

هاني عبدالله
فعلها كبيرهم هذا.. فاسألوهم إن كانوا ينطقون:
القاتل الحقيقى لـ«إخوان رابعة»!
عندما ظهرت «جماعة الإخوان» فى عشرينيات القرن الماضى، أصبحنا أمام أول مشاريع «صناعة الإرهاب» بامتياز.. وعبر أفكار المرشد المؤسِّس للتنظيم (حسن البنَّا)، ومَن تبعه من قيادات التنظيم (فى وقت تالٍ)، وضعت الجماعة أمامَنا (بامتداد 97 عامًا خلت) أكثر منهجيات «العنف والتطرف» انتشارًا.
وهى أفكار لم تدّخر الجماعة جهدًا فى أنْ يتشبع بها أفراد صفها (ولا سِيَّمَا النشء المُغرر بهم) بصورة كاملة [وتدريجية]، بداية من مخاطبة المشاعر الدينية بأنَّ أزمة المجتمعات الإسلامية تكمن فى البُعد عن الإسلام، ومن ثّمَّ، يكون الحل فى عودة الإسلام، الذي لم يعد موجودًا؛ لأنَّ «كل النظم التي تسيرون عليها فى شؤونكم الحيوية نظم تقليدية بحتة لا تتصل بالإسلام، ولا تُستمد منه، ولا تعتمد عليه» (انظر رسالة: الإخوان المسلمون تحت راية القرآن).. ولكى يعود الإسلام فلا بُدَّ له من دعوة. والدعوة هنا هى دعوة الإخوان المسلمين أو «دعوة الإسلام فى القرن الهجرى الرابع عشر»! (انظر رسالة: إلى الشباب).
مشروع «دولة داخل الدولة»!
فى مقابل هذه الاحتكارية الدينية، تُغذى نظرة «الاستعلاء».. وتتحول الدعوة إلى الله «تجنيد».. والعلاقات الاجتماعية «لتوسيع دائرة الربط العام للتنظيم».. وكل موقف أو رأى مخالف للتنظيم «هو رأى مخالف لشرع الله الذي تحتكر فهمه الجماعة وحدها».. ومن ثّمَّ، يُصبح الجهاد واجبًا على المخالفين ونظم الحكم المعاصرة!
ويكشف حسن البنا، من دون مواربة، عن هذا الموقف المتطرف الذي يستهدف عسكرة تنظيمه (وبناء دولة داخل الدولة)؛ إذ يقول: «... وفى الوقت الذي يكون فيه منكم ـ معشر الإخوان المسلمين- ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسَها روحيًا بالإيمان والعقيدة، وفكريًّا بالعِلم والثقافة، وجسميًّا بالتدريب والرياضة، فى هذا الوقت طالبونى بأنْ أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار؛ فإنّى فاعلٌ إنْ شاء الله، وصدق رسول الله القائل: ولن يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة»! (انظر: رسالة المؤتمر الخامس).
العنف منهجًا!
لا يُمكن- فى كل الأحوال- أنْ يُنكر الإخوان أنهم ترَبُّوا على هذا النسق الفكرى الشاذ.. فهو كائن ومتمترس وموثق بصورة كاملة فى رسائل مرشد الجماعة المؤسِّس (حسن البنا)، وتُرجم ـ كذلك- عمليًّا بتأسيس «الجهاز السرى» للتنظيم.. كما انتقل الأسلوب الذي أسَّسه الإخوان (منذ نشأة التنظيم، وتأسيس الجهاز السرى) إلى عديد «التنظيمات المسلحة» التي وُلدت من رحم التنظيم فى السبعينيات.. وتدريجيًّا.. انتقل الأسلوب ذاته (عبر الدور المُلقَى على عاتق تنظيم الإخوان الدولى، فيما عُرف بفترة الجهاد الأفغانى) إلى عديد من التشكيلات المسلحة، التي أفرزت ـ فيما بعد - تنظيم القاعدة.. إذ كانت قيادة تنظيم القاعدة [الحركية]، فى حد ذاتها- قيادة «إخوانية» واضحة (عبدالله عزام، والظواهرى).. وبات دستور العنف (الذي دشنه الإخوان)، بمثابة خارطة طريق للإرهاب أمام عديدٍ من أجيال التطرف التالية.. إذ يبدأ الأمر بعددٍ من الخطوات المحددة، التي يُمكننا أنْ نُجملها فى الآتى:
أولاً: غرس «القناعة» لدى الأفراد «المُستهدفين» بأنَّ دعوة الإسلام الأولى لم تَعُد موجودة.. وأنَّ دعوة الجماعة «هى دعوة الحق».
ثانيًا: ترسيخ «وجوب العمل الجهادى [داخل إطار الجماعة].. وهنا يُمكننا أن نقطع بأنَّ هذا الأمر يُمثل «الثابت الثانى» من ثوابت دعوة الإخوان [العَشر].. إذ تُبرر «مناهج الإخوان التربوية» تلك النقطة بأنَّ الدين [نفسه] يدعو للجماعة: «يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ فى النار»، «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية».. و«المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ضعيف بمفرده، قوى بجماعته».. كما يجب أن يكون العمل الجماعى منظمًا [قائمًا على قيادة مسؤولة، وقاعدة مترابطة]، ومفاهيم واضحة، تحدد العلاقة بين القيادة والقاعدة على أساس [السمع والطاعة].
ثالثًا: تأميم الدين لحساب التنظيم.. إذ يُعاد ضبط مؤشر «النصوص الدينية» لترسيخ هذا الفهم.. مثل كلمة «الجماعة» فى [يد الله مع الجماعة]؛ إذ يتم سحبها - ضمنيًّا - على التنظيم الذي ينتمى إليه العنصر المتطرف (لا الأمة الإسلامية كلها!)، وكلمة «الصف» [فى قوله تعالى: إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفًا] تتعلق بأفراد صف التنظيم (لا عموم المسلمين!).. وذلك؛ لكى تقول- فى النهاية- إنّ الانضمام للجماعة واجب دينى.. وإنّ مَن ينتمى إليها [سيكون بها وليس بغيرها]، وأنها (أى: الجماعة) إن لم تكن به؛ فستكون بغيره!
رابعًا: تدشين حالة «شعورية» لدى الفرد المستهدف؛ بأنَّ «دعوة الجماعة»، هى دعوة الإسلام (الحق)، ومَن هم بالخارج (أىْ باقى أفراد المجتمع)، هم- فى الواقع- خارجون عن حظيرة الإسلام!.. وهو ما يترتب عليه عديد من التداعيات، مثل: «التخندق» داخل مجتمع الجماعة، بشكل أكبر؛ إذ تصبح الجماعة- فعليًّا- «وطنًا بديلاً».. ومن ثَمَّ.. يتراجع شعور [الانتماء للوطن]، فى مقابل إعلاء قيمة «الأفكار الأممية»، التي لا تعترف بالعمق الحضارى، أو الحدود الجغرافية للأوطان.. ومن ثَمَّ، يُصبح استهداف كل مَن يدافع عن تلك المفاهيم [واجبًا] شرعيًّا، فى مواجهة الكفر والطاغوت!
وعبر شواهد مُتعددة، تمسك (على سبيل المثال) تنظيم القاعدة بالآلية الإخوانية (المُؤَسِّسة للعنف والإرهاب)، بشكلٍ وثيق (أىْ: التنظيم فى مقابل الانتماء الوطني).. وفيما كان «القاعدة» أكثر وضوحًا فى إعلان ما أطلق عليه «الجهاد العالمى» ضد الغرب «العدو البعيد» (إذ لو سقطت تلك الحكومات- وَفقًا لتصور القاعدة- فإنَّ النصر على «العدو القريب»/ «حكومات الدول العربية والإسلامية» سيكون أيسر وأسهل!)، كان العداء مع نظم الحكم الوطنية (العدو القريب) هو الأكثر تجذرًا من مناهج الإخوان التربوية!
القاتل الحقيقى!
وفى مقابل تلك «البرمجة العقلية»، لم يجد العديد من أفراد صف الجماعة غضاضة فى حمل السلاح، والتحريض على العنف وخطاب الكراهية؛ بل وممارسة العنف والتعذيب تُجاه معارضى الرئيس الإخوانى (محمد مرسى) فى أثناء اعتصام رابعة العدوية، والبدء بإطلاق النيران فى مواجهة قوات الفض.. وهى انتهاكات موثقة بمواد فيلمية عديدة، وَفقًا لتقرير لجنة تقصى الحقائق حول أحداث فض اعتصام رابعة العدوية (الصادر عن المجلس القومى لحقوق الإنسان).. وهو ما أسفر- بالتبعية- عن ردود فعل شرطية أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.
أمّا إنْ كنتَ لا تزال تبحث عن القاتل الحقيقى فى أحداث الفض؟!.. فهو لا شك الرجل الذي صنع من المشاعر الدينية «قنابل بشرية» تتنفس العنف والتطرف كما تتنفس الهواء!.. فالقاتل الحقيقى، هو مرشد الإخوان المؤسِّس (حسن البنا).. وكل مَن تبعه من قادة التنظيم بامتداد 97 عامًا.
نقلًا عن مجلة روزاليوسف