

هند سلامة
قضية «التجريبى» الخاسرة!
هل «التجريبى» مصطلح نخبوى يغلق الخيال ويتوقف عنده الإبداع؟! أم مصطلح شديد الدقة فى مداه الواسع للتعبير عن كل تجربة مسرحية تحمل شيئا لافتا وتتجاوز لحظة الإبداع الأولى للنص المسرحي؛ هكذا كان الفنان فاروق حسنى سابقا لعصره متجاوزا لزمنه قرر فتح الطريق لتقديم قيمة مضافة للحركة المسرحية من خلال مهرجان دولى معنى بكل ما هو محرض ومحفز على إبداع فوق الإبداع الأصلى؛ يحمل هذا المهرجان فى خصوصيته كل ما هو محرض على التفكير وباعث على الدهشة.
بينما وفى لحظة فارقة من عمر المهرجان فى دورته الثانية والثلاثين وقف وزير الثقافة الحالى أحمد فؤاد هنو واقترح فى حفل افتتاحه على الحضور ضرورة تجديد فتح الحوار حول البقاء على اسم المهرجان «التجريبى» كما هو أو تغييره إلى مهرجان المسرح الدولى بحيث يكون أعم وأرحب فى استقبال عروض مسرحية خارج نطاق «التجريب».. السؤال هنا ما هو الشكل الأرحب لاستقبال عروض غير تجريبية.. أليست كل مسرحية جديدة هى تجربة قائمة بذاتها تختلف بالضرورة عن تجارب أخرى سابقة؟! إذا كنا نتحدث مثلا عن التجريب على مستوى النص ليس هناك مخرج سيعيد تقديم نص مسرحى أو فكرة قرر تناولها إلا وحملت شيئا مغايرا عن كل ما سبق وإلا لماذا قرر إعادة صياغتها فى هذه اللحظة بالذات؟! هل منطقيا أن يطرح فاروق حسنى عام 1988 قيمة مضافة للمسرح المصري بتحريضه على الابتكار والإبداع والخلق الجديد سواء على مستوى الكتابة أو الإخراج أو التكوين الفنى للعمل بالكامل؛ ونأتى اليوم كى نجرد المهرجان من خصوصيته وننتصر لكل ما هو تقليدى فى زمن يجتاح فيه الذكاء الاصطناعى كل شيء! لكن الحقيقة التي لم يذكرها وزير الثقافة فى كلمته أن المعضلة الكبرى ليست فى تغيير اسم المهرجان الذي يدعى البعض أنه مسمى ضيق الأفق لا يحتمل استيعاب المزيد من التجارب المسرحية العالمية.. التي تعد بالضرورة خارج توصيف «التجريب» وبالتالى يعجز المهرجان عن استقبالها! للأسف الشديد المهرجان يعانى من أزمات أخرى بعيدة كل البعد عن اسمه ووصفه.. المهرجان يحتاج إلى مهرجان!
انخفضت عروض التجريبى بشكل كبير وملحوظ كما انخفض وتراجع فى المقابل الإقبال الجماهيرى عليه؛ فى زمن مضى كان يتسابق الجماهير طلاب الجامعات والمخرجين الشباب على الحضور والتواجد حتى أن بعضهم كان يسعى لتزوير بطاقة الدخول كى يحظى بحضور عروضه؛ بينما اليوم إن أسعدك الحظ وحضرت؛ ربما تجد بعض هذه العروض تحمل شيئا من الجودة إلا أنها لا تبعث على الدهشة قد تكون شاهدت ما يشبهها من قبل؛ لذلك كان الأولى بهذا الطرح البحث عن كيفية تطوير المهرجان وإعادة وهجه للواقع من جديد؛ تطويرا يشبع ويروى ظمأ المسرحيين المتعطشين لمشاهدة تجارب عالمية حقيقية وليست مجرد تجارب فقيرة فنيا وإن كانت تحمل قدرا من الإجادة والجدية فى عناصرها.
وفى النهاية فتح باب النقاش والجدل حول أى شيء يخص المسرحيين خطوة شديدة الذكاء والموضوعية فى صنع القرار؛ لكن بدلا من طرح قضية خاسرة لماذا لا نجنح لطرح قضية أكثر جدية وإفادة تحقق المكاسب لمستقبل المهرجان؟ الذي يحتاج المزيد من الدعم وتغيير وجهة النظر فى إدارته من الأساس؛ بدلا من اختزال أزمته فى اسمه الذي صنع تاريخا طويلا من المسرح وهو الأكثر رحابة فى استيعاب كل تجربة مسرحية بكل ما تحمله من ابتكار وإبداع!
نقلًا عن صحيفة روزاليوسف