

محمد عبد الرحمن
شاهدت أم كلثوم
علامات الاستفهام لم تتوقف منذ الإعلان عن مشروع مسرحية "أم كلثوم" بالتزامن مع الاحتفال بمرور خمسين عامًا على غيابها الذي لم يحدث، مثل أم كلثوم لا تغيب، وهو ما أكده العرض الذي انطلق أمس الجمعة على مسرح "المسرح" بمدينة الإنتاج الإعلامي.
أبرز علامات الاستفهام كانت ما الجديد الذي سيقدمه العرض عن سيرة يعرفها الجمهور جيدًا وتابعها الملايين جيلًا بعد جيل في مسلسل "أم كلثوم" لمحفوظ عبد الرحمن وإنعام محمد علي، والأهم من هؤلاء الذين سيناطحون صابرين وكمال أبو رية وأحمد راتب وحسن حسني وغيرهم من نجوم المسلسل الذي مر على إطلاقه ربع قرن بالتمام والكمال.
حملت معي علامات الاستفهام وذهبت ملبيًا دعوة مشاهدة المسرحية التي توافرت لها إمكانات إنتاجية فائقة الجودة، وأكدت أن مدحت العدل منتج ومؤلف العمل أحسن اختيار المخرج الذي سيدير كل هذا الكم من الممثلين والراقصين عابرًا بأم كلثوم من لحظة الميلاد إلى ساعة الوفاة في ساعتين ونصف الساعة، المخرج هو أحمد فؤاد الذي نجح في أن يقدم رؤية بصرية وحركية مميزة نقلت الأحداث من مرحلة لمرحلة بسهولة وانسيابية تناسب خشبة مسرح متطور مستعينًا بفريق محترف في كل التخصصات لديه خبرات سابقة أسهمت في تقديم محتوى يليق باسم كوكب الشرق.
في مقدمة هؤلاء مهندس الديكور محمود صبري، حيث الديكور أداة أساسية للسرد المسرحي في عمل متعدد المراحل الزمنية، وتم تصميم قطع الديكور واستخدام مساحة الخشبة في الانتقال من مرحلة لمرحلة بسلاسة واضحة، وهو ما ينطبق أيضًا على إضاءة ياسر شعلان حيث تحول الإظلام إلى فواصل ناعمة بين المشاهد.
بجانب الديكور والإضاءة كانت الموسيقى بالطبع حملًا ثقيلًا نجح في تقاسمه خالد الكمار وإيهاب عبد الواحد، ما بين إعادة توزيع أغنيات أم كلثوم الشهيرة وتقديم أغنيات جديدة تكمل الحكاية في عرض مصنف أنه "ميوزيكال" بالأساس، بينما تفوقت ريم العدل كالعادة في تصميم ملابس الشخصيات وتطورها من مرحلة لأخرى، وجهود مدربي الصوت جيهان الناصر وإيمان حسني كانت واضحة خصوصًا مع الممثلين غير المطربين، بجانب جهود مدرب التمثيل محمد مبروك كون معظم من وقفوا على الخشبة لم يقدموا أعمالًا بهذه الأهمية من قبل، فيما صمم الرقصات عمرو باتريك.
العمل وإن جاء فنيًا وبصريًا يليق باسم أم كلثوم، لكن غابت المفاجآت تمامًا عن النص، خصوصًا للجيل الذي يعرف عن قرب قصة حياة أم كلثوم، حيث لم يحاول المؤلف مدحت العدل كشف أي أمور غير مطروقة في حياتها، وبدا كأنه يكتب نصًا وثائقيًا يلخص مشوارها من الميلاد للوفاة، دون أدنى محاولة لتقديم رؤية مغايرة للسائد عن "الست" خصوصًا رائعة إنعام محمد علي، ما يجعل المحتوى مناسبًا أكثر لمن يتعرف على أم كلثوم لأول مرة.
أخيرًا، وبجانب أسماء الجمل وملك أحمد اللتين قدمتا شخصية أم كلثوم بأداء جيد للغاية خصوصًا على مستوى الصوت، توفر مسرحية "أم كلثوم" مساحة غير مسبوقة لمجموعة كبيرة من الموهوبين، في مقدمتهم سعيد سلمان الذي أبدع في تجسيد "أحمد رامي"، وعماد إسماعيل الذي قدم شخصية "الشيخ أبو العلا"، وهو ثاني تعاون له مع العدل بعد شخصية سيدني شابلن في "شابلن"، وعمر صلاح الدين الذي تابعته ممثلًا من قبل واكتشفته مطربًا لأول مرة في شخصية "الشيخ إبراهيم"، وخريجة مركز الإبداع الفني هدير الشريف التي ظهرت بأكثر من شخصية لكنها تألقت كـ"زوجة أحمد رامي"، بجانب المفاجأة "ليديا لوتشيانو" في شخصية منيرة المهدية والتي أتوقع لها انتشارًا كبيرًا بعد "أم كلثوم" وكذلك أحمد علي الحجار "محمد عبد الوهاب"، منار الشاذلي "شقيقة أم كلثوم"، إسماعيل السيد "خالد إبراهيم"، يوسف سلامة "القصبجي"، هاني عبد الناصر "السنباطي"، فتحي ناصر "بليغ حمدي".
مسرحية "أم كلثوم" عمل يستحق المشاهدة، خصوصًا لهؤلاء الذين يريدون استعادة أجواء الاستماع إليها وهي واقفة أمامهم على خشبة المسرح، عمل يؤكد أن كوكب الشرق حية لا تموت كما قالت أشعار مدحت العدل في "فينال" العرض، حية لدرجة أنه بعد خمسين عامًا من غيابها تستعيدها القاهرة مجددًا على خشبة المسرح وقريبًا على شاشات السينما بفيلم "الست" لتظل سيرة أم كلثوم حاضرة والجدل حول تأثيرها دائم غير قابل للخفوت.