

كريمة سويدان
أنا وقـلمى
طفلة الشيبسى.. والسوشيال ميديا
قصة «هايدى» بنت الشيبسى التي انتشرت على السوشيال ميديا مؤخرًا بسرعة الصاروخ، هى نموذج صارخ ومثالى للجانب السلبى والمظلم لتريندات السوشيال ميديا، وليس إيجابيًا على الإطلاق لأن التريند لم ينشأ من أجل قضية نبيلة أو للتوعية بمشكلة ما اجتماعية، بل انتشرت من باب أن ما قامت به الطفلة كان عملًا بطوليًا أو عملًا نادر الحدوث، بل العكس صحيح؛ حيث إن هناك ملايين من الأطفال يعلمون قيمة العطاء بلا مقابل جيدًا، ويعلمون قيمة مساعدة الآخرين ممن يحتاج المساعدة دون انتظار أى مقابل أو مكافأة، وعندما تحوٌِل «منصات التواصل الاجتماعى» القيم النبيلة والعظيمة إلى موضوع أو حدث أو هاشتاج «تريند» ينتشر بشكل كبير ويحظى بتفاعل واسع بين المستخدمين فى فترة زمنية قصيرة، هنا يكون الخطر على المجتمع، والمفروض أن يكون «التريند» مفيدًا فى فهم اهتمامات الجمهور المتلقّى، كما أنه ممكن أن يحمل مخاطر مثل الإفراط فى الاستخدام وتشويه القيم، حيث إن الإفراط فى متابعة التريندات قد يؤدى إلى هوس بالظهور على السوشيال ميديا ما قد يؤثر على الصحة النفسية، ناهيك عن أن التريندات السلبية أو المضللة قد تؤدى إلى تشويه صورة المجتمع، وهوس «ركوب الترند» فى سبيل الشهرة وجنى أرباح قد يترتب عليها خطايا وجرائم تُرتكب باسم «الترند»، وعندما يتعلق الموضوع بالأطفال واستغلال وتضخيم تصرفاتهم العادية - كما حدث مع «فتاة الشيبسى»- فإن الأمر جلل، وكما كانت نظرة الدكتورة مايا مرسى وزيرة التضامن الاجتماعى حول هذه الواقعة مختلفة تمامًا حيث إنها نظرت للحكاية كلها من منظور الأم والوزيرة المسؤولة، وتساءلت عن الأطفال الذين سيحُبطون من القيام بعمل نفس العطاء الذي قامت به «فتاة الشيبسى» والتي تم تكريمها ومكافأتها وهم لا، حيث إنه فى عصر التريندات والشهرة السريعة قد يعتقد الطفل أن عمل الخير يجب أن يحظى بانتشار واسع ليُصبح ذا قيمة، وعندما ﻻ يتحقق ذلك يشعر بأن عطاءه لم يكن مهمًا بما فيه الكفاية، لذا يجب تعليم أطفالنا أن قيمة العطاء تكمن فى الشعور الداخلى بالرضا وليس فى الشهرة أو المكافأة، ويجب تسليط الضوء من خلال الإعلام ومؤسسات الدولة على الأثر الإيجابى الذي يتركه أى شخص فى حياة من ساعدهم، ورغم أن هناك من يرى أن طريقة تناول وسائل التواصل الاجتماعى لقصة «هايدى طفلة الشيبسى» خليطًا من الإيجابية والسلبية، ولكن - ومن وجهة نظرى المتواضعة - أرى أن الجانب السلبى كان طاغيًا إلى حدٍ كبير وذلك للتعرض المفرط والاستغلال العاطفى الذي حوّل «هايدى» من طفلة فى وضع صحي صعب إلى «تريند» دون مراعاة بمشاعرها وعائلتها مما يُعد انتهاكًا صريحًا للخصوصية، كما أن كثيرا من التفاعل قائم على إبداء التعاطف من وراء الشاشات، دون اتخاذ ردود فعل حقيقية، وتحولت القصة إلى محتوى للتسلية أو التشخيص بشكل عشوائى، ناهيك عن الضغط النفسى الهائل على هايدى وأسرتها، ونظرًا لأن طبيعة السوشيال ميديا سريعة الزوال بعد أن تصل القصة إلى ذروتها لينتقل الجميع إلى «التريند» التالى تاركين هايدى وعائلتها تواجه واقعها بعد انتهاء الضجة، ما قد يتسبب فى صدمة ثانية، ولو نظرنا للجوانب الإيجابية المحدودة رغم أهميتها سنجد أن الضجة التي حدثت قد قامت بتسليط الضوء على قضايا مهمة مثل سوء التغذية لدى الأطفال والأمراض النادرة التي قد يجهلها الكثيرون وشجعتهم على البحث والاستفسار، كما أن ظهور جهود حقيقية للمساعدة من خلال تدخل جهات وخبراء حقيقيون للكشف على الطفلة ومساعدتها كان شيئا جيدا، والخلاصة.. يجب أن نتعلم «كمستخدمين» كيفية التعاطى مع مثل هذه القصص الإنسانية بمسؤولية أكبر، بالدعم المادى الفعلى عبر الجهات الموثوقة، ونشر المعلومات الصحيحة واحترام كرامة وخصوصية الأفراد، بدﻻً من تحويل مآسيهم إلى سباق للتفاعلات والمشاركات.. وتحيا مصر.
نقلًا عن مجلة روزاليوسف