عاجل
الثلاثاء 14 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
آيات القرآن.. وأبيات الشعر الجاهلى!

كتب ممنوعة 5

آيات القرآن.. وأبيات الشعر الجاهلى!

يبحث كتاب «فى الشعر الجاهلى»، لمؤلفه د.طه حسين، فى لغة الشعر الجاهلى، وعن حقيقة وجود شعراء ما قبل الإسلام مثل امرئ القيس وطرفة بن العبد.



وقد اعتبر الكثير من شيوخ الأزهر والأدباء أن قول طه حسين عن انتحال الشعر الجاهلى بمعنى تأليف الأشعار بعد الإسلام ونسبتها إلى الجاهليين هو إنكار لبلاغة العرب، مما يؤدى إلى إنكار الإعجاز القرآنى باعتباره نزل ليتحدى شعراء العرب الجاهليين.

وانتحال الشعر الجاهلى بحثَ فيه كثيرون قبل طه حسين، مثل المستشرق ديفيد صمويل مرجليوث (1858-1940م)، وقبلهما محمد بن سلام الجمحى (757-846م)، وقالوا بوجود أدلة تثبت انتحال البعض من الشعر الجاهلى.

من الأمثلة أبيات لامرئ القيس:

دنت الساعة وانشق القمر من غزال صاد قلبى ونفر

مر يوم العيد بى فى زينة فرمانى فتعاطى فعقر

بسهام من لحاظ فاتك فر عنى كهشيم المحتظر

وأبيات لأمية بن أبى الصّلت:

وحوسبوا بالذي لم يحصه أحد منهم وفى مثل ذاك اليوم معتبر

فمنهمو فرح راضٍ بمبعثه وآخرون عصوا مأواهم السقر

يقول خزانها ما كان عندكمو ألم يكن جاءكم من ربكم نذر

ويرى البعض أن القرآن استنسخ آياته من شعر الجاهليين بسبب هذا التشابه، ولكن البعض من دارسى الأدب الجاهلى من المستشرقين ومن العرب قالوا بأن الأشعار التي تشابه آيات القرآن عن شق القمر وعن يوم الحساب هى أشعار منحولة.

وأبيات الشعر الجاهلى التي ذكرت التوحيد والأنبياء ويوم الحساب تتناقض مع عدم إيمان الكفار والمشركين بالرسالات الإلهية، كما أنهم رواة الشعر والأشد حرصًا على التشكيك فى الرسالة لم يدعوا بأن القرآن قلد أشعارهم.

وفى التراث أن القرآن نزل بلغة العرب، ولذلك يستشهد المفسرون بأبيات الشعر لتوضيح معانى الآيات، باعتبار أن القرآن نزل بلغة قريش وهم أصحاب الفصاحة فى الشعر، مع أن ألفاظ القرآن لا يتم فهمها إلا من خلال آياته ولا تستنبط قواعده إلا من داخله.

فاﻟﻘﺮآﻥ لم ينزل بنفس الدلالات النسبية والمعانى الاصطلاحية ﻟﻠﻐة ﺍﻟﻌﺮﺑﻴة: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) النحل103 ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻧﺰﻝ ﺑﻠﺴﺎﻥ عربى يُعَبر عن الدلالات والمعانى الحقيقية للكلمات.

ﻭﺍﻟﻠﺴﺎﻥ العربى يعنى القوالب الصوتية المنطوقة، ﻭﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﺍﻟمبين الواضح الذي يناسب القرآن ﻫﻮ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ العربى، ﻭﻛﻞ ﺍﻷﻟﺴﻦ ﺍلأﺧﺮى ﺃﻋﺠﻤﻴﻪ أى ﻏﻴﺮ ﻣﺒﻴنة ﻟلمعانى التي يريد منا تعالى فهمها، أمّا اللغة فهى ﺻﻴﺎﻏﺔ المقاطع الصوتية فى ﻧﺴﻖ يعبر عن المعانى المتفق عليها بين الناس. 

فاﻟﺸﻌﺮ الجاهلى  ﻟﺴﺎﻥ عربى، ﻭﺍﻟﻘﺮآﻥ ﻟﺴﺎﻥ عربى، ﻳﺸﺘﺮﻛﺎﻥ فى  نفس المقاطع ﺍﻟﺼﻮﺗية المنطوقة، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ الجاهلى ﻟﻐﺔ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ من ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺍلأﻟﻔﺎﻅ والتراكيب ﺑﻨﺴﻖ ﻣﻌﻴﻦ هى ﻣﻦ قدرات ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ تعبر عن معانٍ تم الاصطلاح عليها. 

أﻤّﺎ ﺍﻟﻘﺮآﻥ الكريم فهو كلام ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎلى، وصياغة الكلمات والتراكيب ﺑﻨﺴﻖ ﻣﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ وبما يناسب قدرته ﻭﻋﻠﻤﻪ المطلق، ﻭلهذﺍ تم وصف القرآن بالمبين.

ولذلك؛ ﻓﺈﻥ القول ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻘﺮﺍﻥ ﻧﺰﻝ بلغة قريش أو بلغة العرب هو قول غير دقيق، فالقرآن نزﻝ ﺑﻠﺴﺎنهم ليفهموه: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) الدخان 58، ﻭلكنه يستخدم الحروف والكلمات بشكل محكم لا يحتمل التقديم ولا التأخير، ولا يحتمل الإضافة ولا الحذف.

والقرآن لا يوجد فيه تطابق لمعانى الكلمات المترادفة مثل أبصر ورأى وشاهد ونظر، ويستخدم الضمائر بطرق مختلفة عن اللغة:

(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ) التوبة 62، ولو كان الرسول فى الآية يعنى النبى لقال تعالى:

«يرضوهما»، ولكن الرسول هنا يعنى القرآن، وجاء التعبير بالمفرد الذي يدل على الله وقرآنه.

والقرآن يستخدم الكلمات بمعناها الحقيقى مثل كلمة الحيوان وتعنى الحياة الدائمة: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) العنكبوت 64، وليس بالمعنى الاصطلاحى المتفق عليه لكلمة الحيوان وهو الدابة فى اللغة.

كما أن اللغة والشعر بهما الكذب والخطأ والخيال، ولا يمكن للغة وشعر زمن معين أن يصلح التعبير بهما لكل زمان لأن ﻟﻐﺔ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻧﺴﺒية، أمّا كلام ﺍﻟﻠﻪ فهو صالح ﻟﻜﻞ ﺯﻣﺎﻥ ﻭﻣﻜﺎﻥ ﻷنه يعبر بالصدق والصواب والحق.

وقد سمى تعالى القرآن حديثًا لأن كلامه يمتلك ﺧﺎﺻﻴﺔ التحديث الذاتى للمعانى ﻣﻊ ثبات النص وحركة المحتوى: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) الأعراف 185، وبمرور ﺍﻟﺰﻣﻦ تزداد معانى  ﺍﻟﺸﻌﺮ الجاهلى  تعقيدًا ﻭﻏﻤﻮﺿًﺎ، وتزداد معانى ﺍﻟﻘﺮآﻥ فهمًا ﻭﻭﺿﻮﺣًﺎ.

ولذلك فالربط بين الشعر الجاهلى المنحول وبين القرآن باعتبار أنهما استخدما لغة العرب الفصيحة ليس صحيحًا، فالقرآن وحى إلهى لا يصدر عن الهوَى مثل الشعر، ورغم تشابههما فى اللغة والبلاغة يبقى الشعر يخاطب المشاعر والأهواء البشرية، ويبقى القرآن كلام الله يدعونا للعِلم والعقل والتدبر.

نقلًا عن مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز