عامان على طوفان الأقصى.. إسرائيل تبحث عن المسؤول ولا تجده
عادل عبدالمحسن
مرّ عامان بالتمام منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، ولا يزال 48 أسيرًا إسرائيليًا محتجزين في قطاع غزة لليوم الثاني والخمسين بعد السبع مئة واثنين وثلاثين يومًا. مع ذلك، لم يشهد المشهد السياسي والأمني في إسرائيل استجابة موحدة لتحمّل المسؤولية، إذ تباينت مواقف كبار المسؤولين بين من أصدر استقالته، ومن فُصل، ومن ظل في منصبه رغم الانتقادات والتهامس الشعبي والسياسي حول مستحقات المحاسبة.
تتسلسل الإقالات والاستقالات منذ اندلاع الحرب لتكشف صورةً متشابكة من المحاسبة الجزئية والقرارات الفردية.
كان وزير الدفاع السابق يوآف جالانت أول من أُقيل على خلفية تداعيات الفشل الأمني، تلاه رئيس جهاز الأمن العام الشاباك رونين بار الذي أُقيل في مارس الماضي.
وبرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلا الحالتين قرارات إنهاء الخدمة بانعدام الثقة المتنامي بينه وبين المسؤولين المعنيين.
وعلى مستوى المؤسسة العسكرية والاستخباراتية، أنهى رئيس الأركان هرتسي هاليفي ورئيس الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا، إلى جانب قائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان ورئيس قسم العمليات عوديد سيوك وقائد فرقة غزة آفي روزنفيلد، مهامهم خلال الحرب.
وفسّرت استقالات بعضهم وقرارات فصل آخرين بأنها نتيجة دورهم المباشر في إخفاقات السابع من أكتوبر، بينما اعتُبرت استقالات أخرى خطوة رمزية أو سياسية في آن معًا.
من بين الحالات اللافتة التي شهدتها الفترة الماضية استقالة أو إقالة رئيس جهاز المخابرات أهارون حاليفا، الذي اعتبر أنه لم يُنجز المهمة الموكلة إلى جهازه وأبلغ قيادة الجيش ورئاسة الحكومة بحاجته إلى مراجعة شاملة، داعيًا إلى لجنة تحقيق وطنية.
وفي تسجيل معبّر عن الشعور بالمسؤولية، وصف حاليفا ما جرى بأنه يوم أسود يلازمه ويستمر في إحداث ألم شخصي ومهني لا يُمحى.
كما استقال قائد فرقة غزة آفي روزنفيلد، معبرًا عن شعوره بفشل في أداء مهمته في حماية مقر فرقته والسكان المحيطين، مشيرًا إلى أن الهجوم اندلع بشكل مفاجئ وفي ساعات احتفال دينية، ما أسفر عن خسائر بشرية وميدانية قاسية.
وفي مارس استقال رئيس شعبة العمليات عوديد بيسيوك، بعد تحقيقات تناولت أداء اللواء الذي ترأسه، فيما رفضت قيادة الجيش في بعض المرات قبول استقالاته فورًا لدواعٍ تشغيلية.
استقالة نمرود
من جهة أخرى، ترك اللواء نمرود ألوني منصبه بعد توتر علني مع قيادة الجيش، وفي خطاب نقدي عند نهاية خدمته وصف المؤسسة العسكرية بأنها فقدت مفاهيم المسؤولية وأصبحت عاجزة عن كشف إخفاقاتها، معبّرًا عن مرارة إزاء ما رآه من تقاعس وعدم ردع للأخطاء السابقة التي مهدت للتدهور الأمني.
بينما تحمل هذه القائمة أسماءً انسحب بعضها طوعًا وانتهى آخرون بفصل رسمي، يبرز غياب مؤشرات واضحة على مساءلة سياسية أوسع، خصوصًا على مستوى رئاسة الحكومة.
فلم يقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استقالته، وظل يرفض الاعتراف بتحمّل مسؤولية مباشرة عن إخفاقات السابع من أكتوبر، مشددًا على أن تقييمه يخضع لقياس ثقة الجمهور، ومثيرًا بذلك جدلاً داخل الساحة الإسرائيلية حول حدود المحاسبة السياسية أثناء الحرب.
على صعيد المؤسسات المُكلّفة بالتنسيق الأمني والوطني، لم يتحمّل رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنجبي مسؤولياته عن الفشل، رغم أن مهام المجلس تشمل تنسيق وتشكيل وتخطيط سياسة الأمن القومي وتطوير قيادة مكافحة الإرهاب. ويُعتبر غياب مساءلة هذه الجهة دليلاً على أن نظام المحاسبة لم يشمل جميع مستويات القيادة التي يرى كثيرون أنها ينبغي أن تُراجع أدوارها في الوقاية والتحذير.
وفي يناير من العام نفسه، أعلن رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي استقالته معترفا بمسؤوليته عن فشل جيش الاحتلال في صباح السابع من أكتوبر، مؤكداً أن الجيش دفع ثمناً باهظاً من أرواح ورهائن وإصابات نفسية وجسدية، وأن آثار هذا الفشل سترافقه مدى الحياة.
ومع ذلك، تبقى أسئلة كثيرة حول عملية المحاسبة: ما الذي تغيّر في آليات الإشراف والاستخبارات؟ وهل كانت هناك ثغرات هيكلية وسياسية أعمق من كونها أخطاء فردية يمكن معالجتها باستبدال مسؤولين؟
الواقع الراهن في إسرائيل بعد عامين من المواجهة واحتدام الحرب على عدة جبهات ليلة بعد أخرى يشي بأن محاسبة المسؤولين اقتصر على استبدال عدد من القيادات، بينما ظل بعضها الآخر في مراكز القرار، وهو ما يثير مخاوف منتقدين من أن المحاسبة الجزئية قد لا تكفي لمعالجة جذور الإخفاق.
وفي المقابل، يرى مدافعون عن استمرار القيادات أن استقرار الوضع الأمني والدفاعي يعد ضرورياً في زمن الحرب وأن استبدالًا كليًا قد يُضعف القدرة العملياتية.
مع استمرار احتجاز الأسرى وارتفاع فاتورة الحرب البشرية والمادية، يظل ملف المحاسبة مفتوحًا على مستويات وطنية متعددة، ويعكس نقاشًا مركزيًا حول طبيعة الدولة في أوقات الأزمات: هل تُتقن تصحيح أخطائها عبر مراجعات شاملة وبناءة أم أنها تميل إلى تصفية المسؤوليات جزئياً للحفاظ على استقرار مؤسساتها؟ الأيام القادمة ستبقي علامة استفهام كبيرة على مدى قدرة الأجهزة السياسية والعسكرية على اجتياز الأزمة عبر إصلاحات جوهرية أم بالإجراءات العرضية التي ظهرت حتى الآن.


















