

مودي حكيم
إصرار عازر والباز 1
المؤثرون والمتأثرون "5"
رغم أن المؤثرين الذين يقومون بنشر المعرفة التي تدفع الناس إلى الكفاح لبناء مجتمعات المعرفة ولعبوا دورا في حياة العظماء ممن أضافوا للبشرية ولم يأخذوا منها، ومساعدتهم من أجل العلم والتعلم والتفوق والعدالة والإنسانية، والارتقاء بأرواحهم للسمو والعطاء والمشاركة من أجل مجتمع أفضل، فإن تأثير المؤثر لا بد أن يدعمه الإصرار فهو مفتاح الوصول إلى النجاح.
دائما ما يكون الإصرار خلف الوصول لشيء نبتغيه، والنجاح في بلوغ المراد ليس نهاية الطريق، ولا ينقص من قدرتنا ولا يقلل من قيمتنا في شيء، والكثيرون ممن لديهم إمكانيات لا يستهان بها، لا يبلغون مرادهم لا لشيء إلا لانعدام الإصرار في حياتهم، بالرغم من أن تحدي الصعاب أمر بمقدور كل البشر.
وبالإصرار وحده يمكن أن نكمل الطريق في أي ظرف كيفما كان، فالنفوس العظيمة لا تستسلم ولا تجد راحتها واستقرارها إلا في التحدي لتحصل على ما تريده، لإيمانها القوي بإمكانياتها؛ فهي وحدها الأعلم بمستوى قدراتها ولرغبتها الجامحة للوصول للأهداف المنشودة، وعندما يتجسد الإصرار في الكيان لا نقبل التراجع فإنه يستكنُّ مندفعا عبر طموحاتنا التي تصبح بلا سقف محدد، وستزيد الثقة بقدراتنا بشكل كبير لو تفحصت القصص الملهمة من حولك، لأنك ستتأكد من خلالها بأن الإصرار لوحده قد يكفينا في رحلتنا لنيل ما نريده.
إن الإصرار كان الشرط اللازم لنجاح هاني عازر وفاروق الباز في أغلب خطوات حياتهما.
هاني عازر مهندس مصري ألماني، 77 عاماً، من أبناء عائلة بسيطة مستورة بمدينة طنطا عاصمة محافظة الغربية، اهتمت به وعلمته، حمل أحلامه وآماله من مسقط رأسه، ووضعها في حقيبة سفر؛ بدأت رحلته من محطة سكك حديد طنطا، ولم يتوقف قطاره إلا في محطة برلين، ليكافح ويجتهد ويبدأ أولى خطواته في الصعود لسلم النجاح كبائع للجرائد، إلى أن أصبح أشهر خبير أنفاق في العالم ليفرض نفسه بقوة على الساحة العالمية، كواحد من أعظم مهندسي الأنفاق في العالم، وأصبح اسم هاني عازر علامة مميزة في عالم الأنفاق.. أشرف على بناء محطة قطارات برلين Berlin Hauptbahnhof. إنسان هادئ الطبع، متواضع، وأطلق عليه الغرب أمنحوتب الفراعنة، عندما يناديه أحد بهذا اللقب يسرع بالرد، "أنا ولا أمنحوتب ولا خفرع ولا منقرع.. أنا راجل غلبان".
رجل حقق الكثير من طموحاته فى مجال عمله، ولكنه مشغول بهموم مصر، ويطمح ويشغل عقله شباب مصر الذي يود أن يراه في أفضل حال وعلى قدر علمي يليق به، ودائمًا ما يردد "عازر" مقولة "لا شىء مستحيل، ولا شىء لا يمكن القيام به، بكثير من الصبر وكثير من الإرادة والعمل يصبح الحلم واقعًا، وصل ألمانيا عام 1974 خائفًا من المجهول، واستمر في رحلة التحدي هناك أكثر من 36 سنة.
تأثر الشاب المصري الأصيل كثيرا بشخصية البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية "الراحل"، حينما كان أسقفاً وقتها حيث إنه هو الذي أقنعه بدخول كلية الهندسة بجامعة عين شمس، لأنها قريبة من إقامة "عازر" بحدائق القبة، وحتى لا يرهق في وسائل المواصلات.. قصة نجاحه في الغربة، بدأت من الصفر فعندما ذهب إلى ألمانيا بشهادة من كلية الهندسة جامعة عين شمس، وبلا منحة دراسية، لا يعرف إلا لغته العربية، والجيب خالي، وبإصراره على النجاح في مجال الهندسة الذي أحبه، كان لا بد أن يتعلم اللغة ويعمل في نفس الوقت ليوفر المال فعمل نادلاً في المطاعم وعاملاً بالمناجم، وكذلك في غسيل الأطباق وبيع الصحف والمجلات في الرابعة صباحاً ليحصل على راتب يستطيع من خلاله أن يعيش حياته في ألمانيا، فكانت قصة نجاح في جو غريب عنه وعادات وتقاليد لم يكن يعرفها، فحاول وتأقلم إلى أن أصبح أشهر خبير أنفاق في العالم، يصمم وينفذ أكبر المشروعات في مجال الأنفاق، لتعرف أوروبا والعالم اسم المهندس المصري هاني عازر، الذي وقع في حب الأنفاق وتربع على عرش هذا المجال، وبات اسمًا مطلوبًا في العديد من البلاد، وتم اختياره ضمن أهم 50 شخصية في ألمانيا، وكرمته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعدها كرم في مصر من قبل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك يوم 1 أكتوبر 2006 ومنحته ألمانيا وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى تقديرًا لإنجازاته التي شهدتها ألمانيا، ليصبح أسطورة الأنفاق والتشييد في العالم.
المهندس المصري العبقري أمضى قرابة 40 عاما في ألمانيا، ورغم طول السنين لم تغير في ملامحه أو طباعه شيئا، فهو يفتخر في أي مكان وزمان بكونه مصريا، بالإضافة إلى فخره بما بذله من مجهود حتى وصل لما فيه الآن.
في عام 1979 بدأ في حفر أول نفق يمر فيه مترو «دورتموند»، وكانت مهمة صعبة بسبب أن الأرض هناك أرض مناجم فحم، حيث تكثر بها الانهيارات لكونها تربة غير مستقرة كانت مشكلة وتوصل بالحكمة والعمل الجاد إلى حلها وقد نجح لافتًا الأنظار إليه ثم اخترع جهازاً يستقبل التحركات الأرضية في منطقة المناجم ويمنع حدوث هبوط مفاجئ للأرض، وبالتالي سهولة بناء الأنفاق في تلك المناطق.
في عام 2006 أوكل إليه تنفيذ وتصميم وإدارة محطة برلين العالمية للقطارات قبل إقامة بطولة كأس العالم لكرة القدم في ألمانيا وبالفعل نجح فيما فشل فيه المهندسون الألمانيون بالرغم من ضيق الوقت و بالفعل تم الافتتاح قبل البطولة بأسبوعين.
استطاع بحكمته وذكائه التغلُّب على المشكلات التي واجهته فقد حوَّل مجرى نهر «سبراي» الذي يمر في قلب برلين 70 متراً، وحفر الأنفاق تحته ثم أعاد النهر لمجراه الأول دون أن تتأثر حركة النهر.
قام ببناء برج إداري في المحطة بطول 70 متراً بشكل رأسى ثم قلبه أفقيًا ليمر بالعرض فوق خط القطارات الرابط بين شرق وغرب ألمانيا.
هاني عازر أصبح يتواجد بمصر بشكل مستمر خلال العامين الماضيين منذ اختياره عضوا بمجلس علماء مصر، وكلفه الرئيس عبد الفتاح السيسي بمتابعة ما يجرى على أرض مصر من مشروعات وعلى رأسها المشروع القومي للطرق، بالإضافة إلى وضع أسس أنفاق قناة السويس الجديدة وتطوير شبكة سكك حديد مصر بشكل عام.
ينصح المهندس عازر الشباب بأن يواصلوا الكفاح دون توقف، وقال لهم: إن الإنسان الذي يتصف بالغباء هو من يكرر خطأه مرتين دون أن يتعلم الدرس، ونصحهم أن يكونوا كالقطار الذي لا توجد به مرآة تسمح لسائقه أن ينظر إلى الوراء، وقال لهم: كونوا كسائقى القطارات، انطلقوا للأمام ولا تلتفتوا للوراء إلا لتتعلموا من أخطاء الماضي.
وعن مثابر آخر.. وقصة إصرار على النجاح.. عن فاروق الباز سنحكي.