عاجل
الإثنين 8 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
إدارة النمو السكانى

إدارة النمو السكانى

تناول توماس مالتوس قضية السكان من منظور كمى يقوم على اعتبار أن سكان العالم يتزايدون بشكل مُتوالية هندسى (2، 4، 8، 16، 23) بينما الإنتاج يزيد بشكل متوالية حسابية (1، 2، 3، 4، 5) مما يستلزم اتخاذ إجراءات تحد من زيادة السكان، وقد عارض هذا التوجه قطاع كبير من العلماء الذين أنكروا مُشكلة الزيادة الكمية للسكان وأكدوا أنه يمكن للعالم استيعاب زيادة السكان من خلال التطور العلمى الذي يرفع من الإنتاج الصناعي والزراعي ويخلق فرص العمل الكافية لتلك الزيادة. ومع عدم حسم ذلك الخلاف نجد أننا أمام فرضين. الفرض الأول، وهو صحة ما جاء بفكر مالتوس بما يعنى أن زيادة السكان تُمثل مُشكلة كبرى، وهنا يجب التصدى لتلك المُشكلة.



والفرض الثانى، وهو صحة التوجه الذي يعتبر أن زيادة السكان لا تُمثل مُشكلة للعالم، وذلك التوجه يحد من إمكانية إنجاحه، تلك القيود التي تتخذها الكثير من دول العالم للحد من انتقال الأفراد إليها، بما يخلق أزمة توزيع السكان فى العالم، ويتحول رأس المال البشرى لبضاعة راكدة تُمثل عبئًا ضخما على الدول التي تمتلكها.

وواقع قضية السكان هو أنهم يمثلون عنصرًا من عناصر الإنتاج الأربعة التي تتكون (السكان، والموارد الطبيعية، ورأس المال، والتنظيم) ودائما ما يتحدث المٌقتنعون بأهمية عنصرًا السكان باعتبار أن زيادة السكان لا تُشكل مُشكلة فى حالة تدخل الدول بإجراءات تنظيمية للاستفادة منهم، مُتجاهلين أن الاستفادة من عنصر السكان تحتاج لتمويل مالى كبير لإعداد السكان من حيث الصحة، والتعليم، وتوفير احتياجاتهم الأساسية، فضلاُ عن الاحتياج لرءوس أموال ضخمة لخلق فرص عمل لهم، فضلًا عن الحاجة الماسة لإدارة تركيبة السكان، والنظر لخصائصها الموضوعية والتعامل معها لتهيئة الاستفادة منها.

وبالنظر إلى مصر، نجد أنها تواجة مُشكلة كمية، ونوعية للسكان، وتعمل على التعامل معها، فمن الناحية الكمية شهد مسار السيطرة الكمية على النمو السكانى انتكاسة كبيرة خلال فترات الاضطراب السياسى بعد يناير 2011 ليرتفع مُعدل الخصوبة الكلى تدريجيًا ليصل إلى ما بين 3.5 : 3.6 طفل/ امرأة تأثرًا بخطاب شعبوى رافض للواقع بكل تفاصيله بما فيه الصحيح منها، ومع استقرار الدولة بعد ثورة 30 يونيو 2013، وتبنيها استراتيجية مُتكاملة للسيطرة على النمو السكانى بدأ مسار انخفاض مُعدل الخصوبة ليصل إلى نحو 2٫4 طفل/ امرأة عام 2025، قبل أن يشهد الربع الأول لعام 2025 تراجع كبير لمُعدل النمو السكانى ليسجل نحو 1٫34% وتُعتبر تلك النسبة هى أقل مُعدل لزيادة السكان تاريخيًا فى مصر، مما يُعد بمثابة نجاح للاستراتيجية المصرية لتنظيم الأسرة، ويُظهر أيضًا وعى الأسر للتحديات الاقتصادية التي تواجه الدولة فى ظل الارتفاع الكبير فى تكاليف تربية وتعليم ورعاية الأطفال سواء ما تتحمله الدولة منها أو ما تتحمله الأسر التي تلتزم برعاية أطفالها وتلبية احتياجاتهم التي أصبحت أكثر تشعبًا وتكلفة لسنوات أطول.

ومن ناحية تركيبة السكان نجد أن المكون السكانى المصري يتسم بالشباب حيث يرصد تعداد عام 2017 أن نسبة السكان فى سن العمل (من 15 إلى 64 عامًا) بلغت نحو 61٫9 %، وهو ما يُمثل عنصرا إيجابيا (فى ظاهره) لا سيما أن هذه الشريحة تحتوى على نسبة 26٫8 % من السكان فى سن من15 إلى 29 سنة، مما يعبر عن امتلاك الاقتصاد طاقة بشرية هائلة يمكن أن تكون حافز للنمو، حيث تمثل هذه الشريحة عمالة رخيصة نسبيًا، وقوة شرائية كبيرة تحتاج لتغطية متطلباتها المختلفة مما يمثل سوق كبيرة يعد فى ذاته حافزا للاستثمار، ويكون ما تتلقاه من أجور حال تشغيلها بمثابة الوقود الذي تتحرك به آلة الاقتصاد وتتحسن المعيشة للمجتمع، ولكن لكى يتحقق ذلك فإن الأمر يحتاج لتكاليف باهظة أهمها ارتفاع تكلفة خلق فرص العمل، وقد تعاملت الحكومة مع تلك القضية من خلال التصدى بإنشاء المشروعات القومية لا سيما مشروعات الإنشاء والتعمير والبنية التحتية لما تمثله تلك المشروعات من قدرة على تشغيل أكبر قدر من العمالة، وكذلك العمل على تحفيز استثمارات القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الأجنبية، ، والعمل على رفع مستوى جودة التعليم الفنى، وتطوير برامج التدريب من أجل التشغيل، واتخاذ كل ما يلزم لتجهيز القوة البشرية المصرية لكى تكون قادرة على الإنتاج. وهو الأمر الذي لكى يتحقق، فإنه يجب التصدى لمُشكلات الأسرة المصرية المُثقلة بالكثير من المُشكلات والتحديات تحد من قدرتها الإنتاجية، حيث تشير الإحصاءات لوجود نحو 23٫4 مليون أسرة، مُصاب معظمها بمُشكلات الطلاق أو الترمل أو العنوسة، فى ظل وجود نحو12٫5 مليون عانس ممن تجاوز عمرهم الـ30، ووجود نحو 7٫1 مليون مطلق 65 % منهم من السيدات، ووجود 3 ملايين أرمل وأرملة 86 % منهم من السيدات، الأمر الذي يعنى أنه فى ظل زيادة مُعدلات المواليد، نجد أن غالب الأسر المصرية تُعانى من مشكلات العنوسة، والطلاق، والترمل. ومن الطبيعى أن يترتب على هذه المشكلات انخفاض فى الإنتاجية، وتراجع مُعدلات السعادة، واختلال فى هياكل إنفاق تلك الأسر، فى ظل عناد مجتمعى مُتمسك بفكر شاذ يرفض تطوير القيم بصورة تُمكنه من تجاوز تلك المشكلات التي لا تصلح كبيئة للإنتاج أو الشعور بالرضا والسعادة مهما تحسنت المؤشرات الاقتصادية.

 

والقضية هنا تتمثل فى الحاجة لبناء تنظيم عادل للأسرة المصرية بصورة تجعلها أكثر سعادة وإنتاجية. وبداية الإصلاح لا بد أن تبدأ من التوعية، واتخاذ إجراءات حاسمة لتطوير قيم المجتمع من أجل صياغة جديدة لتنظيم الأسرة المصرية بصورة سوية قائمة على التوسع فى أعداد الأسر بتشجيع زواج غير المتزوجين، مع وضع قيود على الإنجاب غير المُنضبط، لنكون أمام أسر صغيرة أكثر قُدرة على تحفيز أفرادها للعمل والإنتاج وخلق فرص عمل ذاتية تُضاف لما تُخطط له الدولة، وأكثر ملاءمة على تهيئة بيئة السعادة لأفرادها.

 

نقلًا عن مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز