عاجل
السبت 16 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

تفاصيل العدد التذكاري لجريدة روزاليوسف...أقرأه هذا الاسبوع

 أصدرت جريدة روزاليوسف الاسبوعية، اليوم، عددًا تذكاريا بمناسبة مرور 90 سنة علي الإصدار الأول، و20 عامًا علي الإصدار الثاني للجريدة .



 

تناول العدد مقالات بارزة لكبار كتاب الجريدة الراحلين، وعلى رأسهم مقال السيدة فاطمة اليوسف الموسسة وئيس تحرير الأصدار الأول، والأستاذ عبدالله كمال أول رئيس تحرير للأصدار التانى.

 

كما تناول العدد مقالًا للكاتب الصحفي حمدى رزق، والذي تحدث فيه عن سيرة الكاتب الصحفي الكبير الراحل عبدالله كمال..

 

وكتبت أسرة التحرير: "ذهبنا إلى النصف الأول من القرن العشرين، تحديدًا 25 فبراير 1935، نستقبل مع الرائدة فاطمة محمد محيى الدين اليوسف، مولودها الثانى «جريدة روزاليوسف اليومية»، نرقب مخاضها، نتحسس خطواتها فى مراحلها العمرية ودورها المهنى ومعاركها التنويرية، ومواقفها الوطنية، فإذا بها ولدت فتية، صاغ الدكتور محمود عزمى رئيس تحريرها سياستها التحريرية، بين «ندرة» تدثرت بالمهنية والحرفية والاستقلالية، مستهدفة إنارة الرأى العام، فى لحظة تاريخية، احتشدت فيها الأمة المصرية، لتكسر قيود الاحتلال البريطانى، سعيًا لتحرير الإرادة والأرض.

 

اتخذت من مقولة زعيم الوفد حينها مصطفى النحاس شعارها: «من كذّب الأمة أو داخله فيها الشك فليس منها»، وعلى مدار تاريخها آمنت بالأمة المصرية، شعب مصر العظيم الذي لم يخذل يومًا قائدًا وطنيًا آمن به.

 

لم تكن مجرد جريدة بل وثيقة وطنية، ومدفعية ثقيلة تهدم حصون الفكر الضال وتذود بالكلمة والرأى الحر عن الثوابت الوطنية، عادت للصدور فى ١٥ أغسطس 2005، بعد توقف دام 69 عامًا، لتواصل دورها التنويرى بقيادة الأستاذ المؤسس للإصدار الثانى عبدالله كمال.

 

واصلت مواجهة التطرف، ومعارك التنوير، أنجبت نخبة من الكوادر المهنية، حذرت مما يحاك للوطن من مؤامرات، ودعمت ما يتخذ من إجراءات تعزز قدرتها الشاملة.

 

وثّقت أخطر الأحداث والحوادث السياسية، فى عقدين من الزمان هما الأخطر فى تاريخ مصر الحديث لما شهداه من تلاطم أمواج السياسة وتهديدات لثوابت الدولة الوطنية، وجهود المؤسسات الوطنية لإنقاذ الوطن بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي.

 

على صفحات هذا العدد التذكارى، وبمناسبة الذكرى العشرين لميلاد الإصدار الثاني، نصحبكم فى سباحة سريعة، عبر صفحات من تاريخ مصر، من مواجهة الاحتلال والملكية ١٩٣٥، إلى بناء الإنسان واقتلاع جذور الإرهاب وبناء الجمهورية الجديدة.

 

ونطلق فى هذا العدد أولى ندوات سلسلة تعزيز الوعى، للاستفادة من الماضى بخبراته، لمواجهة الحاضر بتحدياته، أملًا فى بلوغ مستقبل أفضل بتوقعاته لمصر وشعبها العظيم".

 

افتتاحية العدد الأول للجريدة 25/ 2/ 1935

وتناول عدد الجريدة هذا الاسبوع، افتتاحية العدد الأول للجريدة في 25/ 2/ 1935، وجاءت كالآتي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

باسمه وبعونه تبدأ هذه الصحيفة مهمتها لتأخذ مكانها فى الصحف، تحت راية الجهاد فى سبيل مصر وهى الراية التي حملها سعد ثم تلقفتها يد خليفته النحاس، فأبقتها عالية، مصانة فى حصنها المنيع.

 

ها هى «روزاليوسف» اليومية بين يدى القراء عروس بلا مهر، ومجهود بلا ثواب، تحمل شعبة من روحى وتزينها وتنشر فيها أقلام مصرية محيرة، يأتى فى مقدمتها عباس محمود العقاد، الكاتب المجاهد، رجل الأخلاق وأمير البيان، ويتوارى فى نهايتها تواضعًا محمود عزمى الصحفى القدير والكاتب المقدر.

 

وشعارنا اليوم هو شعارنا بالأمس، وهو الشعار الذي صهرته الحادثات الجسام فى بوتقة التضحية، فخرج فى صلابة الحديد وتواضع الرصاص، وحملته «روزاليوسف» الأسبوعية عشرة أعوام ولم تعلق به لوثة أو غبار.

 

ومبدؤنا مبدأ الوفد الأمين .. وهذا حسبى وكفى".

 

مقال السيدة فاطمة اليوسف

كما تناول العدد مقال السيدة فاطمة اليوسف آنذاك، وجاء كالآتي:

 

روزاليوسف اليومية بقلم فاطمة اليوسف

نويت أن أصدر جريدة يومية كبرى.

وذهبت أستخرج رخصة الجريدة باسم روزاليوسف اليومية ومرة أخرى اعترض الكثيرون من أصدقائى على اختيار هذا الاسم، ولكنى وجدت أن روزاليوسف، قد أصبح اسما معروفًا، وأن وضعه على الجريدة اليومية سوف يغنينى عن حملة الإعلانات الضخمة التي سيكون علىّ القيام بها لو اخترت للجريدة اليومية اسمًا جديدًا.

 

وبدأت أفكر فى رئيس التحرير الذي يمكن أن أستعين به.. واتجه ذهنى أول الأمر إلى الأستاذ فكرى أباظة.. وفعلا اتصلت به وعرضت عليه العمل.. ونظر إلىّ فکرى مندهشا لا يكاد يصدق أننى أقدم على هذا العمل.. ولما أزلت دهشته قال إن الجريدة ستكون وفدية طبعا، وإنه كعضو فى الحزب الوطني لا يستطيع أن يكون رئيس تحرير جريدة يومية تنطق بلسان الوفد.. وقلت إن الجريدة وإن كانت ميولها وفدية، إلا أنها مستقلة إلى حد كبير، والوفد - كالحزب الوطني - يتزعم مقاومة إنجلترا التي نتفق جميعًا على معاداتها.. ولكنه تمسك بموقفه واعتذر مرة أخرى.

 

ورشح لى بعض الأصدقاء الدكتور محمود عزمى.. وكان الدكتور عزمى يكتب هو والأستاذ العقاد فى الجهاد جريدة الوفد الصباحية الأولى.. ولكنهما كانا مختلفين مع الأستاذ توفيق دياب صاحب الجهاد والتقيت الدكتور عزمى وشرحت له الفكرة فرحب بها.. وتحمست السيدة زوجته لفكرة خروجه من الجهاد. واتفقنا على أن نلتقى فى مكتب الأستاذ إبراهيم عبد الهادى - المحامى لنكتب العقد.

 

وقد أبدى لى الأستاذ إبراهيم عبدالهادى تخوفه من الدكتور عزمى وقال لى إننى لن أرتاح فى العمل معه.. ولكننى طمأنته.. وجاء الدكتور عزمى وكتبنا العقد وكان يقضى بأن يكون مرتبه الشهرى ستين جنيها.. فضلا عن خمسين قرشا عن كل ألف نسخة توزع بعد العشرة آلاف نسخة الأولى.. على أن يبدأ العقد من أول مارس ١٩٣٥ وعلى أن يكون الأستاذ إبراهيم عبد الهادى هو الحكم بيننا إذا اختلفنا فى تفسير العقد.. وطلب الدكتور عزمى مرتب شهرين مقدما دفعتهما له فورا... وبدأ يتردد على الإدارة ويشاركنى فى الاستعداد لإصدار الجريدة.

 

فكرت فى أن أضم الأستاذ العقاد أيضًا إلى أسرة الجريدة وذهب إليه رسول يجس نبضه.. وسأله العقاد:

 

الجورنال حيكون اسمه إيه؟

 

روز اليوسف اليومية

 

لا.. أنا لا أعمل فى جورنال يحمل اسم واحدة ست!!

 

ولكن الرسول لم ييأس من هذا الموقف فمضى يفاوضه.. وعدل الأستاذ العقاد عن موقفه نظير بعض الشروط المالية: أن يكون مرتبه ٨٠ جنيها فى الشهر -وكان مرتبه فى الجهاد 70 - وأن يأخذ مرتب أربعة شهور مقدما تخصم من مرتبه بالتقسيط - 20 جنيها كل شهر - وأن تكون سياسة الجريدة وفدية.

 

ووافقت على هذه الشروط كلها، وكانت شروطى أن يكتب مقالا افتتاحيًا كل يوم وصفحة أدبية كل أسبوع.

 

وكتبنا العقد فى مكتب الأستاذ إبراهيم عبد الهادى أيضًا ونص فيه أن سياسة الجريدة وفدية.

 

وقد عاتبت الأستاذ العقاد بعد ذلك على كلمته عن العمل فى جريدة تحمل اسم سيدة، فقال إنه لم يقصد إلى كونها تحمل اسم سيدة، بل كان اعتراضه على تسمية الجريدة باسم شخص أيا كان، ولو كانت الجريدة تحمل اسم سعد زغلول نفسه لأبدى نفس الملاحظة.

 

خرج محمود عزمى والعقاد إذن من الجهاد لينضما إلى تحرير الجريدة الجديدة وخرج بعدهما توفيق صليب سكرتير التحرير ليكون سكرتير التحرير «روزاليوسف».. فأدى ذلك إلى أزمة عنيفة كانت لها آثار بعيدة.. فقد كان عزمى والعقاد هما أكبر كاتبين فى الجهاد وخروجهما إلى جريدة منافسة توشك على الصدور إضعاف له بغير شك وكان الجهاد، هي الجريدة المقربة إلى الأستاذ مكرم عبيد سكرتير الوفد وصاحب الكلمة العليا فيه.. وكان ثمة فتور بين مكرم من ناحية وماهر النقراشى من ناحية أخرى.. فظن مكرم أن ماهر والنقراشى يدفعانى إلى إصدار الجريدة إضعافا لتوفيق دياب ولـ«الجهاد، التي يوجهها مكرم، فى حين كان ماهر يكتب فى كوكب الشرق التي تصدر مساء. ولم يكن هذا الظن على شيء من الصحة، فقد أصدرت الجريدة اليومية كما أصدرت المجلة الأسبوعية بغير دافع إلا من نفسى.. واستطاع مكرم أن يقنع مصطفى النحاس بذلك فتكونت لديه فكرة ضد الجريدة قبل صدورها.. خفف منها بعض الشيء زيارة قام بها العقاد للنحاس.. أوضح له فيها أن الجريدة الجديدة وفدية كالجهاد... وأنه يخدم بقلمه نفس المبدأ الوفدى فى المكان الذي يريحه، وكان ثمة سبب زاد تشكك النحاس فى الجريدة.. هو ما أشرت إليه من قبل من مهاجمتى لوزارة توفيق نسيم بعنف فى الوقت الذي كان الوفد فيه يهادن وزارة توفيق نسيم ويسندها.

 

واستدعانى مصطفى النحاس لمقابلته.. وذهبت إليه فى بيت الأمة.. وكان يجلس على مكتب سعد زغلول، وقد وضع فى عروة جاكتته وردة حمراء يانعة - وكان قد تزوج حديثا فلم يكد يرانى حتى لوح بالمجلة فى يده وصاح فى وجهى: إيه القرف اللى انتو كاتبينه؟

 

ودهشت لهذه المفاجأة، فوقفت ذاهلة لحظة ثم قلت: فيه إيه يا باشا؟

 

فصاح: وزارة توفيق نسيم جابها الإنجليز والسراى.. وهى التي تؤجل عودة الدستور.

 

فقاطعنى قائلا: لا يا ستى.. أنا ما أحبش تناقشينى فى السياسة.. انت يعنى عايزه محمد محمود وصدقى يرجعوا؟.

 

إحنا تعبنا وخرجت قبل أن يتم حديثه.. وكلمة إحنا تعبنا التي أسمعها منه لأول مرة ترن فى أذنى وما تزال إلى الآن وقد شعرت أن هناك شيئًا يباعد بينى وبين الوفد.. وإن بقيت المجلة وفدية، وبقيت الخطة المقبلة للجريدة اليومية مبنية على تأييدها للوفد.

 

وهدأت أزمة خروج العقاد وعزمى من الجهاد لتنشب أزمة أخرى.

 

فقد كنت عازمة على أن تصدر الجريدة صباحية، وكان هذا أيضًا مما يسىء إلى الجهاد التي كانت تصدر صباحية.. وطلب مكرم عبيد أن تصدر الجريدة مسائية ولكنى رفضت.

 

وكانت العادة قد جرت على أن يذهب كل من يريد أن يصدر جريدة أو مجلة وفدية إلى مصطفى النحاس بوصفه زعيما للوفد.. يستأذنه فى الصدور، ويستمع إلى نصائحه وتوجيهاته، ويتلقى تأييده الأدبى.. وعقدت العزم فى أول الأمر على ألا أذهب إليه.. متأثرة بمقابلته السابقة لي.. ولكن الأستاذ العقاد أقنعنى بأن أنسى هذه المقابلة، وأن أذهب لزيارته كالعادة.

 

وفعلا.. ذهبت مع الدكتور عزمى بوصفه رئيسًا للتحرير لمقابلته.. وما إن دخلنا عليه حتى قلت له: إن شاء الله تكون راضى يا باشا.

 

فأسرع يقول: لا يا ستى أنا مش راضى.

 

قالها بطريقته البسيطة - بين المداعبة والجد التي تنم عن قلب أبيض ونية خالصة.. وهى طريقة يمكن أن يتقبلها أى إنسان بلا غضب.. فضحكت. واستطرد

 

قائلا: انتو حتمشوا فيها زى المجلة؟

 

فقلت: زى ما أنت عايز يا باشا.

 

فرضى قليلا ثم قال: وحتطلعوا الصبح ليه؟

 

فشرحت له الموقف. وكيف أننا سنطبع الجريدة فى مطابع البلاغ، ولما كانت البلاغ، تصدر مسائية فلا بد أن تصدر روزاليوسف صباحية.. فبان عليه الاقتناع.. وإن بدا أنه اقتناع غير كامل.

 

وتحدثنا بعد ذلك عن السياسة العامة طويلا ثم صافحته وانصرفت، ولم أكن أعلم أن هذه هى آخر مرة أقابل فيها مصطفى النحاس.. حتى كتابة هذه السطور على الأقل!

 

ومضت بنا دوامة الاستعداد لإصدار الجريدة.. وكنت مصممة على أن تولد من يومها الأول جريدة كبرى لا ينقصها شيء.

 

وجمعت لها أسرة تحرير ضخمة ضمت أبرز المحررين فى ذلك الوقت.. كان الدكتور محمد أبو طايلة رئيسًا لقسم الأخبار والدكتور رياض شمس رئيسا لقسم الأحاديث والدكتور محمد على صالح يحرر صفحة التجارة والصناعة.. وكان محمد على صالح يحرر صفحة التجارة والصناعة.. وكان سكرتير التحرير توفيق صليب.. وكان بين المحررين المخبرون كامل الشناوى وكان له دور كبير سيجيء حديثه فيما بعد، ولطفى عثمان وعبد الصبور قابيل وراغب عبد الملك ومحمد حسنين مخلوف وحبيب جاماتى وعلى بليغ.. صفحة السينما يحررها أحمد كامل مرسى وصفحة الشباب يحررها يوسف حلمى.. وصفحات التسلية والصور والمجتمع يشرف عليها زكى طليمات الصفحة الشرقية يحررها جميل الرافعى وصفحة الأطفال تحررها أبلة زوزو السيدة زكية عبد الحميد - وصفحة الأوراق المالية الأستاذ نجيب ولاية.

 

وكان مصور الجريدة الأستاذ محمد يوسف ورسامها للكاريكاتير رفقي.. وجعلت لها مندوبًا فى لندن الأستاذ محمد نجيب.. ولست أذكر عشرات آخرين فى أقسام الترجمة والتحرير والتصحيح وفى الإسكندرية والأقاليم.

 

ولم تكن الصحافة اليومية قد عرفت قبل ذلك جريدة تحمل هذا السخاء فى الأبواب.. وأبواب جديدة تماما على الصحافة اليومية كأبواب الأطفال والتسلية.. ولم تكن الصحف اليومية قد حملت قبل ذلك رسمًا كاريكاتيريا قط.. حتى الأزهر كان له باب.. وعرفت الصحافة فيها أيضًا التعقيبات الصغيرة الخاطفة التي شاعت الآن.. كان يكتبها كامل الشناوى ويوسف حلمى.

 

وانقطعت مع الأستاذ زكى طليمات والمرحوم رفقى لرسم خطوط تبويب ترتيبها بالمجلات.. الصحافة السياسية فيها هى الصفحات الأولى المتوالية لا الجريدة بصفحاتها الست عشرة.. وكان تبويبها فريدا لم يتكرر بعدها.. إذا جعلنا صفحات الوسط كما هو شائع فى الصحف اليومية الآن.

 

وحددنا يوم ٢٥ فبراير 1925 موعدا لصدورها.

 

وفى الأيام القليلة السابقة لموعد الصدور بدأت بوادر المضايقات من جبهات شتى.

 

رفضت بعض الصحف أن تنشر إعلانات صدور الجريدة!

 

وعين مكرم عبيد على بك سالم عضو الوفد المصري مديرا لسياسة «الجهاد» ليشعر الناس أن «الجهاد» هى جريدة الوفد لا «روزاليوسف».

 

ورفض النحاس أن يرسل كلمة يصدر بها العدد الأول رغم أن كاتب الجريدة الأول هو كاتب الوفد الأول، الأستاذ العقاد.

 

وأردنا أن نستعيض عن ذلك كله، فأخذنا نبحث عن كلمة مأثورة نجعلها شعارا للجريدة.. وتعبنا فى البحث حقا، ولاحظ العقاد أن النحاس - على عكس سعد مثلا - لم تشتهر عنه كلمات مأثورة.. وأخيرًا اخترنا قوله: «من كذّب بالأمة أو داخله فيها الشك فليس منها.

 

وجاء اليوم الحاسم الذي يجب أن نعد فيه العدد الأول من الجريدة.

 

ومنذ الصباح الباكر ازدحمت الإدارة التي لم تكن تزيد على سبع غرف بهذا الحشد الهائل من الكتاب والمخبرين والفنانين. وكانت أسرة المجلة الأسبوعية قد انكمشت فى غرفتين فقط تاركة الخمس حجرات الأخرى لأختها اليومية الكبيرة.

 

كنت أنا أجلس فى غرفة واحدة مع العقاد.. والدكتور عزمى يجلس ومعه سكرتير التحرير توفيق صليب. وزكى طليمات مع الدكاترة، رؤساء الأقسام، والأربعون محررا يحتشدون فى الصالة وبقية الحجرات والفراندة، قد جلس بها الرسام وبعض موظفى الإدارة.. وبالقرب من المطبخ جلس المصور محمد يوسف.. وكل محرر يبحث لنفسه عن مكان فى الصالة، أو فى حجرة التليفون أو فى أى مكان يجد فيه موضعا لقدم.

 

ومن حجرة العقاد كان يرتفع صوته الجهورى.. ومن حجرة أخرى تتصاعد فكاهات كامل الشناوى يرددها بين ضحك كبار الوفديين الحاضرين.. ومحمود عزمى غارق بين الأخبار والمقالات والفاكهة التي ألزمه الطبيب بتناولها اتقاء لمرض السكر.. والزوار والمشجعون من جميع الهيئات لا ينقطع سيل ورودهم ولا يخف

 

كنت أقف وسط هذه الدوامة.. مضطربة بعض الشيء لا تستقر عينى على واحد من هذا العدد الهائل من رجال الصحافة الذين يعملون كخلية النحل.. وكنت ربما أدق الجرس لأستدعى محررا ثم لا أصبر حتى يجىء فأذهب إليه قبل أن يبرح مجلسه.. كان شعورى كمن ضغطت على مفتاح آلة هائلة فلما تحركت الآلة وارتفع صوتها وقفت أتأملها فى مزيج من الفخر والقلق.

 

ولما جاء المساء انتقل هذا الجيش من الصحفيين إلى جريدة البلاغ... حيث كان المرحوم الأستاذ عبدالقادر حمزة كان قد خرج من الوفد، قد أعد كل شيء فى المطبعة لكى يستقبل مواد الجريدة.. وسهر الرجل تلك الليلة معنا، يشاركنا فى العمل والقلق، ويقول لى من حين لآخر: إنه من الجنون إخراج جريدة من ست عشرة صفحة بهذا الشكل

 

وعزمى بأعصابه الهادئة يؤكد أن كل شيء سيتم فى موعده المرسوم.. وأصدقاء الجريدة الكثيرون واقفون على رأسهم الأستاذ حفنى محمود.

 

وكان الأستاذ عبد القادر حمزة قد أحاط المطبعة بعدد هائل من العمال لكى يراقبوا الداخلين والخارجين الذين جاءوا من الصحف الأخرى يتجسسون على أنباء الجريدة الجديدة.

 

وطلب منى عبد القادر حمزة أن أدير الماكينة لأول مرة.. فأدرتها، ومضت الآلات تدوى وتخرج من باطنها الأعداد المتتابعة، وسقط أول عدد فى يدى، فتحته والدموع تتساقط من عيني.

 

واسترحت.. وهدأت أعصابى قليلا.

 

وتسرب ضوء الفجر من نوافذ مطبعة البلاغ... وبدأ بعض الساهرين ينصرفون وجيش من باعة الصحف يتجمع حول المطبعة شيئًا فشيئًا.. وهمس فى أذنى أحد الحاضرين يقترح على أن أخرج إلى المدينة لأشهد ظهور الجريدة فى السوق.

 

وخرجت من المطبعة وخلفى جيش طويل من المحررين إلى كازينو البسفور فى ميدان باب الحديد.. بوصفه أكبر ميدان فى القاهرة، ولم نكد نجلس حتى شعرنا بالجوع فجأة - أو الأصح تذكرناه فجأة! - فأسرعنا نطلب الطعام.

 

ولم نكد نضع اللقمة الأولى فى أفواهنا، حتى ترامت إلينا صيحات الباعة وهم يجرون من أطراف الميدان:

 

«روزاليوسف اليومية.. روزاليوسف اليومية»

 

وهجم علينا بائع، ألقى بين يدى نسخة وهو يقول: أول عدد يا هانم.

 

ألقاه بين يدى وجرى يقذف بالأعداد بين أيدى سائر المحررين ثم عاد يجمع منا الثمن.

 

ولم أمض فى تناول الطعام.. فقد كان يجب أن أذهب إلى البيت وأستريح.. فبعد ساعات، يجب أن أستعد لإصدار العدد الثاني.

 

عدت إلى البيت حوالى الساعة السادسة صباحًا.. بعد أن اطمأن قلبى إلى أن الجريدة اليومية قد ظهرت كما أحب.. وأنها الآن فى السوق ينادى عليها الباعة ويتخاطفها القراء.. وكان فى وهمى أن أنام ساعتين أو ثلاثا، قبل أن أعود إلى مكتبى وأستعد لإصدار العدد الثانى.

 

على أننى كنت فى حالة من التعب والإجهاد أصبح النوم معها مستحيلا، فقد كانت أعصابى - من كثرة ما أجهدها السهر وأرهقها الترقب والتوجس والقلق منتبهة لا تريد أن تغفو مشدودة لا تريد أن تسترخى، وعبثا أحاول أن أغلق عينى وفى رأسى دوامة تهدر بحوادث الأمس وما أتوقعه من الغد.

 

وكدت فى إحدى المحاولات أفلح فى الإمساك بأطراف النوم حين دق جرس التليفون الموضوع بجواري.

 

ما زلت حتى الآن أذكر هذا التليفون اللعين الذي دق فى هذه الساعة ليعيد إلى كل ما كنت أحاول أن أنساه من توتر وإرهاق بل لعلى لم أكره فى حياتى مكالمة تليفونية كما كرهت هذه المكالمة.. ومضى التليفون يدق وأنا أنظر إليه فى حنق... هل أحطمه؟ هل أرفع السماعة وألقيها جانبا وأمضى فى محاولة الإمساك بالنوم؟.. هل أضع السماعة على أذنى وألعن من يريد أن يكلمنى فى هذه الساعة مهما كان شخصه، ثم أغلق التليفون فى وجهه؟.. ولكن من يدرى.. أليس ممكنا أن يكون هناك شيء ما يتعلق بالجريدة.. أليس ممكنا أن تكون قد جدت متاعب من أى نوع فى التوزيع أو فى غيره؟

 

واستسلمت للواقع، ورفعت السماعة.. وقبل أن أضعها على أذنى كان قد ارتفع منها صوت الأستاذ العقاد الأجش يهدر فى لهجة غاضبة.. وحسبت أن السماء قد انطبقت على الأرض حتى يحدثنى العقاد فى التليفون ساعة الفجر، وبهذا الضجيج.

 

- خير يا أستاذ عقاد!

 

- هل قرأت الجورنال؟

 

- قرأته.

 

فأخذ يروى لى فى ثورة غضب هائلة ما يأتي: كانت الافتتاحية التي كتبها العقاد منشورة بالطبع فى الصفحة الأولى من الجريدة.. وفى أسفل الصفحة الأولى وضعنا فى برواز صغير كلمة تقول: «ابدأ بقراءة الصفحة الثانية، وهى الصفحة التي تحتوى على الأخبار السياسية الداخلية المهمة وعلى كلمتى وعلى مقال الدكتور محمود عزمى رئيس التحرير

 

وانفجر العقاد: يعنى إيه ابدأ بقراءة الصفحة الثانية؟.

 

معناه إيه الكلام ده.. يعنى عزمى عايز يقول ايه.. عايزين تقولوا إن الصفحة الأولى مش مهمة.. عايزين تقولوا إن مقال عزمى أهم من مقال العقاد.

 

وكان لنشر هذه الكلمة سبب آخر.. فقد أخرجنا الجريدة كما سبق أن ذكرت بتبويب جديد على الصحافة اليومية، إذ جعلنا السياسة الداخلية تبدأ بعد الصفحة الأولى مباشرة، لا فى صفحات الوسط كما تعودت الصحف أن تفعل.. ولكى ننبه القارئ إلى ذلك كتبنا له أن يبدأ بقراءة الصفحة الثانية، أى ألا ينتقل مباشرة إلى صفحة الوسط.. ولم يدر بخلد أحد أن يقدم الصفحة الثانية على الأولى لأن هذا غير منطقى وغير معقول.. وكانت كل هذه الأسباب فى رأسى المتعبة والعقاد يهدر بالاحتجاج. ولكننى أعرف عن العقاد أن إقناعه بعكس رأيه أمر بالغ الصعوبة.. أما محاولة إقناعه وهو فى ثورة غضب فتلك من أبعد المستحيلات.

 

وعلى ذلك ضغطت على أعصابى التي لم تعد تحتمل الضغط وبقيت أسمع ساكتة لقذائف غضبه.. باذلة أقصى جهدى لكى أتجنب الانفعال وأثور بدوري، ويقع الاصطدام بين ثورتينا ونحن لم نصدر من الجريدة إلا عددا واحدا.. ولما انتهى من احتجاجه كان همى أن أؤجل المناقشة فقلت له:

 

- إننى لم أقرأ هذه الكلمة.. وسوف أحاسب المسؤول حسابًا شديدًا.

 

والعقاد على ما ترى من ضخامته، وجهامته وعنف غضبه.. إنسان طيب القلب ليس هناك أسهل من كسبه.. وأنه ليكفى أن توافقه على رأيه لكى يهدأ ، ويسكن ويصبح الموج الهادر بحيرة هادئة.

 

ووضعت السماعة وقد فقدت الأمل نهائيًا فى النوم، إذ أعاد إلى هذا الحديث الصاخب على هذا الأمر التافه كل التوتر العصبى الذي عشت عليه منذ الأمس ومن عادتى أن أشرف قبل خروجى على كل ما يتصل بنظافة البيت، وأن أدخل إلى المطبخ لبعض الوقت فلا أترك الطباخ إلا بعد أن أعطيه التعليمات عن كل شيء... ومن أصناف الطعام ما أهتم بأن أقوم بطهيه بنفسى.. ولا أذكر أن تخليت عن هذه العادة قط فى أكثر أيام العمل زحمة واضطرابا.. ولا فى ذلك اليوم المشهود عقب

 

حديث العقاد التليفونى !!

 

والتقيت العقاد بعد ذلك فى الجريدة ظهرًا، فشرحت له الأسباب.. ولكنه لم يقتنع.

 

وكان من عادة العقاد أن يكتب مقاله اليومى فى البيت ويتركه فى الجريدة صباحا، ويترك للأستاذ كامل الشناوى مهمة مراجعته.. ثم يعود ليلا ليلقى عليه بنفسه نظرة أخيرة.

 

كذلك كان يهتم بقراءة مقال الدكتور عزمى رئيس التحرير - ولو بغير علمه -إذ كان يعتقد أن عزمى غير وفدى ، وأنه ربما وضع فى مقاله كلمة تسيء إلى الوفد من قريب أو بعيد.

 

ومع كل هذه المتاعب فقد كان اليوم الثانى من أيام «روزاليوسف اليومية، يوما جميلاً مشرقا بالمرح.. فالعمل قد نجح والجريدة قد انتشرت فى السوق كالنار فى الهشيم، تاركة الراحة فى قلوب الأصدقاء والحسرة فى قلوب الأعداء.

 

ومع النجاح تأتى المتاعب.. متاعب المنافسة.

 

 

وتضمن العدد أيضا مقالا للاستاذ محمود عزمي، تحدث فيه عن الجريدة، وكتب:

بماذا نأخذ سياسة هذه الجريدة؟

كان من شأن التطور السياسى فى مصر أن قسم صحفها إلى كثرة هى ألسنة الأحزاب تنزل قبل كل شىء عند اعتباراتها تملك وحدها مشاعرها وتحكم منطقها، وإلى قلة تقف عند حد تسجيل الحوادث دون تعقيب بالرأى الخاص عليها أو بتعقيب يتفق دائمًا أو غالبًا مع اتجاهات الحكومة القائمة مهما يكن لونها السياسى ومهما كانت أساليبها فى الحكم، ثم إلى ندرة تحاول أن تشق لها طريقًا ذاتيًا تصدر فيه عن فكر مستقل أو متأثر بأقل ما يمكن التأثر به من مقتضيات الساعة.

 

 

وعندنا أن الواجب الصحفى، وهو مميز تمام التمييز عن واجب الساسة، وعن واجب رجال الحكم، وهو القاضى بالإدلاء بالرأى الناضج إنارة للرأى لأذهان الأفراد وإسداء للنصح للهيئات ومراقبة السلطات سهرًا فى ذلك كله على المصلحة العامة دون أى اعتبار آخر- عندنا أن هذا الواجب الصحفى لا يستطاع حقًا تأديته على الوجه الأكمل- أو بقدر ما تمكن الظروف صحيفة من تأدية واجبها- عن طريق الصحافة الحزبية أو صحافة الأخبار. والأولى مضطرة ألا ترى خيرًا إلا ما تمشى ووجهة نظر حزبها، وأن ترى الشر كل الشر فيما خالف هذه الوجهة مهما تكن وطنية الإيمان الذي يستند إليه ومهما يكن صدق التفكير الذي يصدر عنه…

 

 

كما تضمن العدد، مقالا للاستاذ مفيد فوزي ، يتحدث فيه عن "روز اليوسف"، وجاء فيه:

رسالة إلى روزاليوسف

 

روزا اليومية

هى حفيدة روزا اليومية.. الجدة الجليلة!

 

من لم يرها، فليذهب إلى دار الوثائق، وهناك سيرى صفحاتها وقد اصفر لونها قليلا. تلك بصمات الأيام والسنين، وسيشم رائحة الزمن التي لا تخطئها الأنف! ولو فر الصفحات قليلا، سوف يسمع أصوات المعارك التي دخلتها الجدة الجليلة مع الوفد.

 

بالمقال والكاريكاتير كانت السيدة الراحلة العظيمة تخوض حربها مع الوفد، ولم تتزحزح عن موقفها ولا غيرت مبادئها، كانت عزيمتها وإرادتها بعزيمة وإرادة مائة رجل!

 

 

وتضمن العدد أيضا مقالا للاستاذ عبد الله كمال، وجاء فيه:

هذه الجريدة

نتمنى أن نكون عند حسن الظن.

 

عند حسن ظن القارئ الذي ينتظر صدور روزاليوسف اليومية.. ويتوقع منها منهجا مختلفا.. ورؤية متميزة، ومعالجة غير معتادة.

 

لن نفتح عكا، كما يقول التعبير الدارج، لكننا نعد وعدا بسيطا ومختصرا هو تقديم خدمة صحفية حقيقية، تستند إلى المعلومة الموثقة.. والخبر الدقيق.. والرأى المعتدل. نعد بالمهنة وقواعدها.. وأصولها.. والعودة إلى القاعدة التي تم تجاوزها إما بالنفاق المجامل.. أو بالتهويل المتحامل... فالهدف هو أن تطبق الاعتدال الذي تدعو إليه.

 

والاعتدال لن يكون فتورًا.. وبرودة... وإنما وضوحًا وصراحة وشفافية وأقلامًا صارمة تستند إلى أرضية صلبة وحقائق موثقة.. ونقدًا علميًا وانتقادًا يقوم على أسس.

 

نتمنى أن نكون عند حسن الظن.

 

عند حسن ظن الواقع المصري السياسى الجديد.. بعد تعديل الدستور.. وقبل مزيد من تعديلات الدستور.. الواقع المتنوع.. والتعددى.. الذي يقبل بالتنافس السياسى على أساس ديمقراطى.. واقع تتأسس قيمه وتترسخ قواعده.. فوق تراث عظيم من التاريخ الليبرالى الذي انقطع لبعض الوقت.. وها هو يعود.

 

عند حسن ظن الواقع الذي نتمناه ونرجوه.. بغض النظر عن بعض العيوب وعديد من النواقص من حولنا، التي نعتقد أن من دورنا أن نعالجها.. وسد الثغرات التي تسببها.

 

نتمنى أن نكون عند حسن الظن القومى.. فنحن أولًا وأخيرًا جريدة قومية لكل الناس ولكل الاتجاهات.. لا حجر على رأى ولا احتكار للوطنية... والصفحات مفتوحة لكن الرؤى ما دام  أصحابها يقبلون الحوار والنقاش.

 

نتمنى أن نكون عند حسن الظن.

 

حسن الظن التاريخى، فنحن هنا نعيد ما بدأته السيدة العظيمة فاطمة اليوسف.. إذ بعد أن أصدرت المجلة بسنوات وفى عام 1935 حولتها لجريدة يومية.. استمرت لمدة عام.. وتوقفت.

 

نحن نكرر المحاولة، ونحاول تحقيق حلم ظل يراود أجيالًا مختلفة فى هذه المؤسسة العريقة.. وإذا كنا نصدر فى زخم موسم سياسى حيوى ومصيرى فإننا نتمنى أن نكون على قدر هذه المسؤولية التاريخية.

 

إن حملتنا الدعائية ترفع شعارين: «لا حكومة ولا معارضة».. و«حرية على مستوى المسؤولية».. ونحن نأمل أن نكون على قدر الشعارين بكل ما يعنيان.

 

عشرات من الصحف تقول كل يوم: إنها مع القارئ ومن أجله.. وعادة لا يتحقق هذا بمضى الوقت، لكننا نعد القارئ بأن نكون عند حسن ظنه وتوقعه.. وهو يملك -كما ندرك جيدًا- بوصلة شديدة الحساسية.. تتمتع بأعلى درجات القدرة على التمييز.

 

ومن ثم، فإننا لا نعد فقط بخدمة صحفية موضوعية من الناحية السياسية، وإنما أيضًا بخدمة صحفية تلبى كل الاحتياجات.. وتعتمد على منهج روزاليوسف الخاص.. بحيث يمكن أن نقول: إن القارئ سوف يجد بين يديه مزيجًا من الخدمة اليومية والخدمة الأسبوعية.. كل يوم.. باستثناء يوم السبت حين تتوقف الجريدة لكى تصدر المجلة التي اعتاد صدورها فى هذا الموعد الأسبوعى منذ ٨٠ عامًا.. وفيها سوف يجد الطابع الخاص الذي تتميز به روزاليوسف مع مزيد من العمق والتحليلات الموسعة.

 

مرة جديدة، نتمنى أن نكون عند حسن الظن.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز