عاجل
السبت 18 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
حفل "أنيما" في سفح الأهرامات.. مقترب نقدي

حفل "أنيما" في سفح الأهرامات.. مقترب نقدي

لا شك أن حفل الموسيقى الإيطالي الأمريكي "أنيما" الذي أثار الجدل عند سفح الأهرامات في مصر، والحشد الكبير من الجمهور الذي بلغ أربعة آلاف متفرج مصري وأحد عشر ألف متفرج أجنبي جاء خصيصاً للحفل له أمر يستحق التأمل والتفكير النقدي، خاصة بعد تداول الأخبار عنه منذ الثالث عشر من أكتوبر الجاري 2025 وتكاثرها حول العالم.



خاصة أن الحدث أصبح حدثاً فنياً عالمياً يتم تداول مقاطع مصورة منه حول العالم، وهو يعيد طرح أسئلة عديدة حول الفنون وعلاقتها بالآثار المصرية القديمة.

بالتأكيد لا يمكن الكتابة عن عمل فني دون رؤيته كاملة، إلا أن ما هو متاح من مقاطع مصورة هو فيض كبير من المشاهد القصيرة التي يمكن عبر تنوعها الواضح مناقشة الحدث الفني.

وبعيداً عن الاستقطاب الحاد بين إبداء الدهشة والرعب ومحاولات إضفاء صفات المؤامرة والرموز السرية وما إلى ذلك من ناحية.

ومن ناحية أخرى الانبهار بالحدث الفني والإشادة بقدرته على الترويج للسياحة المصرية من ناحية أخرى.

يأتي تصنيف العمل الفني "لأنيما" في إطار الموسيقى الإلكترونية المعاصرة، وهي نوع فني موسيقي يعتمد في حفلاته على المزج بين الصوت والصورة عبر المشاهد المعبرة المكملة لتأثير الموسيقى، وهو يمزج بين عناصر مسرحية وسينمائية ووسائط تكنولوجية متعددة.

وقد كان لدينا في مصر مختص مبدع هو د. محمد عبدالوهاب أستاذ التأليف الموسيقي بالمعهد العالي، الكونسيرفاتوار، والذي قدم العديد من الحفلات المهمة في هذا النوع الفني الموسيقي البصري في دار الأوبرا المصرية منذ 2006 حتى رحيله عن عالمنا إلى رحمة الله الواسعة في فبراير الماضي 2025.

وكان الفنان المصري د. عبد الوهاب صديقاً شخصياً حرص على دعوتي لحضور تجاربه التي كان يقدمها بجهده المنفرد، ولم يحصل على دعم مؤسسي لإنجازه الجديد الذي ابتعثته أكاديمية الفنون المصرية في فترة رئاسة أ.د. فوزي فهمي لها رحمه الله رحمة واسعة لتعلمه في إطار الاتصال مع فنون العالم المعاصرة.

عاد ليواجه فكرة أنه رائد هذا النوع الفني البعيد عن انسجام الموسيقى الكلاسيكية أو طرب الغناء الشرقي.

أو حتى الصياغات المعاصرة للأغاني الجديدة المصورة لنجوم الغناء في مصر والوطن العربي.

ولا أعرف غيره عمل على هذه الموسيقى الممسرحة أو المؤفلمة بشكل علمي منتظم في مصر حتى الآن، وإن كانت هناك محاولات لعدد من المؤثرين الموسيقيين المستقلين في هذا المجال.

أما حقاً المثير للتساؤل فهو غياب سؤال التقنية المستخدمة في الحفل وكأنها مفاجأة، بينما هي شاشات لوحية ذاتية البث على الجانبين لعرض الصور وقد نفذها مختصون مصريون، أما شاشة العرض الرئيسية فهي شبكة غير مرئية دقيقة الصنع لا أستطيع إلا أن أراها أيضاً تعمل عبر الإسقاط الإشعاعي بطريقة تقنية جديدة.

 

وقد كان من الممكن حقاً رؤيتها عبر كل تلك الطاقة الضوئية من الليزر، والمؤثرات المتعددة وأبرزها مؤثرات النار، والإضاءات الكثيفة ذات اللون الواحد المتكرر، والألوان الساخنة والباردة التي تم استخدامها بالتبادل لخلق توتر شعوري في المكان ككل يضم الصورة الرئيسية وإضاءة مكان الجمهور، وإضاءة قمة الهرم الأكبر أيضاً في لحظات بعينها بلون القمر الأبيض ودرجته الخاصة جداً في درجات اللون الأبيض المتعددة.

ولذلك انقسم العرض إلى قسمين الأول هو كوانتم، في إشارة للوحدة الأولى في فيزياء الكم والثاني هو نهاية "جينيسيس" وهو عنوان ألبوم جديد للفرقة يشير لمعنى البداية أو الخلق، وهو عنوان متصل بسفر التكوين، فكلمة "جينيسيس"، هي كلمة يونانية الأصل تشير أيضاً لمعنى الولادة.

وهو فيض من الصور تصاحبه الموسيقى الإلكترونية، أبرزها هو ذلك الإنسان الآلي المعدني الذي يظهر بعيون حمراء شريرة ليكسر لوح الزجاج الوهمي في الصورة المعروضة وله على رأسه قرنان صغيران يشبهان صور الشيطان الصغير في رسومات الأطفال الشهيرة.

وهكذا وعبر الكلمة "الكوانتم" ذات الصلة بعلم الفيزياء المعاصر، وعبر العودة للعقل الإغريقي القديم عبر كلمة "جينيسيس" التي تشير لوحدة العقل الأوروبي المعاصر والتي تتأسس على وحدة العقل اليوناني القديم، والعقل الإغريقي المتصل بالحضارة المصرية القديمة هو احتفال معرفي بمعنى جديد للولادة، في إطار إدراك الثقافات الكلاسيكية القديمة الإغريقية والمصرية.

وهو ما يمكن تفسيره عبر إطلاق الخيال بكونه إشارة لخطورة التفكير الذي يعمل على دمج الإنسان بالآلة، وأن هذا الدمج سينتج من يكسر الحائط الوهمي بينه وبين الناس نحو مستقبل مجهول.

الشخوص الأخرى التي تظهر لرجال ولسيدات تنتهي أذرعهم ورؤوسهم بما يشبه الموجات والموصلات الإلكترونية المعاصرة، وخاصة تلك التي يغمرنا بها وادي السيلكون لهي إشارة إلى حضور قائم وقادم لعالم التكنولوجيا العصبية والصور المسموعة المرئية اللانهائية والفيض الكبير للسيطرة عبر علم الأعصاب باستخدام الصوت والصورة على خيال ووعي ولا وعي الملايين الكبيرة حول العالم.

ولا شك أن هذا النوع الموسيقي الإلكتروني المصاحب والممتزج بالصور والمؤثرات والإضاءة هو أحد أبرز تجليات انهيار الحدود بين الفنون التعبيرية وتداخلها في عالم ما بعد الحداثة.

بالتأكيد يدرك العرض ويبرز حضور المتلقي كمشارك فاعل عبر المرح والرقص والفرجة معاً، في تجربة موسيقية بصرية مختلفة تمنح تجربة متفردة للجمهور، خاصة مع قدرة ذبذبات الموسيقى الإلكترونية المرتفعة والمنخفضة على التأثير في الحواس وذلك لأنها ممزوجة برؤية بصرية مدهشة وحية إبداعية.

لا يوجد شيء مرعب إذن في تقديري النقدي، ولكنه عالم جديد علينا أن نتفاعل معه لأننا نملك في مصر الأماكن التي لا مثيل لها، والتي تثير الخيال والسحر لدى الجمهور في كل مكان في العالم كما حدث عند سفح الأهرامات في هذا الحفل المثير للجدل.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز