عاجل
الأربعاء 17 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
ماسك.. الإنسان

بداية جديدة

ماسك.. الإنسان

فى عالم تصنعه الصور البراقة والنجاحات الكبيرة، ننسى أحيانًا أن خلف كل إنجاز، قصصًا لا يتحدث عنها أحد. 



فى الجزء الثانى من رحلة «إيلون ماسك»، الاسم الذي يربطونه بالصواريخ والسيارات الكهربائية والمريخ والذكاء الاصطناعى، سنتطرق إلى وقفات حياتية عن «ماسك» الإنسان.

لم يكن «ماسك» يومًا ذلك البطل الخارق منذ لحظة ميلاده، بل كان طفلًا صغيرًا، ضائعًا وسط عائلة ممزقة، يعيش فى جنوب أفريقيا ويختبئ بين الكتب، لأن العالم الحقيقى كان مؤلمًا أكثر من الخيال.

فقد ورد فى مقال بموقع «الهند اليوم» أن «إيلون ماسك» قال فى أحد اللقاءات «إنه عاش طفولة صامتة، وإنه فكر مرارًا فى إنهاء حياته، لأنه لم يجد إجابة عن أسئلة بسيطة وهي: ما معنى الحياة؟ أليست كلها بلا معنى؟ لماذا لا ننتحر؟ لماذا أنا حى؟»، كان ذلك اعترافًا نادرًا من رجل غالبًا ما يظهر كإنسان قوى.

مرت السنوات، وكبر الطفل الذي كان يحتمى بالكتب، لكن الوحدة لم تفارقه، وعندما أصبح رجلًا، انكسر صوته فى مقابلة مع مجلة «Rolling Stone» وهو يقول: «لن أكون سعيدًا أبدًا من دون شخص ما.. النوم وحدى يقتلني».

لم تكن تلك مجرد كلمات عابرة، بل دموعًا خرجت بصمت أمام الكاميرا، كأنها تنهيدة طويلة لطفلٍ لم يجد يدًا تمسح رأسه. 

خلف مجده التقنى، كان قلبه يبحث عن دفء، عن نظرة حنان لم يمنحها له عالم صاخب لا يرى منه إلا إنجازاته.

ورغم هذا الألم، لم ينس مساعدة كل محتاج، فحين حدثت كارثة مياه بمدينة «فلينت» فى ولاية «ميشيجان» بالولايات المتحدة، حيث كان الماء ملوثًا ومسمومًا بالرصاص، هرع إلى المساعدة.

ففى 2018، وردت له تغريدة من سيدة تعيش بالمدينة قائلة «مرحباً @elonmusk، سمعتُ الكثيرين يقولون إنه لا سبيل لديك للمساعدة فى توفير مياه نظيفة لمدينة فلينت، ميشيجان. قالوا إنكَ لن تكون قادرًا على ذلك». فجاء رده سريعًا عبر تغريدة قائلًا: «أرجو اعتبار هذا التزامًا منى بتمويل إصلاح المياه فى أى منزل فى فلينت يعانى من تلوث مائى يتجاوز مستويات إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. لا أمزح». 

لم تكن تغريدة دعائية، بل وعدًا حقيقيًا، حيث ذكر «الموقع الرسمي للمدينة» أنه سيتم تثبيت أنظمة جديدة لتنقية المياه بالأشعة فوق البنفسجية لتوفير مياه نظيفة فى جميع المبانى المدرسية، وذلك بفضل تبرع قيمته 480,350 دولارًا من «إيلون ماسك» و«مؤسسة ماسك». 

ليس هذا المثال الوحيد، فحين اجتاح إعصار «ماريا» جزيرة «بورتو ريكو» فى عام 2017، انهارت البنية التحتية تمامًا، وغرقت المستشفيات فى ظلامٍ دامس. فى قلب العاصمة، كان مستشفى الأطفال «Hospital del Niño» يئن بصمت - أجهزة تنفس على وشك أن تتوقف، وأطفال صغار حياتهم بين الحياة أو الموت المحتم.

لم يطلب المستشفى معجزة، فقط أراد مصدرًا للكهرباء، التقط «إيلون ماسك» نداءهم، ومن خلال تغريدة خافتة، قال ببساطة إنه سيُرسل أنظمة الطاقة الشمسية والبطاريات من «تيسلا» لدعم المستشفى مجانًا.

وبالفعل، وصل الفريق، وركّبوا الألواح والبطاريات، وعاد التيار الكهربائى إلى غرف العناية المركزة، حينها تنفس الأطفال، وبكت الأمهات. 

وبالتالي، فإنه لم يظهر فى حفل أو مؤتمر، ولم يلتقط صورة أمام الألواح الشمسية. لكنه كان هناك، فى كل نفس عاد إلى صدر طفل، وفى كل نظرة امتنان من «أُم».

ربما حان الوقت أن نتوقف عن النظر إلى «ماسك» كآلة نجاح، أو كرمز مستقبلى خارق، وأن نراه كما هو: إنسان.. إنسانٌ جرّب الوحدة، وعاش الرفض، وبنى إمبراطورياته، ليس حبًا فى السيطرة، بل هربًا من شعور دفين بأن لا أحد سمعه حين احتاج أن يُسمع.

«ماسك» لم يصنع مجده هربًا من الفشل، بل ركضًا من جرحٍ لم يلتئم، وهذا ما يجعله إنسانًا قبل أن يكون أسطورة.

 

نقلًا عن مجلة صباح الخير  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز