وتابعته وهو يجول بنظره في الحضور، ليقع اختياره على شخصيات من رواد الثقافة في بلدنا يستأنس بهم، ويروي حقل المعرفة عنده بالحديث إليهم، أنيس منصور، سمير سرحان، ويوسف إدريس، وقتها علمت من صديق العمر د. سمير سرحان، أن عادل إمام يعمل منذ فترة على تعليم وتثقيف نفسه من خلال مصادقته للكتاب والأدباء، مؤمنا للغاية بأهمية أن يكون الممثل مثقفًا، واسع المعرفة، وفضوليًا تجاه العالم، وأن هذه الصفة حيوية لتنمية التعاطف، وفهم الشخصيات المتنوعة، وإضفاء العمق والأصالة على أدائه.

 

 

لم يستمر لقائي بالنجم الكبير طويلا، ولم يتخط القرب منه أو يتعدى إلا هذه الساعات القليلة، وأنا أراقب مشاعره المترابطة، وهو يصغي باهتمام وتطلع وإعجاب لدردشة وتعليقات أدبائنا الكبار، ويومها قررت متابعة هذا الفنان.. ولا أنسى حديثاً إذاعياً له عام 1979 تحدث فيه عن أمنيته في تقديم روايات مسرحية من تأليف كتاب مسرحيين كبار أمثال يوسف إدريس وأنيس منصور وعن سعيه لإقناعهما بالعودة للكتابة روايات مسرحية له في تلك الفترة، هذا الحديث في عز نجاحه التجاري في مسرحية "شاهد ماشافش حاجة"، ولكن يدل على مدى وعي عادل وأنه يريد أن يقدم كوميديا ذات بعد اجتماعي وفكري.

 

 

نجح عادل إمام في أن يكون فنانا مثقفا تجاوز دائرة ذاته ليصل إلى المجتمع الأكبر، وأن يجعل مشاكل الآخرين هموما شخصية له فأصبح ضمير عصره، بقراءته في كل المجالات، التاريخ والسياسة والروايات والفن والشعر وغيرها، كان صديقا لهيكل وأسامة الباز ويوسف إدريس وفرج فودة الذي كان زميلا له في كلية الزراعة، بجانب صداقته بالمفكر فرج فودة، وتأثره بوفاته لدرجة أنه هتف في جنازته: «بلادي، بلادي»، وفي جلسات خاصة مع أصدقائه يحكي عن الجبرتي ويلقي بعض النصوص التي يحفظها عنه وأيضًا يحفظ أشعار بيرم التونسي.

 

 

بثقافاته وفنه أثرى عادل إمام في وجدان الشعب المصري والعربي، لم يكن فقط صانع ضحكة، بل كان ضميرًا فنيًا حيًا، يعبر عن الوطن وهمومه وآماله، وعادل إمام هو البسمة التي رافقت الأجيال، وصوت الناس في زمن الصمت، وذاكرة لا تمحى من وجدان العرب. صاحب رأي وموقف وقضية، وقد برز ذلك بوضوح في العديد من أعماله الفنية التي ناقشت الإرهاب، والفكر الظلامي، وتحديات الدولة المصرية.

 

وعن فنانينا والثقافة.. أكمل الحديث.

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز