عاجل
السبت 1 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مصر للبترول
مصر للبترول
مصر للبترول
مصر للبترول
البنك الاهلي
الانتماء والولاء موضة قديمة

الانتماء والولاء موضة قديمة

تُعد كرة القدم على مدار العقود الماضية من أكثر الألعاب انتشارًا وجماهيرية، وذلك لأنها ليست مجرد لعبة للتسلية فقط، بل لها شغف وانتماء عميق يربط اللاعب بناديه وجمهوره، حيث كانت هذه الحقبة الزمنية تتحلى بمبادئ إنسانية راسخة مستمدة من ولاء وانتماء اللاعبين والجماهير تجاه أنديتهم، ورغم التحديات التي تقابل النادي فإنها فشلت في تغييرهم خاصة مع تقلبات الظروف والمصالح المختلفة، وهذا دليل قاطع على أن هؤلاء كانوا يتمتعون بمبادئ ثابتة قوية لا تتأثر بأية ظواهر خارجية.



 

الملاعب الرياضية كانت تتحلى بمشاهد عظيمة ذات قيم إنسانية واجتماعية، خاصة العلاقة المتجذرة التي ربطت لاعبي كرة القدم بجماهيرهم وناديهم بكل المحافل الرياضية، حيث لم يكن المال هو الدافع الأساسي للبقاء والانتماء للنادي، بل كانت العلاقة تتخطى المصلحة الشخصية فهي علاقة أشبه بالتناغم الأسري، وكان اللاعب حين ذاك يستشعر أن ناديه هو بيته الأول وليس الثاني، وكان يعتبر الجمهور بمثابة عائلته الكبيرة التي تقف بجواره وتسانده في الإخفاق قبل الفوز .

 

أما عن الإغراءات المالية التي تُعرض على اللاعبين نظير انتقالهم بين نادٕ وآخر فلم يكن لها عامل السحر في الموافقة على إبرام العقود، بل في أغلب الأحيان كانت عقود اللاعبين بأنديتهم أقل ماديًا من العروض المغرية من الأندية الأخرى، وكان هناك العديد من المظاهر التي تؤكد على الولاء والانتماء الحقيقي لدى اللاعبين، ومنها: عقود ممتدة يقضي من خلالها اللاعب مسيرته الكروية بأكملها في نادٍ واحد حتى إعلان اعتزاله، مما جعل الكثير منهم أساطير ورموزا سطروا التاريخ في ناديهم خاصة ومصر عامة، ومع مرور الزمن أصبحوا قدوة للمواهب واللاعبين الصغار.

 

الآن في عصر الاحتراف أصبح موسم الانتقالات لا يعرف سوى المادة، حيث تخطى عقد اللاعب عشرات ومئات الملايين، وأصبح لون تشيرت اللاعب يتغير حسب المقابل المادي الأعلى المقدم له، ضاربًا عرض الحائط بمبدأ الحب والعشق لناديه الذي كان يتغزل فيه ويُقبل شعاره، وتبخرت فجأة كل معاني الولاء والانتماء وغيرها من أشكال العشق للنادي والجمهور، واتضح أنها مجرد شعارات كاذبة، وأصبحت العلاقة مادية بحتة، لم تكن هذه هي الظاهرة الوحيدة التي تغيرت بل أيضا العلاقة بين الأندية خاصة قطبي الكرة المصرية، والتي وصلت إلى درجة التفنن في خطف النجوم بإغرائهم بمبالغ تفوق الخيال، الأمر الذي تسبب في إحداث أزمات بغرف اللبس بالأندية، مما أسفر عن ارتفاع سقف عقود اللاعبين بشكل مبالغ فيه، الأمر الذي كان سببا في الاتجاه إلى إبرام عقود احترافية مع نجوم غير مصريين من أجل التوفير في الميزانية.

 

المبدأ من أهم سمات الشخص السوي، الصادق في أفعاله إذا أتمها، وفي كلامه إذا تحدث ووعد، صاحب المبدأ لا يعرف سوى الثبات على موقفه حتى لو كان خاطئا في عيون الآخرين، وهناك أمثلة كثيرة من هذا النوع،  والاختيار أمام اللاعب إما أن يكون ثابتا على مبادئه تجاه ناديه وجمهوره مهما كانت المغريات، أو يرتضي أن يكون سلعة في مزاد يتاجر بها من يملك المال، فلكل اتجاه نهاية معروفة، فعليك الاختيار إما أن تصبح رمزا وأسطورة بين أساطير ناديك خلال مسيرتك الرياضية، أو أن تتحول مسيرتك الكروية إلى مشروع تجاري تحركه الأموال وتتحكم فيه العائدات المادية.

 

ختامًا.. مما لا شك فيه أن الرياضة عامة وكرة القدم خاصة تواجه العديد من التحديات التي أسهمت في انتشار التعصب الأعمى وظهور الفتن الكروية بين الجماهير، وغيرها من عوامل أدت لانتشار مظاهر غير حضارية، ومن نماذج هذه التحديات: الأخطاء التحكيمية، والتصريحات الإعلامية المستفزة، وغياب الروح الرياضة بين البعض، والتشجيع الأعمى، وانتشار الأخبار المغلوطة على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى البرامج الرياضية غير المحايدة التي تبحث عن التريند ، وغيرها من مؤثرات مفتعلة عن قصد بهدف تأجيج الشارع الرياضي.

أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة تثلج الصدور وتطمئن القلوب،

متى يُخْمد فتيل الصراع بين قطبي الكرة المصرية؟

هل يمكن أن تعود العلاقات الإنسانية والنسيج الاجتماعي في المدرجات والملاعب؟

هل تعتقد أن كرة القدم ستعود يومًا ما إلى عصر الولاء والانتماء والتضحية؟

هل ستعود اللعبة الجماهيرية إلى عصر العلاقة الطيبة بين الأندية؟

هل سيعود الإعلام الكروي الهادئ المحايد إلى الملاعب من أجل تعزيز الروح الرياضية، أم أن في هذه الحقبة الزمنية "زمن الرياضة الجميل" قد انتهى للأبد وسيطر عليها الاحتراف التجاري الذي هيمنت عليه الدوافع المالية؟

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز